البهجة الوفية بحجة الخلاصة الألفية
البهجة الوفية بحجة الخلاصة الألفية
Исследователь
حمزة مصطفى حسن أبو توهة
Издатель
دار الكتب العلمية
Номер издания
الأولى
Год публикации
١٤٣٨ هـ - ٢٠١٧ م
Место издания
بيروت - لبنان
Жанры
شروح الغزي على الخلاصة
الشرح المنظوم الكبير
البهجة الوفية
بحجة الخلاصة الألفية
نظم الإمام العلامة الأصولي المفسر المحدث
الفقية البياني شيخ الإسلام
أبي البركات
بدر الدين محمد بن محمد بن محمد الغزي
﵀
ت ٩٨٤ هـ
دراسة وتحقيق
حمزة مصطفى حسن أبو توهة
الجزء الأول
1 / 1
الإهداء
"حذيفة" أخي إلى روحك الطاهرة ألف سلام ورحمة وغفران
إلى أمي مذللة صعاب الحياة، أبي السند والركن حفظكما الله
إلى رفيقة الدرب "كوثر" أم البنين وشقيقة الروح، أدامك الله لي
إلى كل عاشق لهذي اللغة العظيمة
أهدي هذا العمل المتواضع
1 / 3
شكر وعرفان وتقدير
إن كان من أحد لا بد من شكره فإني لا أنسى ربيع زاهر الطناني رفيق العلم واللغة، والصديق الجامعي الوحيد الذي ظفرت به.
الدكتور حازم السراج لك مني كل الشكر والتقدير؛ يدك عليّ لا يجازيها إلا الله، أدام الله فضلك وأسبغ عليك نعمه.
الدكتور أحمد بسيوني الذي لم يأل جهدًا في توفير ما عزّ من النسخ المخطوطة، لك مني كل الحب والتقدير.
محمود أبو هلال الذي ساعدني في الحصول على المخطوط الأصل، لك مني كل الحب والتقدير.
1 / 4
تصدير
عبد اللطيف زكي ابو هاشم، مدير دائرة المخطوطات والآثار وزارة الأوقاف
والشؤون الدينية - فلسطين
تحفة أخرى لغوية من تراث بني النخال الغزي
البهجة الوفية بحجة الخلاصة الألفية شرح ألفية ابن مالك نظما: تأليف الإمام بدر الدين محمد بن محمد الغزي (ت. ٩٨٤ ه) دراسة وتحقيق: حمزة مصطفى أبو توهة.
أطلعني الباحث الأديب حمزة الذي سلك طريق التحقيق والدراسة والبحث في أمهات كتب اللغة والأدب وبالأخص كتب النحو، منذ بواكير التأليف وحتى عصرنا الحاضر، فترى هذا الشاب الباحث حديث السن الذي لم يتجاوز من عمره اثنين وعشرين عاما، يقبل وهو في معاهد الدراسة وفترة التعلم، وقبل أن يحرز الشهادة الجامعية على تحقيق ودراسة هذا السفر النادر، لعالم كانت غزة مسقط رأسه وربوع أجداده هو الإمام بدر الدين محمد بن محمد الغزي، حيث قام الباحث حمزة مصطفى أبو توهة بتحقيق ودراسة هذا السفر النادر في مجلدين كبيرين، وإني والله الأغبط هذا الباحث الشاب من كل قلبي، وكم سررت عندما اطلعت على هذا العمل الذي يبشر بالنبوغ والمستقبل الزاهر، كما أنني أطمئن أن هناك حراسا لعلوم العربية في ربوع غزة هاشم، وهذا التوجه الذي سلكه الباحث كان ينبغي أن يسلكه أساتذة كبار نالوا درجة الأستاذية، ولكن للأسف الشديد هؤلاء لم يصنعوا شيئا، ولم يقدموا للعلم شيئا يذكر ما خلا بعض وريقات كانت لها مساهمة في إحراز الترقية،
أعيد وأذكر أن هذا العمل الجليل الواعد الذي قام به باحثنا له أهمية كبيرة في إحياء
1 / 5
ودراسة تراث الأجداد والتنقيب عن كنوزهم الحبيسة في المكتبات الكبرى شرقا وغربا
وإن هذا العمل سيكون له أهمية كبيرة في إثراء البحث والدراسة في أهم مصادر اللغة العربية وفي علم النحو والإعراب خاصة بألفياته متنا وشروحا ودراسة،
وفي الختام أهنئ وأبارك لهذا الباحث، وأهيب بالمؤسسات العلمية والجامعات الفلسطينية أن تنظر بعين الاعتبار لمثل هذه الأعمال، وأن يعتبر مصدرا مهما من المصادر اللغوية التي يتم الاعتماد عليها في دراسة العربية ونحوها وصرفها وبلاغتها، وفقنا الله جميعا لإحياء تراث لغة القرآن، وجعل ذلك منارة وخدمة للعلم وأهله.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وسلم.
