القول المبين في أخطاء المصلين
القول المبين في أخطاء المصلين
Издатель
دار ابن القيم،المملكة العربية السعودية،دار ابن حزم
Номер издания
الرابعة
Год публикации
١٤١٦ هـ - ١٩٩٦ م
Место издания
لبنان
Жанры
القول المبين
في أخطاء المصلين
تأليف
الفقير إلى عفو رّبه
أبو عبيدة مشهور بن حسن بن محمود بن سلمان
Неизвестная страница
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستهديه ونستغفره ونسترشده، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ (١) ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ (٢)
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ (٣)
_________
(١) سورة آل عمران: آية رقم (١٠٢)
(٢) سورة النساء: آية رقم (١)
(٣) سورة الأحزاب: آية (٧٠، ٧١)
1 / 5
أما بعد:
فإن أحسن الكلام كلام الله ﷾، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالة في النار (١) .
فهذا كتاب «القول المبين في أخطاء المصلّين» يتضمّن بيان أخطاء المصلين التي درجوا عليها، من إحداث أقوال وأفعال مخترعة، وفعْلِ بعض الأركان والسنن في غير مكانها، أو على غير وجهها، ولا يخفى أن محو اعتقاد غير الصواب من صدور العامّة، بتمحيص الحقّ، باب عظيم من أبواب الدّعوة إلى الخير.
وضمّنتُ كتابي هذا: التّنبيه على ترك كثير من المصلّين لكثير من السنن أحيانًا، والواجبات والأركان أحيانًا أُخرى، التي تفوّت عليهم الأجر العظيم، والثّواب الجسيم، بل توقعهم في الوزر والإثم، إن كانت من القسم الآخر.
ولا يخفى عليك - عزيزي القارئ - أن الصّلاة هي اَّحد أركان الإسلام الخمسة - كما قال الرسول ﷺ وأنها أولى الواجبات الإسلامية بعد التّوحيد، وأنها إذا صلحت صلح عمل المسلم كله، وإذا فسدت، فسد عمله كله.
ولذا فهي جديرة بالاهتمام والاعتناء، وخصوصًا أن كثيرًا من البدع والمخالفات فيها فشت في النّاس، وخصوصًا العامّة منهم، وانطلاقًا من وجوب العناية بأمر العامة، بالهدي والإرشاد، والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، كتبتُ مبحثي هذا.
وقد جعلت مبحثي هذا في سبعة فصول:
_________
(١) هذه خطبة الحاجة التي كان الرسول ﷺ يفتتح بها خطبه، ويعلّمها أصحابه، وروى هذه الخطبة ستة من الصحابة _رضوان الله عليهم - وقد أخرجها جمع من الأئمّة في مصنَّفاتهم، مثل
مسلم في «الصحيح»: (٦/١٥٣، ١٥٦- ١٥٧- مع شرح النّووي) وأبو داود في السنن: (١/٢٨٧) رقم (١٠٩٧) والنسائي في «المجتبى»: (٣/١٠٤- ١٠٥) والحاكم في «المستدرك»: (٢/١٨٢- ١٨٣) والطيالسي في «المسند»: رقم (٣٣٨) والبيهقي في «السنن الكبرى»: (٧/١٤٦) و(٣/٢١٤) وابن ماجه في «السنن»: (١/٥٨٥) .
1 / 6
الفصل الأوّل:
جماع أخطاء المصلّين في ثيابهم وستر عوراتهم في الصّلاة، وبيّنتُ فبه مخالفات المصلّين في ثيابهم، وحصرتُها في النقاط التالية:
الصّلاة في الثّياب الحازقة التي تصف العورة.
الصّلاة في الثّياب الرقيقة الشّفافة.
الصّلاة والعورة مكشوفة، وذكرتُ فيه ثلاث صور من دارجة من واقع النّاس المشاهد خلال صلاتهم.
صلاة مسبل الإزار.
سدل الثّوب والتلثّم في الصّلاة.
كف الثّوب في الصّلاة «تشميره» .
صلاة مكشوف العاتقين.
الصّلاة في الثّوب الذي عليه صورة، واستطردتُ فتكلّمت تحت هذا العنوان عن حكم صلاة حامل الصّورة، الصلاة في الثّوب المعصفر، صلاة مكشوف الرأس.
أما الفصل الثاني:
فيدور حول جماع أخطاء المصلّين في أماكن صلاتهم، واشتمل على التنبيه على ستة أخطاء، يقع في الأولى منها: الرافضة المبتدعة، وذكرتُه خوفًا من موافقة العوام لهم في هذا الخطأ، الذي هو من البدع، وحرصًا على رفع المسلم الملتزم التهمة عن نفسه، وهذا الخطأ هو:
السجود على تربة كربلاء، واتّخاذ قرص منها للسجود عليه عند الصلاة، واعتقاد الأجر والفضل في ذلك.
