التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم
التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم
Издатель
دار إحياء الكتب العربية
Номер издания
الثالثة
Год публикации
١٣٨١ - ١٣٨٢ هـ = ١٩٦١ - ١٩٦٢ م
Место издания
مصر
Жанры
التاج الجامع للأصول فى أحاديث الرسول
كتاب جمع ما تفرق في صحيحي البخارى ومسلم وغيرهما من الأحاديث الصحيحة.
وقد قدر لهذا الكتاب أن ينتشر في البلاد الإسلامية لما امتاز به من سهولة المعنى، وتقريب ألفاظ الحديث لمن يريد البحث عن أدلة العبادات والمعاملات.
وإذا ذكر هذا الكتاب الجليل فإنما يذكر مقرونا باسم مؤلفه المرحوم العلامة الجليل الأستاذ منصور على ناصف، أحد علماء الأزهر الشريف وأساتذته المبرزين.
كان ﵀ محل تقدير علماء الأزهر، وإعجابهم بمؤلفه العظيم.
وقد رأوا في هذا الكتاب الجليل من الفائدة ما حملهم على تقريظه، وحث المسلمين على اقتنائه والاستفادة منه، تجد ذلك في تقاريظهم التي ذكرت بعد ..
ويسر «دار إحياء الكتب العربية» أن تقدم هذا الكتاب الجليل الطلاب الحديث وأساتذة العلم في طبعته الثالثة، كعادتها في العناية بنشر الكتب المفيدة، وخصوصا ما يتصل بنشر الثقافة الإسلامية، وما يتعلق بالأحاديث النبوية والشريعة الإسلامية.
والله يجزي مؤلفه خير الجزاء، ويثيبه على هذا العمل الجليل.
دار إحياء الكتب العربية
1 / 2
تقاريظ
لحضرات أصحاب الفضيلة علماء الإسلام حفظهم الله تعالى
(التقريظ الأول) لحضرة صاحب الفضيلة شيخ المشايخ الأكبر وصاحب المؤلفات العديدة مولانا الشيخ محمد بخيت مفتي الديار المصرية سابقًا، ومن هيئة كبار العلماء حفظه الله آمين.
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين. والصلاة والسلام على خاتَم النبيين وإمام المرسلين. سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: فقد اطلعنا على الجزء الأول من مؤلف حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الجليل الشيخ منصور علي ناصف من علماء الأزهر الشريف ومدرس بالجامع الزينبي الموسوم باسم (التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول) وعليه غاية المأمول شرح ذلك التاج الجامع للأصول. فوجدته مؤلفًا قيمًا حسن التبويب والترتيب. جميل الشكل. سهل العبارة. متين الأسلوب. في جزالة معنى وفخامة تركيب. وقد حوى ما تَمس إليه الحاجة. من الموضوعات الدينية التي لا يستغني عنها مسلم في عبادة ربه. ومناجاة خالقه. مع الإلمام التام بمذاهب الأئمة المجتهدين ومناحي أقوالهم. وذكر طائفة من الآداب الإسلامية التي هي روح التشريع والمقصود الأهم من الأحكام العملية …
وبالجملة فهو مؤلف نفيس. يدل على قوة مؤلفه العلمية. ورسوخه في علم الفقه. وعلو كعبه في فمن الحديث. مع الذوق السليم والفكر الصائب. والبصيرة النيرة. نفع الله به المسلمين وأكثر من أمثاله. ورزقه التوفيق في جهاده العلمي وأثابه على حسن نيته. وجزاه بما يجزي به المؤمنين الصادقين العاملين. إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين آمين.
٢٨ رجب سنة ١٣٥١ هـ.
مفتي الديار المصرية سابقًا
محمد بخيت
(بالإمضاء)
(التقريظ الثاني)
لحضرة صاحب الفضيلة. المصلح الكبير. الناطق بالبرهان. وملك البيان أستاذي الشيخ عبد المجيد اللبان. شيخ كلية أصول الدين حفظه الله وأيده آمين.
بسم الله الرحمن الرحيم. نحمدك اللهم أن وفقت في كل حين من يجدد لهذه الأمة أمر دينها. حتى لا تنسى شرائعها ولا تبلى تعاليمها. فحققت لها الخير الدائم. وجعلته مصداقًا لوعدك الكريم. بحفظ كتابك العزيز وسنة نبيك الغراء. اللذين هما منارا هدايتك الحقة. وينبوعا سلسبيل رحمتك التي اختصصت بها من شئت من عبادك. فنشكرك شكر المستزيد من فضلك. ونصلي ونسلم على سيدنا محمد
1 / 3
خير خلقك. وعلى آله وصحبه الأئمة الهداة. الذين جاهدوا في سبيلك حق الجهاد. وبلغوا دينك بأقوم السند وأعلاه.
وبعد فإلى ذلك العلم الرفيع والطود الشامخ. والمنار الهادي. والعالم العامل صاحب الفضيلة الثقة الكامل العلامة ولدي الشيخ منصور ناصف. أكتب كلمة البشرى والشكر والدعاء.
أيها الأستاذ: حسبي أن أقول إنك إذ وفقك الله تعالى فعنيت بجمع كتابك الكريم (التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول) الذي حوى ما في أصول الحديث الخمسة الصحاح: صحيح البخاري. وصحيح مسلم. وسنن أبي داود. وجامع الترمذي. والمجتبى للنسائي. كنت من الذين جددوا للدين أمره. فلك فخار من خلقهم ويخلقهم الله على رؤوس الأزمان لتجديد أمر الدين كما أخبر بذلك الصادق الأمين، وكفاك بذلك فخرًا واغتباطًا.
وكنت أيضًا من أهل الحظوة التي حظي بها أهل الحديث واختصهم الله بها ببركة دعائه ﷺ إذ يقول: "نضر الله امرأً سمع منا حديثًا فحفظه حتى يبلغه". وناهيك بتلك الحظوة غبطة. اطلعت على كتابك هذا فوجدته إلى الخير هاديًا. وإلى صحيح السنة مرشدًا. بأسلوبٍ بيّن. وطريق واضح. سهل التناول. يقرب الوصول إلى الغاية. ويرينا الأصول الخمسة في مرآةِ إخلاصك الصافية. ويروي عذبه نفوس طلاب الهداية.
قد حليت جيده بشرحك الذهبي. المختصر الوافي بحاجة المتفهم. وذلك عمل قلّ من قام به. خصوصًا في عصر ضعفت فيه الرغبة. وتقاعست الهمة.
أرضيت به ربك تعالى. وأقررت عين نبيك ﷺ. وحبوت به أهل العلم. وشرحت به صدري. فلك جزاء الله، ورضا نبيه، وشكر العلم وأهله. ودعاء مني إلى الله تعالى أن يجعلك على الدوام موفقًا لإبراز مثل هذا الجوهر المكنون إلى عالم الوجود. فتكون لآلئ فضلك حلية لتيجان الفنون جميعها. أرجو قبول اغتباطي. وثنائي. واحترامي.
٢٩ من رجب الفرد سنة ١٣٥١ هـ. ٢٨ نوفمبر سنة ١٩٣٢ م.
عبد المجيد اللبان
(بالإمضاء)
(التقريظ الثالث)
لحضرة صاحب الفضيلة الوارث المحمدي. والعالم الرباني. الذابّ عن الدين. المؤيد له بالحجج والبراهين. السائر على قدم الأسلاف السابقين. مولانا الشيخ يوسف الدجوي من هيئة كبار العلماء. حفظه الله وأيده وأبقاه لنفع العلم والإسلام والدين آمين.
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وأصحابه. حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الجليل والعلامة النبيل الشيخ منصور ناصف أيده الله بما أيد به
1 / 4
الخاصة من عباده.
أما بعد: فقد اطلعت على كتابك الموسوم بـ (التاج الجامع) فوجدته تاجًا حقًا وجامعًا صدقًا. قد فاق ما عداه وبرز على ما سواه بترتيبه الحكيم. وإيجازه البليغ. وتبريزه على غيره من تلك المختصرات التي أخلت بكثير من الأصول. وقد أحسنت الصنع وأتممت النفع بتلك التعليقات التي أفرغت فيها الوسع وبذلت فيها النصح للأمة المحمدية. فجزاك الله أحسن ما جازى به العاملين المخلصين.