1 / 6
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المحقق
الحمد لله الملهم بالمنطق الفصيح اللساني، للإعراب عما استكن في الضمير من المعاني، المميز المخصوص بجميع صفات وحالات الكمالات والمفاخر، هادي الألباب للغوص في بحر علم العربية مفتاح العلوم الزاخر، فأخرجوا منه لؤلؤ المعاني والفوائد، ومرجان النكت والقلائد، العاطف على مَن إليه رجع وأناب، المبدل سيآته حسنات بجزيل فضله وحسن الثواب، لا إله إلا هو المنزه عن الابتداء والزمان، واللغة والنحو والجهة والمكان، مرشد القلوب لخلاصة الكافية، الجامعة الشافية الوافية، ونصلي ونسلم على ناسخ الشرائع ذي المقام المحمود الأحمد، سيدنا ومولانا ونبينا محمد، أفصح من نطق بالضاد، وكسر بفصاحته ظهر كل معاند ومتطاول مضاد، وآله وأصحابه، وكل من اقتفى أثره وسَكِر بحبه وصحابه، ما دام العلم منشورًا في المجالس والدروس، ومنظومًا ومنثورًا في الأوراق والطروس، وبعدُ لمّا كانت العربية من أجل العلوم، ولما كانت المصنفات فيها أكثر من أن تعد وتحصى، تميزت من هذه التصنيفات بعضها، وشاع ذكرها، وتُصدي لشرحها، ومن أجَلّ هذه المصنفات "ألفية ابن مالك"، ولها ما يزيد على مئة وثلاثين شرحًا، ما بين مطبوع ومخطوط ومفقود، وقد أعرب أبياتها بعض العلماء، ووضع لها آخرون حواشي وتقريرات وتقييدات وتعليقات، وحوّلها بعضهم إلى نثر، وغير ذلك من ألوان العناية والاهتمام بهذا الكتاب المبارك (^١).
_________
(^١) انظر: كشف الظنون ١\ ١٥٢.
1 / 7
ويمكن القول إن أول شرح للألفية كان شرح ابن الناظم (^١)، ثم تلاه شروحات مَن بعده، وتصدى للألفية جهابذة العلماء كأبي حيان والمرادي والشاطبي والمكودي وابن عقيل وابن هشام.
لكن هذه الشروح كلها كانت على هئية واحدة وهي الشرح المنثور، إلا أن التراث حفظ لنا شرحًا بديعًا عظيمًا، غريبًا في بابه، لم يُنسج على منواله، وهو شرح الإمام بدر الدين الغزي المسمى "البهجة الوفية بحجة الخلاصة الألفية"، وهو شرح منظوم في عشرة آلاف بيت ونيف وخمسين بيتًا.
وقد وقعت النية على الخوض في غمار العربية، وخصوصًا في شيء يخص ألفية ابن مالك، فعقدت العزم على أن أعكف على هذا المصنف تحقيقًا.
والذي شجعني أكثر إلى جانب اهتمامي وغرامي بالتراث النحوي أن المؤلف غزيّ مثلي أصله من مدينة غزة.
بدأت رحلتي مع هذا المصنَّف المخطوط في شهر رمضان من عام ألف وأربعمئة وسبعة وثلاثين وأنا طالب في المستوى الثالث في الجامعة الإسلامية بغزة في كلية الآداب قسم اللغة العربية.
أسأل الله أن يتمم أمورنا بخير، إنه على كل شيء قدير.
حمزة مصطفى حسن أبو توهة
٢٩ رمضان ١٤٣٨ هـ
الموافق
٢٣ يونيو ٢٠١٧
_________
(^١) انظر: نشأة النحو ٢٣١ والوسيط في تاريخ النحو العربي ٢٠٦.
1 / 8
الدراسة
1 / 9
ترجمةُ المصنِّف (^١)
اسمُهُ ولقبُه:
محمدُ بنُ محمدِ بنِ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ بدرِ بنِ عثمانَ بنِ جابر، الشيخُ الإمامُ العالِمُ العلّامةُ، الفقيهُ المفسّرُ المحدّثُ، شيخُ الإسلامِ وبحرُ العلومِ أبو البرَكاتِ بدرُ الدّينِ بنُ القاضي محمدِ بنِ محمدٍ رضيِّ الدينِ الغزيُّ العامريُّ الشافعيّ.
مولدُه:
كان مولدُهُ في دمشقَ في وقتِ العشاءِ ليلةَ الاثنينِ رابعَ عشرَ ذي القعدةِ سنةَ أربعةٍ وتسعمئةٍ للهجرة.