ومن ثم نبهتُ على الأخطاء التالية:
الصلاة إلى أماكن عليها صور أو على سجادة فيها صور ونقوش، أو في مكان فيه صور.
1 / 7
الصلاة على القبور وإليها.
تخصيص مكان للصّلاة في المسجد.
أخطاء المصلين في السترة.
الانحراف عن القبلة.
أما الفصل الثالث:
فيدور حول أخطاء المصلّين في صفة صلاتهم، واعتنيت فيه بأخطاء المصلين من قيامهم للصلاة إلى التّسلم، وقسمتُه إلى ست نقاط، كانت على النحو التالي:
؟ الجهر بالنيّة، والقول بوجوب مقارنتها مع تكبيرة الإحرام.
؟ عدم تحريك اللسان في التكبير وقراءة القرآن وسائر الأذكار.
؟ جملة من أخطاء المصلّين في القيام، وبحثت تحته: ترك رفع اليدين عند التحريمة والركوع وعند الرفع منه، إسبال اليدين وعدم وضعهما على الصدر أو تحته وفوق السرّة، ترك دعاء الاستفتاح والاستعاذة قبل قراءة الفاتحة، تكرير الفاتحة، رفع البصر إلى السماء أو النّظر إلى غير مكان السّجود، تغميض العينين في الصّلاة، كثرة الحركة والعبث في الصلاة.
؟ جملة من أخطاء المصلّين في الركوع والقيام منه، وبحثت تحته:
عدم تعمير الأركان، عدم الطمأنينة في الركوع والاعتدال منه، القنوت الراتب وتركه عند النّوازل.
؟ جملة من أخطاء المصلّين في السجود، وبحثت تحته:
عدم تمكين أعضاء السجود من الأرض، عدم الطمأنينة في السجود، أخطاء في كيفية السجود، القول بوجوب كشف بعض أعضاء السجود أو بوجوب السجود على الأرض أو على نوعٍ منها، رفع شيء للمريض ليسجد عليه، قول «سبحان من لا يسهو ولا ينام» في سجود السهو.
؟ جملة من أخطاء المصلّين في الجلوس والتشهد والتّسليم، وبحثت تحته الأخطاء
1 / 8
والأغلاط التالية:
غلط قول «السلام عليك أيها النبي» في التشهد، زيادة لفظ «سيدنا» في التشهد أو في الصّلاة على رسول ﷺ في الصلاة، تنبيهات، الإنكار على من يحرك سبابته في الصّلاة، ثلاثة أخطاء في التسليم.
أما الفصل الرابع:
فيدور حول جماع أخطاء المصلّين في المسجد وصلاة الجماعة، وقسمتُهُ إلى أربعة أقسام:
الأول: أخطاؤهم حتى إقامة الصّلاة، وبحثتُ تحته:
جملة من أخطاء المؤذنين ومستمعي الأذان، الإسراع في المشي إلى المسجد وتشبيك الأصابع فيه، الخروج من المسجد عند الأذان، دُخُول الرَّجُلَيْنِ المسجد وتقام الصلاة ويحرم الإمام وهما في مؤخره يتحدّثان، ترك تحية المسجد والسّترة لها وللسّنة القبليّة، قراءة سورة الإخلاص قبل إقامة الصّلاة، صلاة النّافلة إذا أُقيمت الصّلاة، التنفّل بعد طلوع الفجر بصلاةٍ لا سبب لها؛ سوى ركعتي الفجر، أكل الثّوم والبصل وما يؤذي المصلّين قبل الحضور للجماعة.
والثاني: أخطاؤهم من إقامة الصّلاة حتى تكبيرة الإحرام، وبحثتُ تحته:
أخطاء مقيمي الصّلاة ومستمعيها، عدم إتمام الصفوف وترك التراص وسد الفرج فيها، ترك الصّلاة في الصف الأول ووقوف غير أولي النهى خلف الإمام فيه، الصّلاة في الصّفوف المقطّعة، الوقوف الطويل والدّعاء قبل تكبيرة الإحرام والهمهمة بكلماتٍ لا أصل لها.
والثالث: أخطاؤهم من تكبيرة الإحرام حتّى التّسليم، وبحثتُ تحته:
غلط في النُّطق بـ (الله أكبر) في تكبيرة الإحرام وتكبيرات الانتقال، غلط الأئمة في الجهر والإسرار بالبسملة، غلط في كيفية قراءة الفاتحة، دعاء المأمومين أثناء قراءة الإمام الفاتحة وعند الانتهاء منها، والتنبيه على أغلاط في التأمين وأثناء قراءة الإمام وفيها، مسابقة الإمام ومساواته في أفعال الصّلاة، تكبير المسبوق للإحرام
1 / 9
وهو نازل إلى الرّكوع، انشغال المسبوق بدعاء الاستفتاح وتأخّره عن اللحوق بصلاة الجماعة.