وإن ظهور مثل هذا الكتاب الجليل في هذا العصر الذي كثرت به الفتن وعظمت فيه المحن، وشغل كل امرئ بدنياه. وكأن الناس قامت قيامتهم فلكل امرئ منهم شأن يغنيه وأمر يعنيه، وقد غفلوا عن كتاب مولاهم وسنة رسوله غريقين فيما أحاط بهم من الآفات والظلمات التي تلاطمت بها أمواج هذا العصر المظلم، ولم ينجُ من ذلك إلّا الكاملون الموفقون (وقليل ما هم) إني أعد ظهور هذا الكتاب في هذا الزمن الذي ذاك بعض وصفه وقليل من شرح حاله وعظيم أهواله، معجزة من معجزاته ﷺ. وقد ذكر العلماء أن معجزاته ﷺ قسمان: قسم انقضى، وقسم لا يزال يتجدد إلى يوم القيامة، وقد منّ الله بذلك عليك وأجراه على يديك، فأحمد الله على ذلك التوفيق العزيز.
وقد ورد عنه ﷺ: أن من تمسك بسنته عند فساد أمته كان له أجر مائة شهيد. فما بالك بمن جمعها وأذاعها ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٤)﴾ [سورة الجمعة] ﴿ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (٣٨)﴾ [سورة يوسف].
أسأل الله أن يكثر في الأمة من العلماء العاملين والفضلاء المخلصين، وأن يزيدك تأييدًا وتسديدًا حتى ينتفع الناس بجليل أعمالك، وعظيم آثارك، بمنه وكرمه.
هذا: ولك من الاحترام والإعظام وخالص الدعاء وعاطر الثناء على قدر ما لك من جهد كبير ونية حسنة وهمة رفيعة، والسلام عليكم ورحمة الله.
٢٦ رجب سنة ١٣٥١ هـ.
يوسف الدجوي
من هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف
(بالختم)
(التقريظ الرابع)
لحضرة صاحب الفضيلة والسماحة، ذي الأخلاق المحمدية والفرع الأعلى في الشجرة النبوية السيد محمد الببلاوي خطيب الجامع الحسيني ومن كبار العلماء وصاحب المؤلفات القيمة ونقيب السادة الأشراف حفظه الله وأيده آمين.
بسم الله الرحمن الرحيم. نحمدك اللهم والحمد من آلائك، ونشكرك والشكر من نعمائك، ونصلي ونسلم على سيدنا محمد صفوتك من خلقك، وأمينك على وحيك، المرسل إلى الناس كافة بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين حفظوا عهده وامتثلوا أمره ودعوا الخلق إلى دينه وبلغوا إليهم شريعته بيضاء نقية لا ترى فيها عوجًا ولا أمتًا، فقامت بعملهم الحجة واستقامت المحجة أولئك هم الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، فلهم أجرهم عند ربهم جزاء بما كانوا يعملون.
1 / 5
أما بعد: فخير ما شغل به العاقل وقته ووشى به صحيفته هو تفهم كتاب الله تعالى والعمل بما يدعو إليه وتبيين أوامره ونواهيه، ومعرفة وعظه وقصصه ومحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه، ولا سبيل لذلك إلّا بخدمة أحاديث رسول الله ﷺ والقيام على جمعها وتدوينها وتطهيرها من وهن الضعفاء وإفك الوضاعين، لذلك عني السلف الصالح بخدمة سنة رسول الله ﷺ خدمة لم تدع للخلف مجالًا للمزيد ولا موضعًا للاستدراك، وكانوا يرون أن العلم كل العلم في تفهم كتاب الله تعالى والاحتفاظ بسنة رسول الله ﷺ، كما قد قال في ذلك قائلهم:
كل العلوم سوى القرآن مضيعة … إلا الحديث وإلا الفقه في الدين
العلم ما قال فيه الناس حدثنا … وما سواه فوسواس الشياطين
وإن خير ما دوّن في ذلك الصحاح الستة المشهورة في الحديث قديمًا وحديثًا، ولما كان الحصول على غير البخاري ومسلم ربما يعز على الخاصة ولا يمكن وصول العامة إليه رأى - ورأيه الموفق - العالم العامل والإنسان الكامل والمرشد الواصل فرع الشجرة النبوية السيد منصور ناصف الحسيني الشافعي أن يتفرغ في الكثير من وقته ويبذل النفيس من جهده فيجمع بين الأصول الخمس من الصحاح فتم له ما قصد وأدرك من بغيته ما أمل، وألف في ذلك كتابه (التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول) وقد وقفت منه في روضة غناء قطوفها دانية، لا تسمع فيها لاغية، جمع فيه خمسًا من الصحاح تاركًا المكرر من الأحاديث فيها، مقتصرًا من الإسناد على اسم المخرج والراوي، ضامًا لمحل ما اتحد موضوعه من الأحاديث بعضه إلى بعض مرتبًا ذلك على ترتيب الأبواب الفقهية، جامعًا في أحاديث الأخلاق والآداب الشكل إلى شكله، والنظير إلى نظيره، فجاء كتابًا تقرّ به العيون، وتنشرح له الصدور، يحصل منه طالب العلم على مطلبه من أقرب الطرق وأيسر السبل.
فإن جمع الأحاديث مرتبة على حروف المعجم باعتبار أول كلمة في الحديث في صنع الكثير من المؤلفين لا يسهل إلا على الحفاظ المتقنين، وقليل ما هم الآن.
وبالجملة فهذا (التاج) فيه غاية كل طالب، وأمنية كل راغب، فمن حاز التاج فقد حاز الخير الكثير والعلم الغزير، واستغنى عن الخمسة الأصول، وماذا عسى في مدح هذا التاج أن أقول، وقد حدت بالمؤلف الشفقة الإسلامية والغيرة الدينية إلى أن يضيف إلى هذه الحسنة حسنة أخرى رصعت هذا (التاج) وزادته رونقًا وبهجة، إذ قد شرح هذه الأحاديث شرحًا يشرح الصدور ويسر القلوب، وبين غريبها بيانًا جزلًا بين الإيجاز والإطناب، ليس بالطويل الممل ولا بالقصير المخل.
فجزى الله مولانا المؤلف عن السنة النبوية أحسن الجزاء، ونفع الأنام بهذا التأليف الجليل ومد في عمر مؤلفه حتى يتحف الناس بدرر أفكاره وجميل آثاره وعظيم أسراره، إنه ولي التوفيق لا رب غيره ولا معبود سواه.
حرر بالقاهرة في الخامس والعشرين من رجب سنة ١٣٥١ هجرية.
محمد الببلاوي الحسني
الإدريسي نقيب السادة الأشراف
(بالإمضاء)
1 / 6
(التقريظ الخامس)
لحضرة صاحب الفضيلة خادم السنة بالحرمين الشريفين العلامة الكبير والمحدث الشهير مولانا الشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي صاحب كتاب (زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم) ومدرس علم الحديث في كلية أصول الدين حفظه الله آمين.
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الذي نرل على نبينا عليه وعلى آله الصلاة والسلام أحسن الحديث، وأكرم علماء الحديث بخدمته في القديم والحديث، والصلاة والسلام على رسولنا الذي أعطى جوامع الكلم واختصرت له اختصارًا، وعلى آله وأصحابه المجاهدين لإعلاء كلمته حيث اختارهم له أعوانًا وأنصارًا، وعلى تابعيهم من أئمة الحديث الباذلين جهدهم في جمعه والذّبّ عنه حتى نقحوا الصحيح من الضعيف، فجمعوا من أنواع فنونه التالد والطريف.
أما بعد: فقد أمعنت نظري وتأملت في تاج كتب الحديث المسمى (التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول) صلى الله عليه وعلى آله وسلم، للعلامة المحقق الذائق، صاحب الديانة الفائق، الشيخ منصور بن علي ناصف الحسيني أحد علماء الأزهر الشريف المدرس بالجامع الزينبي، وكتابته عليه المسماة غاية المأمول، فإذا هو اسم وافق مسماه وطابقه، ودل عليه دلالة المطابقة. فإنه كتاب كالتاج لكتب الحديث، القديم منها والحديث، لجمعه بين الكتب الخمسة التي صرح الإمام النووي في التقريب بأنَّه لم يفتها من الصحيح إلا النادر، وهي الصحيحان وسنن أبى داود، وجامع الترمذي، والمجتبى للنسائي، وفي ضمنها أحاديث الموطأ، إذا ما ترك أصحاب الخمسة منها إلا ما ندر، فقد وفق الله تعالى الأستاذ المذكور لجمعها مع حذف الأسانيد وترك المكرر والاكتفاء بأطول الروايات منه وأجمعها، فتم بتوفيق الله مع شرحه في نحو خمس مجلدات متوسطة، فكان من أنفع كتب الحديث الجامعة لأصول كتب الحديث المعتبرة مع حسن الترتيب، وكمال التقريب والتهذيب، فينبغي لكل من له رغبة في تحصيل زبدة كتب الحديث في أقرب وقت، مع العثور على أي دليل من الأحاديث الخمسة أراده، أن يعتني بحفظ هذا الكتاب الذي هو في الحقيقة كتب كثيرة الأسفار. لأئمة حفاظ كبار. ويجب على كل عالم له رغبة في أنفس كتب الحديث اقتناء هذا الكتاب والاستغناء به عن كل مؤلف قديم وحديث. لا سيما في هذا الوقت الذي كلَّت فيه الهمم عن حفظ مطولات الكتب الحديثية. فلهذا وشبهه عظمت بهذا المصنف النافع المزية. فكان تاجًا لكتب الحديث المشهورة عند الأمة. فجزى الله مؤلفه العلامة الديّن الناسك بأتم الرحمة. ونفع بمؤلفه هذا جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ونفع به طبقات العلماء على اختلاف مشاربها.