شيوخُه (^٢):
قرأَ القرآنَ العظيمَ على المشايخِ الصالحينَ منَ الفُضلاءِ في وقتِه، ومنهم: الشموس البغداديُّ، ومحمدُ بنُ السبكيِّ، ومحمدُ النّشائيُّ، ومحمدُ اليمانيُّ، والبدرُ السَّنهوريّ.
أخذَ الفقهَ والعربيةَ والمنطقَ عن والدِه الشيخِ العلّامةِ رضيِّ الدينِ، وقرأَ الفقهَ كذلكَ على تقيِّ الدينِ أبي بكر بنِ قاضي عجلون، وأكثر انتفاعه بهِ بعدَ والدِه، وأخذَ الحديثَ على الشيخِ الإمامِ بدرِ الدينِ حسنِ بنِ الشويخِ المقدسيّ.
رحلتُه في طلَبِ العِلم:
رحلَ أبو البركاتِ بدرُ الدينِ مع والدِه إلى القاهرةِ، فأخذَ بها عن الشيخِ الإمامِ شيخِ الإسلامِ القاضي زكريّا الأنصاريّ، وانتفعَ بهِ في مصرَ كثيرًا، وأخذَ كذلكَ عن
_________
(^١) انظر: الكواكب السائرة ٣\ ٣ والبدر الطالع ٧٦٨.
(^٢) انظر: تراجم الأعيان ٢\ ٩٣.
1 / 11
جماعةٍ آخرينَ، منهم: القَسطلانيُّ صاحبُ المواهِبِ اللدُنِّية، والبرهانُ ابنُ أبي شريفٍ، والبرهانُ القلقشنديُّ، وبقيَ في مصرَ نحوًا من خمسِ سنواتٍ، واستجازَ لهُ والدُهُ من الحافِظِ جلالِ الدينِ السّيوطِيِّ، وعادَ إلى دمشقَ في رجب سنةَ إحدى وعشرينَ وتسعمئةٍ بعدَما برعَ ودرَّسَ وألَّفَ ونظَمَ الشّعرَ، وكانَ أوَّلُ شيءٍ نظمَهُ وهوَ ابنُ ستَّ عشرةَ سنةٍ قولَه:
يَا رَبِّ يَا رَحْمَنُ يَا اللهُ ... يَا مُنْقِذَ المِسْكِينِ مِنْ بَلْوَاهُ
امْنُنْ عَلَيَّ وَجُدْ بِمَا تَرْضَاهُ ... بِجَزِيلِ فَضْلٍ مِنْكَ يَا اللهُ
ومن شعرِهِ أيضًا:
إِلَهَ العَالَمِينَ رِضَاكَ عَنِّي ... وَتَوْفِيقِي لِمَا تَرْضَى مُنَايَ
فَحِرْمَانِي عَطَائِي إِنْ تُرِدْهُ ... وَفَقْرِي إِنْ رَضِيتَ بِهِ غِنَايَ
وكذلكَ من شعرِه قولُه:
بِالحَظِّ وَالجَاهِ لَا بِفَضْلِ ... فِي دَهْرِنَا المَالُ يُسْتَفَادُ
كَمْ مِنْ جَوَادٍ بِلَا حِمَارِ ... وَكَمْ حِمَارٌ لَهُ جَوَادُ
تصديرُهُ للتّدريسِ والتعلِيم (^١):
تصدّى للتدريسِ والتعليمِ في دمشقَ بعدَ عودتِه منَ القاهرةِ وكانَ عمرُهُ سبعةَ عشَرَ عامًا، واجتمعَتْ عليهِ الطّلبةُ، وعُرِفَ فَضلُهُ وعلمُهُ وحُسْنُ فَتواهُ، وظلَّ على ذلكَ إلى المَماتِ مُشتغِلًا بالعِلمِ تدريسًا وتَصنيفًا، معَ ما عُرِفَ بهِ من الاشتغالِ بالعبادةِ وقيامِ اللّيل.
توَلِّيهِ للوظائفِ والمناصبِ الدينية:
تولَّى ﵀ مشيخةَ القُرّاءِ بالجامعِ الأُمويِّ، وإمامةَ المقصورةِ، ودرَّسَ بالمدرسةِ العادِليَّةِ، والفارسيّةِ والشّاميةِ البرانيةِ، والمقدميةِ، والتقوية.
_________
(^١) انظر: الكواكب السائرة ٣\ ٤ وريحانة الألبا ١\ ١٣٨.
