The Phenomenon of Postponement in Islamic Thought
ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي
Издатель
دار الكلمة
Номер издания
الأولى
Год публикации
١٤٢٠ هـ - ١٩٩٩ م
Жанры
يسلموا رسول الله ﷺ للقتل، وكتبوا في مكرهم صحيفة وعهودًا ومواثيق؛ لا يقبلوا من بني هاشم أبدًا صلحًا، ولا يأخذهم بهم رأفة حتى يسلموه للقتل.
فلبث بنوا هاشم في شعبهم ثلاث سنين، واشتد عليهم البلاء والجهد، وقطعوا عنهم الأسواق، فلا يتركوا طعامًا يقدم مكة ولا بيعًا إلا بادروهم إليه فاشتروه؛ يريدون بذلك أن يدركوا سفك دم الرسول ﷺ..".
ثم ذكر تخوف أبي طالب من اغتيال النبي ﷺ وما دبر لدرء ذلك من الحماية وما أصاب المسلمين من جهد.
وقال ابن إسحاق: "ثم عدوا على من أسلم فأوثقوهم وآذوهم، واشتد البلاء عليهم وعظمت الفتنة وزلزلوا زلزالًا شديدًا" وذكر ما بلغ بهم من الجهد الشديد "حتى كان يسمع أصوات صبيانهم يتضاغون من وراء الشعب من الجوع".
قال السهيلي: "في الصحيح أنهم جهدوا حتى كانوا يأكلون الخبط وورق السمر، حتى إن أحدهم يضع كما تضع الشاه" (١) .
١٠ - وصل الأمر إلى حد أن المسلمين لا يستطيعون دعوة الناس إلى الله، ولا يستطيع الداخل في الإسلام حديثًا أن يجاهر بذلك، كما يتجلى في قصة إسلام أبي ذر التي رواها عبد الله بن عباس رضى الله عنهما، قال: "لما بلغ أبا ذر مبعث النبي ﷺ قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي يأتيه الخبر من السماء، واسمع من قوله ثم ائتني.
فانطلق الأخ حتى قدمه، وسمع من قوله، ثم رجع إلى أبا ذر فقال له: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق، وكلامًا ما هو بالشعر.
فقال: ما شفيتني مما أردت.
فتزود وحمل شنه له فيها ماء حتى قدم مكة، فأتى المسجد فالتمس النبي ﷺ ولا يعرفه، وكره أن يسأل عنه حتى أدركه بعض الليل، فرآه عليّ فعرف أنه غريب، فلما رآه تبعه فلم يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء حتى أصبح!!، ثم احتمل قربته وزاده إلى المسجد، وظل ذلك اليوم ولا يراه النبي حتى أمسى،
_________
(١) أنظر: دلائل النبوة للبيهقي (٢/٨٠- ٨٥)، والسيرة النبوية لابن كثير (٢/٤٣- ٧٢)، والروض الأنف (٢/١٠١- ١٢٩) ففيها تفصيل قصة الشعب وما تخللها من أحداث، وأصل القصة في الصحيح في قوله ﷺ: "حيث تقاسموا على الكفر" (٧/٨٣)، (١١/٢٨٢) لكن ليس فيها ذكر الشعب، بل ذكر أن ذلك في الغزو. والله أعلم.
1 / 37