والرابع: أخطاؤهم في ثواب صلاة الجماعة، وبعض أخطاء المتخلّفين عنها، والتّشديد في حقّ مَنْ تركها، وبحثت تحته:
ثواب الصلاة في بيت المقدس، صلاة الجماعة في غير المساجد، صلاة الجماعة الثانية وتعدد الجماعات في المسجد الواحد، والأنفة عن الصّلاة خلف المخالف في المذهب التّشديد في التخلّف عن الجماعة.
أما الفصل الخامس:
فيدور حول جماع أخطاء المصلّين بعد الصّلاة، جماعة كانت أم منفردة، وبحثت فيه ستة أخطاء للمصلّين، كانت كما يلي:
أخطاء المصلّين في السلام والمصافحة.
أخطاء المصلّين في التسبيح، وفيه:
ترك التسبيح دبر الصلوات والاشتغال بالدّعاء.
خروج المأموم وانصرافه قبل انتقال الإمام عن القبلة.
الوصل بين الفريضة والنفل.
التسبيح بالشّمال والسبحة.
ومن ثم ذكرت فيه:
السجود للدعاء بعد الفراغ من الصلاّة.
السمر بعد صلاة العشاء.
التسبيح الجماعي والتّشويش على المصلّين.
المرور بين يدي المصلّين.
أما الفصل السادس:
فيدور حول جماع أخطاء المصلّين. في صلاة الجمعة والتّشديد في حقّ مَنْ
1 / 10
تركها، وبحثتُ فيه الأخطاء التالية:
تخلف آلاف من مشاهدي كرة القدم عن صلاة الجمعة.
تخلّف حرس الملوك والسّلاطين عن صلاة الجمعة ووقوفهم على أبواب المسجد، حاملي السّلاح، حراسة عليهم.
تخلف العروس عن صلاة الجمعة والجماعة، جملة من أخطاء تفوّت على أصحابها ثواب الجمعة أو بعضه، وذكرت تحته:
ترك التبكير لصلاة الجمعة، ترك الاغتسال والتطيّب والتسوّك لصلاة الجمعة،
الكلام وعدم الاستماع لخطيب الجمعة، وفيه: الدوران على الناس بالماء وبصندوق لجمع التبرعات والإِمام يخطب، تحدّث الرجلين مع بعضهما والإمام يخطب، التسبيح وقراءة القرآن وردّ السّلام وتشميت العاطس والإمام يحطب، النوم والإمام يخطب، استدبار الإِمام والقبلة والإمام يخطب، العبث بالحصى والسبحة ونحوهما والإمام يخطب ومن ثم ذكرت خطأ تخطّي الرّقاب وإيذاء المصلّين، ومن ثم تعرّضتُ إلى:
سنة الجمعة القبليّة، واعتنيتُ بشُبَهِ المثبتين لها، وعملت على دحضها، ومن ثم تكلمت عن أخطاء المصلّين في صلاة تحية المسجد يوم الجمعة. وحصرتُها بالنّقاط التالية:
تركها عند الدخول والإمام يخطب، حثّ الخطيب للدّاخل على تركها، الجلوس وصلاتها عند قعود الخطيب بين الخطبتين، تأخيرها لإجابة المؤذّن والشروع فيها عند بدء الخطيب للخطبة.
ومن ثم تعرضت لأخطاء الخطباء، وقسمتها إلى: أخطاء قولية، وأخطاء فعليّة، ومن ثم ذكرت أخطاءهم في صلاة الجمعة.
وختمت هذا الفصل بأخطاء المصلّين في سنّة الجمعة البعديّة.
أما الفصل السابع والأخير:
فعالجتُ فيه أخطاءً تتعلّق بصلاة أهل الأعذار والصلوات الخاصة وغيرها من
1 / 11
الإِفاضات والإِضافات، وكان هذا الفصل بمثابة شذرات متفرّقات، ومن ثم ختمتُ الكتاب بأحاديث موضوعات وواهيات دارجة على ألسنة الناس في الصلاة.
وقد رَعَيْتُ في كتابي هذا مجموعة أُمور:
أولًا: تعرّضتُ إلى الأخطاء الشّائعة الدّارجة، وبيّنتُ الصّواب عقب ذكر الخطأ، واخترتُ منها ما تكون الحاجة إلى معالجته ماسة، والضّرورة إلى معرفته ملحة.
ثانيًا: عرضت الأخطاء ومعالجتها عرضًا يناسب أهل العصر، على اختلاف درجاتهم في الثّقافة والفهم.