1 / 12
اختيارُه العُزلة (^١):
بالرّغمِ منَ انتفاعِ الناسِ بهِ طبقةً بعدَ طبقةٍ، ورحلتِهِمْ إليهِ منَ الآفاقِ إلّا أنّهُ اختارَ العزلةَ عن النّاسِ في أواسطِ عمرِهِ، فكانَ لا يأتي قاضِيًا ولَا حاكِمًا ولَا كَبيرًا، بلْ هُمْ يقصِدُونَ منزِلَهُ الكريمَ للعِلْمِ والإِفادةِ، وَالاستفتاءِ، وطلَبِ الدُّعاءِ مِنهُ، وإذا قصدَهُ قاضي القُضاةِ أو نائبُهُ لا يأذَنُ لواحدٍ منهُما إلّا بعدَ مرّاتٍ ومُراجعاتٍ في الإذنِ، ودخلَ عليهِ نائبُ الشَّامِ مرةً وطلَبَ مِنهُ الدُّعاءَ فقالَ لهُ: "أَلْهَمَكَ اللهُ العَدْلَ"، فاستزادَهُ فَلَمْ يَزِدْ على قولِه: "أَلْهَمَكَ اللهُ العَدْلَ"، وكانتْ هذهِ دَعوتَهُ لكلِّ مَنْ قصدَهُ منَ الحُكّامِ والقُضاة.
مذهبُهُ في العَطايا والهَدايا والأُجرةِ على الفتيا:
كان أبو البركاتِ ﵀ لا يقبَلُ هدايا الطُّلّابِ مُطلقًا، ولا يأخُذُ أَجْرًا على الفتيا، بل سدَّ بابَ الهديّةِ مُطلقًا خشيةَ أن يُهدي إليه مَن يطلبُ منه إفادةً أو شفاعةً أو فتوى، ولم يقبلْ هدايا مِن أحدٍ إلا من أقربائهِ وأخصّائهِ، وكان يكافئُ على الهديّةِ أضعافًا.
كرمُهُ وسخاؤُهُ وجودُه:
كان ﵀ كريمًا سخيًّا، يُعطي الطلبةَ كثيرًا، ويكسُوهمْ، ويُجري على بعضِهم عطاءً دائمًا، وكان إذا ختمَ كِتابًا أو تصنيفًا أَوْلَمَ وصنَعَ خَتمًا حافلًا ودعا أكابِرَ الناسِ إليهِ وفقراءَهُم وأضافهُم، وساوى في ضيافتِهم بينَ الفقراءِ والأُمراءِ، وكان يُضاعفُ النّفقاتِ في رمضانَ، ويدعو إلى سِماطِه كلَّ ليلةٍ منهُ جماعةً مِن أهلِ العِلمِ والصّلاحِ والفُقراء.
أَمْرُهُ بالمعرُوفِ ونهيُهُ عنِ المُنْكر:
كان ﵀ يحبُّ الصُّوفيَّةَ ويُكرمُهم، وإذا سمِعَ عنهُم شيئًا مُخالفًا للشَّرعِ بعثَ إليهِم ونصحَهُم، ودعاهُم إلى اللهِ تَعالَى، وكانُوا يمتثِلُونَ أمرَهُ ونُصحَهُ، وكانوا يُقدِّرُونَهُ ويقتدُونَ بهِ ﵀.
_________
(^١) انظر: الكواكب السائرة ٣\ ٣ - ٤ وشذرات الذهب ١٠\ ٥٩٣.
1 / 13
تصانِيفُه (^١):
وأمّا تصانيفُ الشَّيخِ في سائرِ العُلومِ فبلغتْ مئةً وبضعةَ عشرَ مُصنّفًا، ومِن أشهرِها: التفاسيرُ الثلاثةُ: المنثورُ والمنظومانِ، وأشهرُها: المنظومُ الكبيرُ في مئةٍ وثمانينَ ألفَ بيتٍ، وحاشيتانِ على شَرحِ المِنهاجِ للمحلِّيِّ، وشرحانِ على المِنهاجِ كبيرٌ وصغيرٌ، سايرَ فيهِ المحليَّ، وزادَ فيه أكثرَ منَ الثُّلثِ معَ الإشارةِ فيهِ إلى نُكتِ الحاشية، وهو في حجمِ المحليِّ أو دُونَه، وكتابُ "فتح المُغلَق في تصحيحِ ما في الرّوضةِ مِنَ الخِلافِ المُطلَق"، وكتابُ" التَّنقِيب على ابنِ النَّقِيب"، وكتابُ "البُرهان النّاهِض في نيةِ استباحةِ الوَطْءِ لِلحائِض" وشرحُ "خاتمة البَهْجة" وكتابُ "الدرّ النَّضيد في أدبِ المُفيدِ والمُستفِيد" ودروسٌ على طائفةٍ مِن شرحِ الوجيزِ للرافعيِّ والروضةِ والتَّذكرَةِ الفِقهيةِ، وشرحانِ على الرَّحبيَّةِ، وتفسيرُ آيةِ الكُرسيِّ، وثلاثَةُ شُروحٍ على الألفيةِ في النَّحوِ منظومَانِ ومَنثورٌ، وكتابُ "شرح الصُّدور بشَرْحِ الشُّذُور"، وَشَرْحٌ على التَّوضِيحِ لابنِ هِشامٍ، وشَرحُ شواهِدِ التَّلخِيصِ في المعانِي والبَيانِ، لخَّصَ فيهِ شرحَ السيِّدِ عبدِ الرَّحيمِ العبّاسِيِّ، واللَّمْحَة في اختصارِ المُلْحَة، ونَظْمُ الآجُرُّومِيَّة، وهو أوّلُ تآليفِهِ، وشَرْحُ المُلحَةِ مُختَصَرٌ، وكتابُ "أَسباب النّجاح في آدَابِ النِّكاح"، وكتابُ "فصل الخِطاب في وَصْلِ الأَحْباب"، وَمَنظُومةٌ في خَصائصِ النبيِّ ﷺ، ومنظومةٌ في خصائِصِ يومِ الجُمعةِ وَشرحُها، ومنظومةٌ في مُوافقاتِ سيِّدِنا عمرَ -رضيَ اللهُ تعالى عنه- للقرآنِ العظيمِ وشرحُها، والعقدُ الجامِع في شرحِ الدُّررِ اللّوامِع نَظمِ جَمْعِ الجَوامِع في الأُصولِ لوالدِه وغَيْرُ ذلِك.
وفاتُه (^٢):
مرضَ ﵀ قبلَ وفاتِه أيّامًا، وكانَ ابتِدَاءُ مرضِهِ في ثاني شوّال مِن سنةِ تسعمئةٍ وأربعٍ وثمانِينَ، واستمرَّ بهِ مرضُهُ حتّى سادسَ عشرَ شوّال، وتُوفِّيَ عقِبَ
_________
(^١) انظر: الكواكب السائرة ٣\ ٥ والبدر الطالع ٧٦٩ وريحانة الألبا ١\ ١٤٠ وشذرات الذهب ١٠
\٥٩٤.
(^٢) الكواكب السائرة ٣\ ٥ والبدر الطالع ٧٦٩ وريحانة الألبا ١\ ١٤٤ وشذرات الذهب ١٠\ ٥٩٥ وتراجم الأعيان ٢\ ١٠٥.
1 / 14
أذانِ العصرِ وهو جالسٌ يستمِعُ إلى الأذانِ، وصلَّى عليهِ جمعٌ غفيرٌ يومَ الخميسِ بعدَ الظُّهرِ في الجامعِ الأُمويِّ، ودُفنَ بتربةِ الشيخِ أَرْسَلَان خارجَ بابِ توما مِن أبوابِ دمشقَ من الجانبِ الشرقيّ.
وقال ماميَّةُ الشَّاعرُ مُؤرِّخًا لوفاتِه:
أَبْكَى الجَوَامِعَ وَالمَسَاجِدَ فَقْدُ مَنْ ... قَدْ كَانَ شَمْسَ عَوَارِفِ التَّمْكِينِ
وَكَذَا المَدَارِسُ أَظْلَمَتْ لَمَّا أَتَى ... تَاريِخُهُ بِـ"خَفَاءِ بَدْرِ الدِّينِ"
1 / 15
الكتاب نسبة وتوثيق واسم
نسبة البهجة الوفية إلى الإمام بدر الدين الغزي مما لا يختلف فيها اثنان، ولا ينتطح فيه عنزان؛ فكل من ترجم للمصنف ﵀ أشار إلى هذا الكتاب، ونحن ننقل هنا شيئًا مما يدل على ذلك:
قال حاجي خليفة في كشف الظنون عندما تحدث عن ألفية ابن مالك وشراحها: "وبدر الدين محمد بن محمد بن الرضي الغزي ..، وله ثلاثة شروح على الألفية: منثور ومنظومان" (^١).
قال ابنه نجم الدين في الكواكب السائرة عندما أتى على مصنفات والده: "وله ثلاثة شروح على الألفية النحوية في النحو: منظومان ومنثور" (^٢).
وعندما أورد ابن العماد الحنبلي ترجمة الإمام بدر الدين ذكر من مصنفاته: "وثلاثة شروح على الألفية في النحو: منظومان ومنثور" (^٣).
ولعل من يشهد لهذه النسبة المخطوط نفسه، فقد كتب على غلاف النسخة المعتمدة: "هذا شرح ألفية ابن مالك لأفقه الشعراء وأشعر الفقهاء محمد بن محمد بن محمد بن أحمد العامري الغزي" (^٤).