قاله بلسانه وقيده ببنانه. خادم علوم السنة بالحرمين الشريفين سابقًا وبالتخصص بالأزهر المعمور لاحقًا. في يوم ٢٧ رجب سنة ١٣٥١.
محمد حبيب الله بن سيدي عبد الله بن مايابي
الجكني ثم اليوسفي نسبًا الشنقيطي إقليمًا وفقه الله
(بالإمضاء)
1 / 7
(التقريظ السادس)
لحضرة الأستاذ العظيم والمؤرخ الكبير عبد الوهاب بك النجار ناظر مدرسة المرحوم ماهر باشا وصاحب المؤلفات في التاريخ، ومدرس بكلية أصول الدين حفظه الله.
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله يسر ما شاء لمن شاء. ووفق أهل السعادة إلى سبيل السواء.
وبعد: فإن الأمة الإسلامية قد كان في عنقها دين طالما طاولت في أدائه. وما طلت في قضائه. وذلك أنها قد آلت إليها من أحاديث رسول الله ﷺ ثروة لم تظفر بمثلها أمة من رسولها فجمعتها على ترتيب لا يلائم عصرنا الحاضر وبقيت في بطون الكتب على ترتيب ذلك العصر الغابر. وهي بيان للكتاب. وهدى لأولي الألباب.
ظلت تلك الثروة الحقب الطويلة. تنتظر من يجمع شتاتها. ويبعد مؤتلفها عن مختلفها. ويسهل على المسلمين مراجعتها. ويقرب النفع بها. حتى انتضى الأستاذ العلامة الشيخ منصور علي ناصف الحسيني عزمته الماضية. وهمته العالية. فقضى ذلك الديّن عن الأمة أحسن قضاء. وأعتقها من المطالبة والأداء. فعمد إلى الأحاديث التي وعتها الأصول الخمسة الصحاح. وهي: صحيح البخاري وصحيح مسلم وسنن أبي داود وجامع الترمذي والمجتبى للنسائي. فجمعها في كتاب وسماه التاج. واكتفى من الأسانيد بالنص على الراوي والمخرج. فجاء الكتاب طرفة من الطرف. وتحفة تفوق كل التحف. ورتب تلك الأحاديث على الأبواب الفقهية. فلا يضل فيها مراجع، ولا يتعب طالب.
وقد قسم كتابه أربعة أقسام: القسم الأول في الإيمان والعلم والعبادات. والقسم الثاني في المعاملات والأحكام والعادات. والقسم الثالث في الفضائل والتفسير والجهاد. والقسم الرابع في الأخلاق والسمعيات. وأتم الفائدة بشرح لطيف. يوضح من الحديث مبهمه. ويفصل مجمله. ويبيّن غامضه. وعلى الجملة قد جمع الشرح كثيرًا من المحاسن. وجاء في أكثر مواضعه بما يشرح صدر المطلع ويملؤه سرورًا.
وقد أهدي إلي الجزء الأول من ذلك الكتاب. فسرحت طرفي منه في رياض ناضرة. وأزهار باهرة. إلى طبع جميل متقن. وورق صقيل. وتصحيح دقيق. فله الشكر الأوفر على هذه الهمة العالية.
أسأل الله أن يجزيه خير ما جزى من هدى من حيرة. وبذل العلم محتسبًا. وجاهد في الدين حق جهاده. إنه لا يضيع أجر من أحسن عملًا.
تحريرًا في غرة شعبان سنة ١٣٥١ هـ الموافق ٢٩ نوفمبر سنة ١٩٣٢ م.
عبد الوهاب النجار
(إمضاء)
(التقريظ السابع)
لحضرة صاحب الفضيلة العلامة الجليل والأستاذ العظيم الشيخ أمين محمود سرور المدرس بشعب التخصص في كلية اللغة العربية، وصاحب كتاب (حسن الأثر في التعريف برجال الأثر) فإنه كتب إليّ بالآتي: لتقريظ كتاب التاج الجامع لأصول الحديث تأليف صاحب الفضيلة المحدث الكبير الشيخ منصور ناصف حفظه الله أمليته على بعد عهد بالفراغ. وقرب عهد بالشواغل. وأرجو أن يغض النظر عن ضعف فيها وسقط. ومن ذا الذي ما ساء قط.
1 / 8
أَعَدْتَ إِلَى الدَّينِ عَصْرَ الأُوَل … وَأَجْرَيْتَ ذِكْرَكَ مَجْرَى الْمَثَل
وَجَدَّدْتَ لِلنَّاسِ عَهْدَ الْحَدِيـ … ـثِ غَضَّ الشَّبَابِ قَشِيبَ الْحُلَل
وَوَافَى كِتَابُكَ حَلْيَ الْقُلُو … بِ جَلْيَ الْمَسَامِع حَلْيَ الْمُقَل
جَلَوْتَ بِهَا مِنْ صِحَاحِ الْحَدِيث … عَرَائِسَ تُزْهَى بِحُسْنٍ وَدَلّْ
تَهَاوَى الشِّفَاهُ إِلَى لَثْمِهَا … فَتَشْتَارُ مِنْهُنَّ أَرْيَ الْعَسَل
فَمِنْهَا الشِّفَاءُ وَمِنْهَا الضِّيَاءُ … وَمِنْهَا الرَّجَاءُ وَمِنْهَا الْأَمَل
هُوَ التَّاجُ لِلْكُتُبِ مِنْ قَبْلِهِ … وَجَامِعُ مَا دَقَّ مِنْهَا وَجَل
أَسَرَّ الْقُلُوبَ بِأَسْرَارِهِ … فَنَبَّهَ مِنْ جَمْعِهَا مَا خَمَل
وَعَرَّفَهُن طَرِيقَ الْهُدَى … وَجَنَّبَهُنَ طَرِيقَ الْخَطَل
فَوَافَتْ إِلَيْهِ كَقِطعِ الظّبَاءِ … رَنَتْ نَحْوَ ظِلٍّ وَمَاءٍ نُهَل
إِذَا ابْنُ الأَثِير (^١) اجْتَلَى حُسْنَهُ … أُثِيرَ الْحَيَاءُ بِهِ وَالْخَجَل
وَعَادَ الْيَمَانِى (^٢) أَدْرَاجَهُ … وَعَاوَدَ تَرْتِيبَهُ الْمُنْتَحَل
أَبَا نَاصِفٍ قَدْ قَرَأْنَا الْكِتَابْ … فَمَا إِنْ رَأَيْنَا لَهُ مِنْ مَثَل
يُرَاوحُنَا مِنْهُ رَوْحُ الْحَيَاةِ … يَشْفِي الْغَلِيلَ وَيُبْرِي الْعِلَل
_________
(^١) ابن الأثير هذا هو المشهور بابي السعادات ابن الأثير الجزري المتوفى سنة ٦٠٦ هـ المؤرخ الكبير والمحدث الشهير الذي جمع أصول الحديث في كتاب على حروف المعجم وسماه الجامع للأصول، ومعلوم أن أعول الحديث هذه لم يجمعها سواه. فيريد الناظم أن ابن الأثير هذا على علو مقامه لو رأى كتاب التاج لعظمه واعترف لمؤلفه بالفضل. اهـ مصححه.
(^٢) اليماني هذا هو عبد الرحمن بن علي المشهور بالشيباني الزبيدي الشافعي المتوفى سنة ٩٤٤ هـ، وهو الذي اختصر جامع الأصول لابن الأثير في كتاب وسماه تيسير الوصول، وهو المشهور بيننا الآن، فيريد الناظم حفظه الله أن اليماني هذا لو رأى كتاب التاج لنظر إليه بعين الإجلال وعاد إلى كتابه (تيسير الوصول) فرتبه كرتيب التاج الذي جاء آيةً في الإعجاب. نفع الله به العباد. آمين. اهـ مصححه.
1 / 9
وَلَمَّا بَصُرْتَ بِهِ مُفْرَدًا … كَحَوْرَاءَ مَقْصُورَةً فِي الْكِلَل
خَلَعْتَ عَلَيْهِ وِشَاحَ الْبَيَانِ … وَأَكْمَلتَ مِنْ حُسْنِهِ فَاكْتَمَل
الأربعاء في ٢ شعبان سنة ١٣٥١ هـ
قاله ونظمه وسطره ورقمه أمين بن محمود بن سرور
المدرس بكلية اللغة العربية بشعب التخصص بالأزهر الشريف
(إمضاء)
كلمة للمؤلف
(حسن الفأل فأل حسن)
من محاسن الصدف في تأليف كتاب التاج أني بعون الله بدأته في شهر رجب سنة ١٣٤١ هـ وأتممته في شهر ذي الحجة سنة ١٣٤٧ هـ، فكان بدؤه وختامه كلاهما في شهر حرام من عام وتري، في عقد وتري، وشرعت في التعليق عليه في شهر المحرم من تلك السنة، وبدئ في طبعه في شهر المحرم من سنة ١٣٥١ هـ، وتم طبع الجزء الأول وظهر في شهر رجب من هذه السنة، فكان بدء طبعه وظهور الجزء الأول منه كلاهما في شهر حرام من عام وتري، وفي الحديث الشريف: "إِن الله وِتْرٌ يحب الوِتْرٌ".
وفي هذا العام تقرر العمل بحرف التاج، وقد أراد الله فكان اسم الكتاب التاج، فظهر لي الفأل الحسن من خلال أطواره. وقد كان النبي ﷺ يحب الفأل الحسن. أسأل الله أن يجعله فألًا حسنًا. آمين.
كلمة موجهة للهداة والولاة
القول الفصل في هذا الكتاب - وقد وضعته بيد الإخلاص لله تعالى، وعقلته بفكري ولبي، والخوف من الله يحيط بي - اْنه يلزم لكل الناس على اختلاف طبقاتهم، ولكني أخص من بين الناس طائفة الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر، فلهم الحظ الأوفر من هذا الكتاب، ولا سيما كتاب علامات الساعة، وكتاب القيامة والجنة والنار، وقسم الأخلاق، وكتاب الزهد، وكتاب الأذكار والأدعية الآتية في القسم الرابع، ففيها من الترغيب والترهيب ومكارم الأخلاق ما فيه تمام الكفاية، وأزيد في التخصيص بالذكر طائفة القضاة والحكام، فكتاب التاج لهم ألزم من الظل للإنسان، ولا سيما كتاب الإمارة والقضاء الآتي في القسم الثاني فهو لهم الحصن الحصين والدواء الشافي، وقد نبهت على خصوص هاتين الطائفتين لأن الأولى هداة الأمة، والثانية حراس الأمة وقوادها، بل هم قلب الأمة ورأسها، فبصلاحهم تنصلح الأمة، وبفسادهم تفسد الأمة.
اللهم وفقنا وأصلح حالنا يا رحمن في الحال والمآل، آمين آمين آمين، والحمد لله رب العالمين.
منصور ناصف
1 / 10
خطبة الكتاب
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (^١)
نَحْمَدُكَ اللَّهُمَّ عَلَى نِعْمَةِ التَّوْفِيقِ (^٢) وَنَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ الْهِدَايَةَ إِلَى أَقْوَمِ طَرِيقٍ، وَنُصَلِّي وَنُسَلِّمُ عَلَى نَبِيِّكَ وَرَسُولِكَ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الَّذِي بَعَثْتَهُ لِلنَّاسِ رَحْمَةً (^٣) وَأَنْطَقْتَهُ بِالْهُدَى وَالْحِكْمَةِ (^٤) وَعَلَى آلِهِ وَصَحبهِ الَّذِينَ حَفِظُوا هُدَاهُ (^٥) وَبَلَّغُوهُ وَرَأَوْا نُوْرَهُ (^٦) فَاتَّبَعُوهُ.
_________
الشرح
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سيدنا محمدًا رسول الله. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.
أما بعد: فلما منّ الله عليّ وألفت كتاب "التاج لجامع للأصول" عرضته على أولى الرأي من كبار العلماء وعلى وزارة الأوقاف فحبذوه واستحسنوه، ولكنهم أشاروا عليّ بشرحه ليكمل النفع به. فتوقفت واعتذرت لضعف عينىّ من جهة، ولصعوبة الشرح من جهة أخرى. فإن شارح الحديث يعترضه أمور صعاب لا يدريها كثير من الناس، وذلك كتحقيق الحديث ومعرفة متونه من صحيح وحسن وضعيف متصلًا كان أو منقطعًا أو مرسلًا، ومن مشهور وغريب ومتواتر وآحاد وغير ذلك، كالناسخ والمنسوخ والخاص والعام والمجمل والمبين، فضلًا عن هذا فهو مضطر إلى بيان الأمر في الحديث هل هو للوجوب أو للندب أو للإباحة، وبيان النهي هل هو للتحريم أو للكراهة، وما طريق ذلك البيان. وهذه أشق أنواع التأليف وأبعدها مدى في الحديث، ولكنه سهل على من يسره الله عليه. لهذا توقفت كثيرًا فقال لي أحد كبار العلماء: يا أستاذ لا يمكن لأي شخص تدريس البخاري وحده بدون شرح فما بالك بالأصول الخمسة. وقال لي عالم فاضل: كتابك بغير شرح لا ينتفع به إلا الخواص، فإذا شرحته انتفع به الخاص والعام. فاقتنعت بضرورة الشرح ولكني لا زلت وجلًا من تلك الصعوبات السالفة، وطالما تمنيت أن يقوم بالشرح رجل من أهل العلم فما تيسر لي ذلكَ. فتضرعت إلى الله تعالى أن يشرح لي صدري وأن ييسر لي أمري وأن يوفقني للصواب وأن يرشدني للمراد وأن يتفضل عليّ بروح من عنده كما تفضل عليّ بالأصل إنه واسع الفضل والعطاء آمين.
(^١) بدأته بالبسملة والحمدلة كما فعل ربي في كتابه. وفي الحديث: "تخلقوا بأخلاق الله تعالى ".
(^٢) الإضافة للبيان.
(^٣) قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٧].
(^٤) قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [الجمعة: ٢].
(^٥) هو القرآن. قال تعالى: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ٢].
(^٦) قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا﴾ [النساء: ١٧٤].
1 / 13
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ عِلْمَ الْحَدِيثِ مِنْ أَجَلَّ الْعُلُومِ قَدْرًا وَأَعْظَمِهَا نَفْعًا، لأَنَّ مَوْضُوعَهُ سُنَنُ (^١) الرَّسُولِ وَآثَارُهُ الْقَوْلِيَّةُ وَالْفِعْلِيَّةُ، وَفِى هذِهِ خَيْرُ النَّاسِ وَهِدَايَتُهُمْ (^٢) وَفَوْزُهُمْ وَسَعَادَتُهُمْ (^٣). فَالْمُشْتَغِلُ بِهِ (^٤) دَاعٍ يَدْعُو إِلَى الْحَقِّ وَسِرَاجٌ يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ حَتى قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: "نَضَّرَ الله امْرَأً سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتى يُبَلِّغَهُ" (^٥). وَقَالَ أَيْضًا: "مَنْ حَفِظَ عَلَى أُمَّتِي (^٦) أَرْبَعِيْنَ حَدِيثًا مِنْ أَمْرِ دِينِهَا بَعَثَهُ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقِيهًا عَالِمًا". وَفِي رِوَايَةٍ: "كُتِبَ فِي زمْرَةِ الْعُلَمَاءِ وَحُشِرَ في زُمْرَةِ الشُّهَدَاءِ" (^٧). (وَالْأُمُورُ بِمَقَاصِدِهَا) (^٨).
فَلِهذَا (^٩) وَلِمَا فَطَرَنِي الله عَلَيْهِ مِنْ حُبِّ الْحَدِيثِ وَالشَّغَفِ بِهِ (^١٠) فَكَّرْتُ في جَمْعِ كِتَابٍ في الْحَدِيثِ، وَاستَشَرْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ بِهِ، وَاسْتَخَرْتُ الله تَعَالَى فَلَاحَتْ لِي لَوَائِحُ التَّيْسيْرِ، وَاسْتَضَاءَتْ لِي مَصَابِيحُ التَّبْشِيْرِ، فَاعْتَمَدْتُ عَلَى رَبِّي وَأَجْمَعْتُ أَمْرَي (^١١)
_________
(^١) جمع سنة وهي الطريقة المتبعة. وسنن الرسول ﷺ أقواله وأفعاله وتقريراته ووصفه وسمته
وهديه التي كان متصفًا بها، فآثاره القولية والفعلية بيان للسنن.