أما اسم الكتاب فالمشهور أن اسمه: "البهجة الوفية بحجة الخلاصة الألفية"، فقد قال المصنف ﵀ في خطبة الكتاب (^٥):
سَمَّيْتُهُ بِالبَهْجَةِ الوَفِيَّه ... بِحُجَّةِ الخُلَاصَةِ الأَلْفِيَّه
_________
(^١) انظر: كشف الظنون ١\ ١٥٢.
(^٢) انظر: الكواكب السائرة ٣\ ٦.
(^٣) انظر: شذرات الذهب ١٠\ ٥٩٥.
(^٤) انظر: المخطوط الورقة ١\أ.
(^٥) انظر: البيت ٥٧.
1 / 16
ولكن اختلفت دقة الاسم في آخر الكتاب؛ فقد وسمه بـ"البهجة الوفية بحجة الألفية النحوية"، قال ﵀ (^١):
هَذَا تَمَامُ البَهْجَةِ الوَفِيَّه ... بِحُجَّةِ الأَلْفِيَّةِ النَّحْوِيَّه
_________
(^١) انظر: البيت ١٠٠٢١.
1 / 17
تعريف بالبهجة الوفية
البهجة الوفية من أغرب الكتب التي تم تصنيفها في تراثنا النحوي؛ إذ إنه شرح كتابًا منظومًا في كتاب منظوم، وليس هذا سهلًا؛ إذ نظم العلوم والضوابط والفوائد من أصعب ما يكون.
لكن هذا الأمر ليس صعبًا على بعض العلماء الذين منهم ابن مالك وبدر الدين الغزي، وقد قيل عن ابن مالك إنه لو شاء أن يجعل كل كلامه منظومًا لجعل، أما ابن الغزي فهو أمة وحده في النظم.
ابن مالك له من الكتب ما هو منظوم، ومن أشهر كتبه "الألفية" وهي نظم على الرجز في ألف بيت، وأيضًا الألفية هذه مختصرة من كتاب سابق منظوم لابن مالك وهو "الكافية الشافية"، ولابن مالك أيضًا كتاب "الاعتضاد في الفرق بين الظاء والضاد" وهو على بحر الطويل.
وابن مالك لما رأى الألفية أجحفت بعض أبواب الصرف ألحق بها كتابه "لامية الأفعال" وهي نظم على بحر البسيط.
ومن كتب ابن مالك المنظومة كتاب "نظم الفوائد" وهو كتاب جمع فيه الكثير من الفوائد اللغوية والنحوية والصرفية كل فائدة على حدة ينظمها ويجمع أشتاتها، فجاء كتابًا بديعًا لطيفًا سهلًا.
أما ابن الغزي فكتاب واحد من كتبه المنظومة تفوق كل ما صنفه الناس نظمًا، ولعل ما يؤكد لك هذا أن له تفسيرًا كبيرًا للقرآن الكريم يقع في مئة وثمانين ألف بيت، عدا مختصره لهذا التفسير إلى جانب شرح الألفية ومختصره أيضًا.
البهجة الوفية تقع تقريبًا في عشرة آلاف بيت، وأشار الشارح إلى هذا في ختام الكتاب قائلًا (^١):
_________
(^١) انظر: البيت ١٠٠٥٤.
1 / 18
أَبْيَاتُهُ عَشْرَةُ آلَافٍ وَمَا ... عَدَدْتُ مِنْهَا شَاهِدًا قَدْ أَتْمَمَا
واحتوى النظم على مقدمة للكتاب، وبعدها مقدمة في مهمات هذا الفن، وتلاها شرح لبداية ألفية ابن مالك وبدأه بالبسملة.
ثم ساير ابن مالك حرفًا حرفًا يمزج كلامه بكلامه، وكلام ابن مالك المبثوث في نظم الغزي ملون باللون الأحمر، ولو قرأت الملون بالأحمر وحده فإنك تقرأ ألفية ابن مالك.