(^٢) أي في دنياهم.
(^٣) في أخراهم.
(^٤) أي بالحديث يدعو الناس إلى الله تعالى وما أسعده بذلك، قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت: ٣٣]. وقد دعا له النبي ﷺ بالبهجة في الدنيا والبعث على أحسن حال.
(^٥) سيأتي في العلم بسند صحيح.
(^٦) أي نقل لها في مكتوب وإن لم يحفظ اللفظ والمعنى لحصول النفع به ولو درسها لجماعة من المسلمين لكان أفضل.
(^٧) هذا الحديث أورده إمام المحدثين النووي في خطبة كتابه الأربعين وقال: اتفق الحفاظ على أنه ضعيف وإن كثرت طرقه، ولكنهم اتفقوا على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال. كما اتفقوا على كتابته ودرسه.
(^٨) أي معتبرة بالمراد منها فكلما كان القصد ساميًا كان العمل الموصل إليه أسمى وأرفع؛ لأنَّه الوسيلة إليه ولا وجود له إلا به. والقصد من تأليف هذا الكتاب تقريب الشريعة إلى العباد حتى يتناولوها بسهولة، فيسعدوا في دنياهم وأخراهم، وهذا نهاية ما يمكن عمله من الكمال.
(^٩) لرفعة قدر الحديث وشرف المشتغل به.
(^١٠) بالتحريك شدة التلهف عليه وعدم الشبع منه، وهذه حالي من نشأتي والحمد لله. فقد وفقني الله تعالى حفظ الأربعين النووية ومختصر البخاري قبل نيلي شهادة العالمية ببضع سنين.
(^١١) عزمت وصممت عليه. ومنه: ﴿فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ﴾ [يونس: ٧١] وسيأتي في الصوم "من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له".
1 / 14
وَشَرَعْتُ فِي تَأْلِيفِهِ عَلِى بَرَكَةِ اللهِ تَعَالَى، فَاسْتَحْضَرْتُ أَصَحَّ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَأَعْلَاهَا سَنَدًا (^١) وَهِيَ:
صَحِيْحُ الْبُخَارِيِّ (^٢)، وَصَحِيْحُ مُسْلِمٍ (^٣)، وَسُنَنُ أَبِي دَاوُدَ (^٤)، وَجَامِعُ التِّرْمِذِيِّ (^٥)،
_________
(^١) أقصرها في السند. وكان المحدثون يرون لقصر السند منزلة عظيمة. حتى إن الشيخين أخذا كثيرًا من الأحاديث عن أحمد عن الشافعي (ولكنهما) لم يرويا من هذا السند لوجود أسانيد أقصر منه. وأما أصحاب السنن فقد رووا من هذا السند كثيرًا، ﵃.
(^٢) هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن المغيرة الجعفي البخاري ولد ببخارى سنة ١٩٤ هـ أربع وتسعين ومائة. وتوفى سنة ٢٥٦ هـ ست وخمسين ومائتين. ولم يعقب ولدًا ذكرًا وقال: خرّجت كتابي هذا من زهاء (قدر) ستمائة ألف حديث. ما وضعت فيه حديثًا إلا وصليت ركعتين. وصنفه في ست عشرة سنة وسمعه منه تسعون ألف رجل. وعدد أحاديثه بدون المكرر أربعة آلاف حديث كما قاله النووي. وقال الحافظ: عدد ما فيه بدود المكرر والموقوف والمعلق ٢٧٦٠ ستون وسبعمائة وألفان فقط.
(^٣) هو أبو الحسين مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري النيسابوري. ولد سنة ٢٠٤ هـ أربع ومائتين وتوفى سنة ٢٦١ هـ إحدى وستين ومائتين. وقال ﵀: صنفت كتابي هذا من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة. ولو اجتمع أهل الحديث وكتبوا فيه مائتي سنة فمدارهم على هذا المسند وعدد ما فيه أربعة آلاف حديث. وفضله بعضهم على البخاري. فقد قال الحافظ النيسابوري شيخ الحاكم: ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم. ووافقه بعض علماء المغرب. وهذا مسلّم بالنسبة إلى قلة تكراره وحسن وضعه، فإنه يستوفي الوارد في الموضوع ثم لا يعود له بعد ذلك بخلاف البخاري. ولكن جمهور الحفاظ وأهل الإتقان والغوص في أسرار الحديث على أن البخاري أفضل، فإنه أصح وأدق وأوسع في صناعة الحديث، وكان مسلم إذا دخل عليه قبّل يده وقال له: يا طبيب الحديث. وكان الترمذي يسأله عن أحاديث مرة بعد أخرى، ﵃.
(^٤) هو سليمان بن الأشعث بن إسحاق السجستاني. ولد سنة ٢٠٢ هـ اثنتين ومائتين وتوفي بالبصرة سنة ٢٧٥ هـ خمس وسبعين ومائتين. قال ﵁: كتبت عن رسول الله ﷺ خمسمائة ألف حديث، فانتخبت منها أريعة آلاف وثمانمائة ضمنتها هذا الكتاب، ذكرت فيه الصحيح وما يشبهه ويقاربه، وهو كتاب لا تَرِد عليك سنة عن النبي ﷺ إلا وهي فيه ولا أعلم شيئًا بعد القرآن ألزم للناس أن يتعلموه من هذا الكتاب. ولا يضر رجلًا ألا يكتب من العلم شيئًا إلا هذا الكتاب.
(^٥) هو أبو عيسى محمد بن سورة الترمذي. ولد سنة ٢٠٠ هـ مائتين، بترمذ وتوفي بها سنة ٢٧٩ هـ تسع وسبعين ومائتين وكان حافظًا متقنًا بارعًا في صناعة الحديث، وفي كتابه فوق خمسة آلاف حديث.
1 / 15
وَالْمُجْتَبَى لِلنَّسَائِيِّ (^١) ﵃. وَهذِهِ هِيَ الأُصُولُ الْخَمْسَةُ الَّتِي اشْتَهَرَتْ فِي الأُمَّةِ وَارْتَضَتْهَا
لِمَا لَهَا مِنَ الْمَكَانَةِ الْعُلْيَا فِي الْحَدِيثِ (^٢) وَلِأنَّهَا جَمَعَتْ مِنَ الشَّرِيعَةِ مَا عَزَّ وَغَلَا ثَمَنُهُ
_________
(^١) هو أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي بن بحر النَّسَائِيّ كان ورعًا تقيًا حافظًا، وكتابه أكثر الكتب تكرارًا، حتى إنني أذكر له في الصوم أنه كرر حديث النية ست عشرة مرة. ولد سنة ٢١٥ خمس عشرة ومائتين. ومات بمكة سنة ٣٠٣ هـ ثلاث وثلاثمائة. وبلده الأصلي نسا، ومسلم من نيسابور وكلاهما بإقليم خراسان، والبخاري من بخارى، والترمذي من ترمذ وكلاهما بإقليم ما وراء النهر. وأبو داود من سجستان بإقليم السند. وهذه أقاليم أعجمية فارسية شرق الخليج الفارسي، إلا أن السند بإزاء المدينة نصًا، وخراسان وما وراء النهر مائلان إلى الشمال، كما في خريطة الممالك الإسلامية للمرحوم أمين بك واصف، فليس فيهم عربي ولا من جزيرة العرب إلا الإمام مسلمًا، فإنه قشيري، من أحد قبائل العرب. ولكن الله ألان لهم علم الحديث كما ألان الحديد لداود ﵇، وهؤلاء الأئمة كانوا يتعبّدون على مذهب الشافعي ﵁، إلا البخاري فلم يعلم مذهبه. وقد اشتركوا في أخذ العلم عن شيوخ معلومة، فإنهم كانوا في عصر واحد وهو القرن الثالث الذي ظهرت فيه شمس الحديث وبسطت أنوارها على الأرض بمن فيها. ولكن مسلمًا والترمذي كانا كثيري الاجتماع بالبخاري ﵃.