وفي الختام شرح خاتمة الألفية، ثم ألحقها بختام للشرح ثم ختام للكتاب كله مفتخرًا معتدًا بهذا المصنف الغريب الذي لم يسبقه أحد في النسج على منواله فتراه يقول فيه (^١):
فِي الدَّهْرِ لَمْ أُسْبَقْ إِلَى مِثالِهِ ... وَلَا يُرَى نَسْجٌ عَلَى مِنْوَالِه
لكنه لا ينسى نفسه في مدح كتابه بل ينسب الفضل لله تعالى في جميع أعماله قائلًا (^٢):
وَاللهِ مَا نَظَمْتُهُ وَعِنْدِي ... وَلَوْ بَذَلْتُ طَاقَتِي وَجَهْدِي
أَنِّيَ مِنْهُ بِالِغٌ بُعَيْضَ مَا ... حَقَّقْتُهُ فِيهِ إِلَى أَنْ نُظِمَا
وَإِنَّمَا اللهُ تَعَالَى سَهَّلَهْ ... بِمَنِّهِ الجَزِيلِ حَتَّى أَكْمَلَهْ
فَيَا لَهُ مِنْ نِعْمَةٍ لَوْ صُرِفَا ... شُكْرُ الوَرَى طُرًّا عَلَيْهِ مَا وَفَى
أما عن زمن نظم الشرح فهو كان في منتصف شعبان من عام تسعمئة وأربعين للهجرة، قال (^٣):
خَتَمْتُهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَه ... تَنَزَّلَتْ فِي جَوْفِهَا المَلَائِكَه
يُفْرَقُ فِيهَا كُلُّ أَمْرٍ مُحْكَمِ ... مِنْ نِصْفِ شَعْبَانَ الأَغَرِّ الأَكْرَمِ
لِعَامِ أَرْبَعِينَ مِعْ تِسْعِمِئَه ... عَمَّ الجَمِيلُ خَتْمَهُ وَمَبْدَأَهْ
_________
(^١) انظر: البيت ٤٧.
(^٢) انظر: البيت ١٠٠٣٢ وما بعده.
(^٣) انظر: البيت ١٠٠٥١ وما بعده.
1 / 19
بين الألفية والبهجة
ابن الغزي من العلماء المتمرسين الموسوعيين في العلوم، ليس مجرد تابع ومقلد، بل كان ذا أثر بارز في شرحه للألفية.
وهو على جلالة قدره كان يجل ابن مالك وينزله منزلة لا يبلغها أحد، قال في مقدمته عن ابن مالك (^١):
وَكَانَ فِي النَّحْوِ إِلَيْهِ المُنْتَهَى ... وَفِي القِرَاءَاتِ وَفِي عِلَلِهَا
وَلَمْ يُبَلَّغْ أَحَدٌ مَا بُلِّغَهْ ... مِنِ اطِّلَاعِهِ عَلَى عِلْمِ اللُّغَه
مَعْ أَخْذِهِ مِنْ كُلِّ فَنٍّ بِنَصِيبْ ... وَضَرْبِهِ فِيهِ بِسَهْمِهِ المُصِيبْ
سَالِمُ فِطْرَةٍ رَقِيقُ القَلْبِ ... كَامِلُ فِطْنةٍ ذَكِيُّ اللُّبِّ
مَعْ صِدْقِ لَهْجَةٍ وَحُسْنِ سَمْتِ ... وَوَرَعٍ قَدْ زَانَهُ وَصَمْتِ
وَانْتَفَعَ النَّاسُ بِهِ كَثِيرَا ... وَكَانَ فِيهِمْ عَلَمًا مَنْشُورَا
تَهْوِي إِلَيْهِ النَّاسُ بِالأَفْئِدَةِ ... لِأَجْلِ نَيْلِ العِلْمِ وَالفائِدَةِ
وَكَمْ لَهُ مُؤَلَّفَاتٌ نَافِعَه ... فَرِيدَةٌ فِي كُلِّ عِلْمٍ جَامِعَه
وَكَانَ صَاحِبَ الإمَامِ النَّوَوِي ... تِلْمِيذِهِ وَشَيْخِهِ كَمَا رُوِي
للغزي طريقة بديعة في شرحه للألفية، فهو يذكر عنوان الباب قبل البدء، وأحيانًا يشرح العنوان ويذكر سبب ترتيب ابن مالك له في هذا الموضع، فتراه مثلًا في باب "المعرب والمبني" يقول (^٢):
المُعْرَبُ اشْتُقَّ مِنَ الإِعْرَابِ إِذْ ... سَاوَى وَمَبْنِيٌّ مِنَ البِنَا أُخِذْ
وَقَدَّمَ الكَلَامَ فِيهِمَا عَلَى ... أَصْلَيْهِمَا إِذْ بَحْثُ ذَيْنِ طُوِّلَا
_________
(^١) انظر: البيت ٩٧ وما بعده.
(^٢) انظر: البيت ٤٩٧ وما بعده.
1 / 20
وتراه في باب العلم يقول: " بِفَتْحِ عَيْنٍ ثُمَّ لَامٍ العَلَمْ ".