(^٢) التي فاقت كل كتاب ظهر إلى الآن في علم الحديث. فإن البخاري ومسلمًا التزما ألا يرويا حديثًا إلا إذا كان متصل السند بنقل الثقة عن الثقة، من أوله إلى منتهاه سالمًا من الشذوذ والعلة. وهذا حد الصحيح عند العلماء بلا خلاف، إلا أن مسلمًا اكتفى في الراوي والمروي عنه أن يكونا في عصر واحد وإن لم يجتمعا، بخلاف البخاري فإنه اشترط اجتماعهما زيادة احتياط. قال ابن الصلاح ﵀: كل ما حكم مسلم بصحته في كتابه فهو مقطوع بصحته، والعلم النظري حاصل بصحته في نفس الأمر، وكذا ما حكم البخاري بصحته في كتابه؛ لأن الأمة تلقت ذلك بالقبول إلا من لا يعتد به. وقال إمام الحرمين: لو حلف إنسان بطلاق امرأته أن كل ما في البخاري ومسلم صحيح لما ألزمته الطلاق، لإجماع المسلمين على صحتها، وما قيل في بعض أحاديثهما إنه لم يصل إلى درجة الصحيح فهو من اختلاف نظر النقاد في الرواة. وحسبنا اتفاق العلماء على أنهما أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى، وكذا المجتبى للنسائي كله صحيح، فإنه لما ألف السنن الكبرى وقدمها لأمير الرملة قال له: يا أبا عبد الرحمن أكلّ ما فيها صحيح؟ فقال: فيها الصحيح وغيره. فقال الأمير: جرّد لنا الصحيح، فجمع الصحيح في كتاب وأسماه المجتبى فهو هذا الذي بأيدينا. وأما أبو داود ﵀ فقد قال: ما وضعت في كتابي حديثًا أجمع الناس على تركه، وما فيه من وهن شديد بينته، وما لم أذكر فيه شيئًا فهو صالح، وبعضها أصح من بعض. قال الحافظ ابن حجر: لفظ صالح في كلامه أعم من أن يكون للاحتجاج أو للاعتبار، فما أرتقى إلى الحسن ثم إلى الصحة فهو بالمعنى الأول وما عداهما فهو بالمعنى الثاني. وما قصر عن ذلك فهو ما فيه وهن شديد ا هـ. فعلى هذا كل حديث سكت عنه أبو داود فهو صالح، وسأتبع ذلك في بيان درجة ما رواه بقولي بسند صالح. قال الخطابي ﵀: لم يصنف في علم الدين مثل السنن لأبي داود، وقد رزق القبول من كافة الناس على اختلاف مذاهبهم، وكفاه أن الأمة لم تجمع على ترك حديث واحد فيه. وأما الترمذي ﵀ فقد قال في آخر كتابه: جميع ما في هذا الكتاب فهو معمول به وقد أخذ به بعض أهل العلم إلا حديثين أحدهما: جمع النبي ﷺ الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر. وثانيهما: إذا شرب العبد الخمر فاجلدوه فإن عاد في الرابعة فاقتلوه اهـ. ولكنه ﵁ سها في الأول فقد أخذ به بعض المحدثين والفقهاء كما سيأتي في عذر الصلاة. وأما الثاني فمصيب فيه لأنَّه لم يقل به أحد من الأمة. والترمذي ﵀ لم يترك بعده لأحد قولًا، فقد أبان عن درجة كل حديث بعد إخراجه بل وزاد على هذا أنه ذكر رواته عن النبي ﷺ كما ذكر من أخذ به من الصحب والتابعين والفقهاء، ففيه ضروب من العلم وأنواع من نفائسه وتحقيق من صناعة الحديث التي لم توجد في غيره من كتب القوم. وهو أقل الكتب تكرارًا كمسلم وأبي داود وفيه قسط عظيم من التفسير والأخلاق والسمعيات كالشيخين، بخلاف النَّسَائِيّ فليس فيه شيء من ذلك. قال الترمذي ﵀: عرضت هذا الكتاب على علماء الحجاز والعراق وخراسان فرضوا به واستحسنوه، ومن كان كتابي في بيته فكأنّما في بيته نبي يتكلم.
1 / 16
بَلْ هِيَ الشَّرِيعَةُ كُلُّهَا (^١) كَمَا قَالَ الإِمَامُ النَّوَوِيُّ ﵁: مَا شَذَّ عَنِ الأُصُولِ الْخَمْسَةِ مِنْ صَحِيْحِ حَدِيثِ الرَّسُولِ ﷺ إِلَّا النَّزْرُ الْيَسيْرُ (^٢) وَلَا شَكَّ أَنَّ فِيهَا حَاجَةُ الإِنْسَانِ لِسَعَادَة الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ (^٣).
_________
(^١) أي ففيها أحكام حاجة الناس للدنيا والآخرة.
(^٢) ليس المراد أنها جمعت كل أحاديث النبي ﷺ فإن هذا لم يقله أحد فضلًا عن إمام المحدثين النووي، بل المراد أنه ما من موضوع للدنيا والآخرة إلا وحكمه فيها سوى بضعة مواضع، منه ما يأتي في عد التراويح عشرين ركعة، فإني ما وجدته في الأصول ولكني وجدته في موطأ مالك ﵁ فوضعته في التاج تكميلًا للموضوع، ومنه ما يأتي في فضل الحرمين فإني ما وجدت في الأصول شيئًا من زيارة قبر النبي ﷺ إلا حديثًا في أبي داود لا يشفي، فبحثت ونقبت حتى عثرت على بضعة أحاديث في الشفا للقاضي عياض ﵀ فوضعتها في التاج، وكأني ملكت الدنيا وما فيها، ومنه ما يأتي في كتاب النكاح فإني لم أعثر في الأصول على عيوب النكاح التي توجب الفسخ، وكذا لم أعثر على حكم غيبة الزوج. وبعد البحث وجدتها في موطأ مالك فاثبتها تكميلًا للكتاب.
(^٣) يؤيد هذا ما سبق عن كل إمام من أنه انتقى كتابه من بضع مائة ألف حديث، فقد رأى كل منهم أن في كتابه كفاية لأمر الدنيا والآخرة وإلا زاد، ولا سيما مسلم في قوله: لو اجتمع أهل الحديث وكتبوا فيه مائتي سنة فمدارهم على هذا المسند. وكذا قول أبي داود: لا ترد عليك سنة عن النبي ﷺ إلا وهي فيه فما بالك باجتماع الأصول الخمسة.
1 / 17
ثُمَّ نَظَرْتُ (^١) فِيْهَا نَظْرَةً عَامَّةً وَطَفِقْتُ (^٢) أُدْمِجُهَا (^٣) كُلَّهَا بِتَمَامِهَا فِي مُؤَلَفٍ وَاحِدٍ (^٤) أُهَذِّبُ كُتُبَهُ (^٥) تَهْذِيبًا وَأُحَرِّرُ أَبْوَابَهُ تَحْرِيرًا لِكَيْ أَشْفِىَ بِهِ غَلِيلِي (^٦) وَأُتْحِفَ بِهِ عُشَّاقَ عِلْمِ الْحَدِيثِ.
اصْطِلَاحُ الْكِتَابِ (^٧)
رَغْبَةً (^٨) فِي الاِخْتِصَارِ الْمَألُوفِ اكْتَفَيْتُ مِنَ الرِّوَايَاتِ الْمُكَرَّرَةِ بِأَجْمَعِهَا لِلأَحْكَامِ كَمَا اكْتَفَيْتُ مِنَ السَّنَدِ بِرَاوِي الْحَدِيثِ (^٩) فِي أَوَّلِهِ وَمُخَرِّجِهِ (^١٠) فِي آخِرِهِ. وَقَصْدًا
_________
(^١) معطوف على (فاستحضرت)، أي أحضرتها وسرحت النظر فيها مرة بعد أخرى فوجدتها لا غنى لأي إنسان عنها للدنيا والآخرة، بل هو مضطر أو محتاج إليها ولو على سبيل الكمال.
(^٢) أي شرعت.
(^٣) بضم الهمزة من الإدماج.
(^٤) وقد تم لي ذلك والحمد لله فلم أترك في ظني حديثًا واحدًا إلا ما كان مستغنى عنه بما كتبته، وما يظهر للقارئ أني تركته فقد نقلته في باب آخر أشد له مناسبة. فمن هذا حديث النية في أول البخاري ولكني نقلته في كتاب النية والإخلاص. ومنه حديث بدء الوحي في أول البخاري ولكني نقلته في كتاب النبوة، ومنه حديث من تبع جنازة مسلم في البخاري في الإيمان ولكني وضعته في فضل تشييع الجنازة، ومنه حديث الحلال بيّن والحرام بيّن في البخاري في الإيمان، وقد وضعته في المعاملات، ومنه المعراج في مسلم في الإيمان ولكني وضعته في النبوة، ومنه أحاديث الجنة في عدة مواضع في الشيخين، ولكني وضعتها في كتاب الجنة والنار، ومنه أحاديث رؤية الله تعالى في الأصول في مواضع شتى ولكني وضعتها في كتاب القيامة والجنة، فإنه أنسب بها. وقد لقيت من هذا النوع في التأليف صعوبات عظيمة ولكن الله أعانني عليها والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات كلها. بل وزدت على هذه الأصول من مسندي الشافعي وأحمد وموطأ مالك وابن ماجه والحاكم وغيرها مما مست إليه الحاجة.
(^٥) أي هذا المؤلف.
(^٦) أي لأطفئ به حرارة شوقي للحديث وأهديه للعاشقين له.
(^٧) أي الأمور التي التزمتها ودرجت عليها في تأليفه.
(^٨) علة لاكتفيت.
(^٩) هو الصحابي الذي سمعه من النبي ﷺ.
(^١٠) الذي خرجه بالسند في كتابه.
1 / 18
لِلإِفَادَةِ بِأَحْسَنِ أُسْلُوبٍ الْتَزَمْتُ فِي النَّقْلِ مَا يَقَعُ اخْتِيَارِي عَلَيْهِ مِنْ لَفْظِ الْبُخَارِيِّ أَوْ مُسْلِمٍ (^١) فِيْمَا اشْتَرَكَا فِيهِ وَلَوْ مَعَ غَيْرِهِمَا، فَإِنِ اشْتَرَكَ الْبُخَارِيُّ مَعَ غَيْرِ مُسْلِمٍ نَقَلْتُ لَفْظَ الْبُخَارِيِّ، وَإِنِ اشْتَرَكَ مُسْلِمٌ مَعَ غَيْرِ الْبُخَارِيِّ نَقَلْتُ لَفْظَ مُسْلِمٍ، وَإِنْ كَانَ الْحَدِيثُ مَرْوِيًّا لأَصْحَابِ السُّنَنِ (^٢) نَقَلْتُ لَفْظَ أَبِى دَاوُدَ (^٣)، وَإِنْ نَقَلْتُ غَيْرَهُ بَيَّنْتُهُ وَرُبَّمَا قُلْتُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ (^٤) وَصَاحِبَاهُ، وَإِنْ قُلْتُ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنَيْتُ الْبُخَارِيَّ (^٥) وَمُسْلْمًا، وَإِنْ قُلْتُ رَوَاهُ الثَّلَاثَةُ أَرَدْتُ الشَّيْخَيْنِ وَأَبَا دَاوُدَ، وَإِنْ قُلْتُ رَوَاهُ الأَرْبَعَةُ قَصَدْتُ الثَّلاثَةَ وَالتِّرْمِذِيَّ، وَإِنْ قُلْتُ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ عَنَيْتُ الأَرْبَعَةَ وَالنَّسَائِيَّ، وَإِنْ قُلْتُ رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ قَصَدْتُ أَبَا دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيَّ وَالنَّسَائِيَّ، وَلَوِ اخْتَلَفَ النِّظامُ عَنْ هذَا بَيَّنْتُهُ بِالنَّصِّ عَلَيْهِ (^٦).
وَكُلُّ مَوْضُوعٍ يَدُلُّ عَلَى عَمَلٍ مُرَتَّبٍ كَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَفعْتُ أَحَادِيثَهُ عَلى وَفْقِ التَّرْتِيبِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ الشَّارِعُ (^٧)، وَأَمَّا فِي غَيْرِ ذلِكَ (^٨) فَقَدْ كُنْتُ فِي الْغَالِبِ أُقَدِّمُ
_________
(^١) فإن شرطهما في السند أوثق وأحوط كما سبق، وشرطهما في لفظ الحديث أدق وأضبط؛ لأنهما يوجبان تعيين الرواية باللفظ لمن يحفظ اللفظ والمعنى خلافًا للجمهور فإنهم لا يوجبون ذلك؛ لأن الصحابة ﵃ كانوا يسمعون الحديث من النبي ﷺ وينقله كل منهم بلفظ غير لفظ الآخر وما عيب عليهم في ذلك. وقد حصل بين البخاري وبين شيخه محمد بن يحيى جدل عظيم في هذا، ولما اشتد النزاع بينهما قال الأستاذ محمد بن يحيى: من قال باللفظ فلا يحضر مجلسنا، فقام البخاري من حلقة الدرس وتبعه مسلم ولم يحضرا مجلسه بعد هذا. وربما حدّث البخاري في كتابه عن شيخه هذا بقوله حدثنا محمد فقط ولم يقل ابن يحيى لما وقع بينهما ﵃.
(^٢) هم أبو داود والترمذي والنسائي.
(^٣) لأنَّه أولهم في الرتبة.
(^٤) إذا كان اللفظ له.
(^٥) عبّرت بـ "عنيت"، و"أردت"، و"قصدت" تفننًا في اللفظ وإلا فالألفاظ الثلاثة بمعنى واحد.
(^٦) كأن رواه البخاري والترمذي فأصرح بذكرهما.
(^٧) فمثلًا في الوضوء بدأت بحديث التسمية وغسل الكفين وهكذا، وفي الصلاة قدمت شروط الصلاة على سننها المتقدمة عليها كالأذان، ثم أعقبتها ببيانها الذي بدأته بالنية ثم بتكبيرة الإحرام وهكذا. فلاحظت في وضع الأحاديث الترتيب الخارجي.
(^٨) مواضع الأعمال المرتبة.
1 / 19
مَا يَرْوِيهِ الْكَثِيْرُ عَلَى غَيْرِهِ حَتَّى أَخْتِمَ الْبَابَ بِالأَحَادِيثِ الْفَرْدِيَّةِ (^١) إِنْ كَانَتْ، مُرَاعِيًا تَقْدِيمَ الصَّحِيحِ عَلَى غَيْرِهِ (^٢) إِلَّا مَا يَقْتَضِي خِلَافَ ذلِكَ كَتَقْدِيْمِ مَنْسُوخٍ عَلَى نَاسِخِهِ وَمُجْمَلٍ عَلَى مُفَسِّرِهِ (^٣).
_________
(^١) التي انفرد بروايتها واحد، وهذا في الترمذي كثير، فإني أذكر له في الذكر والزهد أنه انفرد في بعض الأبواب بأحد عشر حديثًا.
(^٢) من حسن وضعيف.
(^٣) فإنه من حسن الوضع. وهذا اصطلاح الكتاب، أما اصطلاح الشرح فحل الألفاظ اللغوية وبيان المعنى المراد باختصار، وبيان الخلاف الفقهي في أحاديث الأحكام مع بيان وجهة كل من الأئمة ﵃، وبيان درجة الحديث المروي لأصحاب السنن وما سكتوا عنه فسنجري فيه على طريقة أبي داود السابقة. ومصادر الشرح هي: شروح البخاري، وشروح مسلم، وعون المعبود شرح أبي داود، ونفع قوت المغتذي شرح الترمذي، والسيوطي والسندي على النَّسَائِيّ، وشروح الجامع الصغير، وكتاب الفقه في المذاهب الأربعة، وكثيرًا ما أرجع في حل الألفاظ اللغوية إلى القاموس المحيط ولسان العرب.
بيان الفرق بين التاج وبين غيره
الفرق بين كتاب التاج وبين الكتب التي عندنا من نوعه وهي ثلاثة: أولها المصابيح للإمام البغوي المتوفى سنة ٥١٦ هـ. وثانيها تيسير الوصول للشيباني المتوفى سنة ٩٤٤ هـ. وثالثها المنتقى للإمام ابن تيمية المتوفى سنة ٦٥٢ هـ ﵃.
أما المصابيح فكتاب عظيم في بابه بديع في زمانه، ولكنه محذوف الراوي من أول الحديث والمخرج في آخره، فهو كالمبتور بين كتب الحديث، وهذا مما لا يطمئن النفس، زد على هذا أنه مختصر من الأصول وخال من قسم التفسير. وأما تيسير الوصول فهو مؤلف عظيم لم يظهر في الناس مثله ولكنه مختصر من جامع الأصول لابن الأثير ومرتب على حروف المعجم وهذا وضع لا يداني الترتيب الفقهي في جمع شتات الموضوعات. وأما المنتقى فهو كتاب جليل القدر رفيع المكانة عظيم الشأن لدقة وضعه وجميل صنعه إلا أنه قاصر على أحاديث الأحكام فقط، فهو خلو من قسم الفضائل كله، وقسم التفسير كله، وقسم الأخلاق والسمعيات. ولا شك أن هذه تربو كثيرًا على أحاديث الأحكام وتدفع بالهمم إلى معالي الأمور وصالح الأعمال. وأما بلوغ المرام ونحوه في أحاديث الأحكام، فهي كفروع من كتاب المنتقى، هذا تحديد تلك الكتب. وأما كتاب التاج فإنه والحمد لله جامع للأصول وموضوع على الترتيب الفقهي وليس فيه ما أخذ على تلك الكتب رضي الله عن مؤلفيها، فلهم مزيد الفضل والأولية. وتلك الفوارق هي التي سألني عنها مولانا الأستاذ الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الجامع الأزهر وهو على
1 / 20
تَقسِيمُ الكِتَابِ
أَقْسَامُ الْكتَابِ أَرْبَعَةٌ: الْقِسْمُ الأَوَّلُ فِي الإِيْمَانِ وَالْعِلْمِ وَالْعِبَادَاتِ (^١).