وابن الغزي من جميل صنيعه في الشرح أنه علل كثيرًا من ترتيب ابن مالك لأبواب الألفية، ومما يُظهر لك هذا جليلًا قوله في باب التصغير إذ ذكره ابن مالك بعد باب التكسير فقال منشدًا (^١):
قَدْ عَقَّبَ التَّكْسِيرَ بِالتَّصْغِيرِ ... لَمَّا تَقَارَبَا وَبِـ"التَّحْقِيرِ"
وقال في باب الحذف بعد أن ذكره ابن مالك بعد الإبدال (^٢):
قَدْ عَقَّبَ الإِبْدَالَ بِالحَذْفِ كَمَا ... هُوَ عَلَى الإِدْغَامِ وَضْعًا قُدِّمَا
لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنَ الإِعْلَالِ ... مَعْ عِدَّةٍ مِنْ أَوْجُهِ الإِبْدَال
تراه أحيانًا يعلل بعض الفصول ولماذا وضعها ابن مالك، فتراه ينشد في أحد فصول الإبدال (^٣):
عَقَدَ هَذَا الفَصْلَ فِي إِبْدَالِ ... التَّاءِ وَالطَّاءِ وَحَرْفِ الدَّال
وفي كثير من المواضع يعتذر لابن مالك في ترتيبه لبعض الأبيات، وتراه يعدل عليه في الأمثلة، وإذا استطاع عدل البيت كاملًا وترتيبَه، فتراه يقول في كثير من المواضع "لو كان كذا لكان أفضل"، "لو كان كذا لكان أحسن"، "ولو أتى به لكان أفضل"، ومن مثل ذلك (^٤):
وَكُلُّ حَرْفٍ مُسْتَحِقٌّ لِلبِنَا ... لَوْ قَالَ "مَبْنِيٌّ" لَكَانَ أَحْسَنَا
إِذْ لَيْسَ كُلُّ مُسْتَحِقِّ أَمْرِ ... يَكُونُ مَوْصُوفًا بِذَاكَ الأَمْر
وقوله (^٥):
وَالأَكْثَرُ الثَّانِي فَلَوْ قَدَّمَهُ ... لَكَانَ أَوْلَى مِثْلَ أَنْ يَنْظِمَهُ
_________
(^١) انظر: البيت ٨٣٠٠.
(^٢) انظر: البيت ٩٧٩٨.
(^٣) انظر: البيت ٩٧٦٢.
(^٤) انظر: البيت ٦٢٣.
(^٥) انظر: البيت ٧٠٢٤.
1 / 21
مُضَارِعَيْنِ ثُمَّ مَاضِيَيْنِ ... تُلْفِيهِمَا أَوْ مُتَخَالِفَيْن
وقوله (^١):
وَنَظَرُوا فِي مَا هُنَا قَدْ مَثَّلَا ... بِهِ مِنَ اللَّامِ الذِي دَلَّ عَلَى
بُعْدٍ وَمِنْ هَاءٍ لِسَكْتٍ حَيْثُ كُلّْ ... كَلِمَةٍ بِرَأْسِهَا حَيْثُ يَحُلّْ
فَلَوْ بِهَاءِ "أُمَّهَاتٍ" مَثَّلَا ... وَلَامِ "طَيْسَلٍ" لِكَانَ أَمْثَلَا
وقوله (^٢):
وَفَاتَهُ اللَّبْسُ كَمَا أَشَرْنَا ... لَهُ فَلَوْ قَالَ اسْتَقَامَ المَعْنَى
بَلْ ذِكْرُ عُمْدَةٍ وَمُوهِمٍ يَجِبْ ... مُؤَخَّرًا وَغَيْرَهُ احْذِفْهُ تُصِبْ
وقوله (^٣):
كَـ"غُرْفَةٍ" وَ"قُرْبَةٍ" وَ"مُدْيَه" ... وَ"حُجَّةٍ" وَ"مُدَّةٍ" وَ"زُبْيَه"
لَا الوَصْفَ نَحْوُ "ضُحْكَةٍ" فَلَوْ نُظِمْ ... (وَ"فُعْلَةٌ" لِـ"فُعَلِ" اسْمًا) لَسَلِمْ
وقوله (^٤):
فَالهَمْزُ زَائِدٌ إِذَا مَا جُعِلَا ... مُمَاثِلٌ أَوْ لَيِّنٌ مُؤَصَّلَا
وَعَكْسَهُ فَلَوْ يَقُولُ بَدَلَا ... " حَرْفَيْنِ": "أَصْلِيَّيْنِ" كَانَ أَجْمَلَا
ومنها قوله (^٥):
قِيلَ وَلَوْ قَدَّمَ نَاظِمٌ عَلَى ... مَقْصُورٍ المَنْقُوصَ كَانَ أَجْمَلَا
_________
(^١) انظر: البيت ٩٢٢١ وما بعده.
(^٢) انظر: البيت ٣٣٤٠.
(^٣) انظر: البيت ٧٩٧٧ وما بعده.
(^٤) انظر: البيت ٩١٩٢ وما بعده.
(^٥) انظر: البيت ١٠٠٤.
1 / 22