الْقِسْمُ الثَّانِي فِي الْمُعَامَلَاتِ وَالأَحْكَامِ وَالْعَادَاتِ (^٢).
الْقِسْمُ الثَّالِثُ فِي الْفَضَائِلِ وَالتَّفْسِيْرِ وَالْجِهَادِ (^٣).
الْقِسْمُ الرَّابِعُ فِي الأَخْلَاقِ وَالسَّمْعِيَّاتِ (^٤).
وَقَدْ رَتَّبْتُ قِسْمَي الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ عَلَى الأَبْوَابِ الْفِقْهِيَّةِ لأَنَّهُ الْكَثِيْرُ الْمَأْلُوفُ وَلأنَّهُ أَوْفَى وَأَسْرَعُ فِي شِفَاءِ الْغَلِيْلِ مِنْ كُلِّ مَوْضُوع يُرِيدُهُ الطَّالِبُ.
_________
كرسي المشيخة حينما عرضت الكتاب عليه بعد الفراغ من تأليفه سنة ٣٤٧ هـ. فلما أجبته بما سلف تهلل وجهه وعاد فسرح نظره في بعض وريقات من الكتاب وكان قد استوعب خطبته قبل ذلك. ثم رفع رأسه فقال: أنا لا أشك في أنه كتاب نافع وشرع يحبذ علم الحديث وأنَّه علم جليل وفيه كل شيء. وأظهر الأسف على إهمال الخلف له بقدر عناية السلف به وأطال في هذا، فقال له أحد علماء الأعلام وكان جالسًا معنا: ينبغي لمولانا الأستاذ عرض الكتاب على لجنة تبحثه لاعتماده للتدريس فقال: للآن لم تؤلف اللجنة التي ستنتقي الكتب الجديدة وقريبًا تكون، فإذا شكلت اللجنة قدم الأستاذ لنا كتابه، فشكرناه وانصرفنا. وبعد ذلك انحصرت همتي في شرح الكتاب تكميلًا للنفع به كطلب السالف ذكرهم، والله يتولانا برعايته آمين.
(^١) وبيان كتبه كالآتي: كتاب الإسلام والإيمان. كتاب العلم كتاب النية والإخلاص. كتاب الطهارة. كتاب الصلاة. كتاب الزكاة. كتاب الصيام. كتاب الحج. وقدمت هذا القسم لأنَّه أصول الدين وأركانه.
(^٢) وبيان كتبه كالآتي: كتاب البيوع والزروع. كتاب الفرائض والوصايا والعتق. كتاب النكاح والطلاق. كتاب الحدود والديات. كتاب الإمامة والقضاء. كتاب الأيمان والنذور. كتاب الصيد والذبائح. كتاب الطعام والشراب. كتاب اللباس. كتاب الطب.
(^٣) وبيان كتبه هكذا: كتاب النبوة. كتاب فضائل القرآن. كتاب التفسير. كتاب الجهاد والغزوات.
(^٤) وبيان كتبه هكذا: كتاب الأدب. كتاب الأخلاق. كتاب الرؤيا. كتاب الزهد. كتاب الأذكار والأدعية والاستغفار. كتاب الفق وعلامات الساعة. كتاب القيامة والجنة والنار. فعدة هذه الكتب ثلاثون، كل كتاب منها تشد له الرحال. نسأل الله أن تكون خالصة لوجهه الكريم.
1 / 21
وَقَدِ ابْتَدَأْتُهُ مُسْتَعِينًا بِاللهِ فِي رَجَبٍ الْفَرْدِ (^١) سَنَةَ إِحْدَى وَأَرْبَعِيْنَ وَثَلَاثمِائَةٍ بَعْدَ الْأَلْفِ مِنْ هِجْرَةِ الْمُصْطَفَى ﷺ. وَأَتْمَمْتُهُ بِتَوْفِيقِ اللهِ تَعَالَى فِي صَبِيحَةِ الاِثْنَيْنِ الْمُبَارَكِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَأَرْبَعِيْنَ وَثَلَاثِمَائَةٍ بَعْدَ الْأَلْفِ الْهِجْرِي (^٢). وَلَا أَقُولُ فِي عَمَلِي هذَا إِنِّي وَفَّيْتُ بِالْمُرَادِ، وَلكِنِّي أَجْهَدْتُ نَفْسِي عَلَى قَدرِ طَاقَتِي لَعَلِّي أُوَافِقُ الصَّوَابَ، فَإِنْ أَصَبْتُهُ فَذاكَ مَا أَرَدْتُ وَرَجَوْتُ، وَإِلَّا فَمَا أَنَا إِلَّا إِنْسَانٌ شَأْنُهُ الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ (^٣). وَإِنِّي أَضْرَعُ إِلَى اللهِ تَعَالَى أَنْ يَكْسُوَهُ ثَوْبَ الإِخْلَاصِ وَأَنْ يُجَمِّلَهُ بِحُلَّةِ الْقَبُولِ فَهُوَ سُبْحَانَهُ خَيْرُ مَسْؤُولٍ وَأَكْرَمُ مَأْمُولٍ.
_________
(^١) الذي انفرد عن بقية الأشهر الحرم، وستأتي في الصوم إن شاء الله.
(^٢) وهذا ليس بكثير بالنسبة للأصول الخمسة التي هي خمسة وعشرون مجلدًا. فإذا جمعت وهذبت ورتبت وأحكمت في بضع سنين فهو عمل كثير في زمن قصير، ولا سيما طريقة الأصول التي ترجمت لكل حديث، وهذا من دواعي الإطالة والسآمة. ولكني بتوفيق الله تعالى كنت أبذل غاية جهدي للعثور على عنوان يشرف على طائفة من الأحاديث وأضعها على الاصطلاح السالف، وهذا بالطبع يقتضي فهمها أولًا ومراعاة ما يحيط بها من صناعة فمن الحديث ثانيًا، كلما لا يخفى. وقد قيل إن الحافظ ابن حجر ﵀ ابتدأ شرح البخاري سنة ٨١٧ هـ وانتهى منه سنة ٨٤١ هـ، وهذا هو شمس العلماء في زمانه. فأين مثلي الضعيف من هؤلاء القوم أساطين العلم وشموس الهدى ﵃. ومع هذا فالأمور لا ينظر إليها من حيث إيجادها وقطع الزمن في تحصيلها، إنَّما ينظر إليها من حيث قيمتها والنفع بها. فبهذا يسمو شأنها ويعلو كبيت العنكبوت وحرير الدود في سرعة وجود الأول وكثرته مع خسته وبطء الثاني وقلته مع عزته.
(^٣) وبهذا اعتذرت للقارئ الكريم عما يجده في الكتاب، وبه أعتذر أيضًا للقارئ اللبيب عما يعثر عليه في الشرح، فإن في زماننا هذا ألف عذر وعذر لمن اشتغل بالتأليف. وما رأينا مؤلفًا ولا غيره سلم للآن. وأنا لست بإنسان معصوم بل إني إنسان ضعيف من شأني الخطأ والنسيان. أسأل الله الحفظ من الزلل والغواية، والتوفيق للرشد والهداية، فما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
1 / 22
وَقَدْ أَسْمَيْتُهُ "التَّاجَ (^١) الْجَامِعَ لِلْأُصُولِ (^٢) فِي أَحَادِيثِ الرَّسُولِ ﷺ ". أَسْأَلُهُ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَهُ فَأْلًا حَسَنًا عَلَى الْبِلَادِ وَأَنْ يَنْفَعَ بِهِ الْعِبَادَ إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
منصور علي ناصف الحسيني
_________
(^١) تفاؤلًا بأن يكون مقبولًا معظمًا مرفوعًا ساميًا عاليًا كما يعلو التاج على رؤوس الملوك. اللهم حقق ذلك يا من بيدك كل شيء يا إله العالمين.
(^٢) حقًا إنه جامع للأصول وزاد عليها كما سيراه القارئ الكريم إن شاء الله. أسأل الله تعالى أن يكون أثرًا صالحًا. وأن يكون قبلة لأهل العلم والعلماء. أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يثيبني عليه جميل الذكر في الدنيا وجزيل الأجر في الآخرة مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا، آمين. والحمد لله رب العالمين.
1 / 23