ثالثًا: ليس كلُّ خطأ مبحوثٍ في هذا الكتاب، يترتّبُ عليه بطلان الصّلاة أو الإثم، وإنما فيه قسمٌ من المختلَف فيه بين العلماء، وأشرتُ إلى الخلاف في الأعم الأغلب، واعتبرتُ المختلَفَ فيه خطأ، إن كان الدليلُ الصّحيحُ على خلافه، أو لم يقم عليه دليل، إذ الأصل في العبادات المنع، حتى يأتي دليل الصحيح على مشروعيتها، أو كان دليلُه غير صحيح، أو غير ظاهر، وهنالك أظهر منه، أو كان الإجماع (١)
على أن الأفضل خلافُهُ، فعلًا كان أم تركًا، ولكن الخلافَ في البطلان أو الحرمة ونحوهما، إذ ليس مقصودُنا إلا ذكر ما يخالف هديه ﷺ الشائع بين المصلّين، وتبيين الصواب فيه، الذي كان يفعله ﷺ هو، فإنه قِبلَةُ القصد، إليه التوجُّهُ في هذا الكتاب، وعليه مدارُ التّفتيش والطّلب، وهذا شيء، والجائز الذي لا ينكر فعلُه وتركُه شيء، فنحن لم نتعرض في هذا الكتاب لما يجوز، ولما يحرم (٢)
، وإنما مقصودُنا فيه هديُ النبي ﷺ الذي كان يختاره لنفسه، فإنّه أكملُ الهدي وأفضلُه.
فبيّنتُ في هذا الكتاب كلّ فعل يفعله المصلّون مخالف لهدي النبي ﷺ وما أرشد إليه، وأرجو إنْ تجنّب المصلى الأخطاء التي عالجتُها فيه، أن يلمس أثر
_________
(١) وقد اعتنيتُ عنايةً خاصّة بنقل عبارات أهل العلم المذكور فيها الإجماع.
(٢) مع أننا ذكرنا ذلك إن كان هنالك دليل عليه، ولكن مادة البحث، والأخطاء التي عالجتُها في هذا الكتاب، أوسع من ذلك، كما سبق بياُنُةُ.
1 / 12
الصّلاة، من طمأنينة قلب، وراحة فؤاد في الدّنيا، وأن تنقذ من مصائب الدّنيا، وأهول القيامة، وان تعمل على ذهاب سيّئاته، وترتقي به إلى أعلى مقاماته. ولا بُدّ - أخي المُصلّي - من الوقوف على الخطأ لتجنّبه، على حدّ قول الشاعر:
عرفتُ الشر لا للشـ ـر لكن لتوقيه
ومن لا يعرف الشًّرًّ من الخير يقع فيه
وهذا المعنى مستقى من السنّة، فقد قال حذيفة بن اليمان ﵁: كان النّاس يسألون رسول الله ﷺ عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني.
ولهذا كان من الضّروري جدًّا تنبيهُ المسلمين إلى أخطائهم في الأقوال والأفعال التي دخلت في الدّين، خوفًا من خفائها على بعضهم فيقعوا فيها، متقرّبين بها إلى الله ﷾!! ومن أهم ما ينبغي تبيينُه لهم: أخطاؤهم في الصّلاة، وتكاسلهم عن هدي النبي ﷺ فيها، لأن الصّلاة بمنزلة الهدية التي يتقرّب بها النّاسُ إلى ملوكهم وكبرائهم، فليس مَنْ عمد إلى أفضل ما يقدر عليه، فيزينه ويحسّنه ما استطاع، ثم يتقرّب به إلى مَنْ يرجوه ويخافه، كمن يعمد إلى أسقط ما عنده وأهونه عليه
، فيستريح منه، ويبعثه إلى مَنْ لا يقع عنده بموقعٍ، وليس مَنْ كانت الصَّلاةُ ربيعًا لقلبه وحياةً له، وراحةً وقرةً لعينه، وجلاءً لحزنه، وذهابًا لهمّه وغمّه، ومفزعًا إليه في نوائبه ونوازله، كمن هي سُحْتٌ لقلبه، وقيْدٌ لجوارحه، وتكليف له، وثقل عليه، فهي كبيرة على هذا، وقرة عين وراحة لذلك.
قال تعالى: ﴿َاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ* الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ (١) .
_________
(١) سورة البقرة: آية رقم (٤٥، ٤٦) .
1 / 13
فإنما كبرت لخلوّ قلوبهم من محبّة الله تعالى وتكبير وتعظيمه والخشوع له وقلّة رغبتهم فيه، فإن حضور العبد في الصّلاة وخشوعه فيها، وتكميله لها، واستفراغ وسعه في إقامتها وإتمامها على قدر رغبته في الله.
قال الأمام أحمد: إنما حظُّهُم من الإسلام على قدر حظّهم من الصّلاة، ورغبتهم في الإسلام على قدر رغبتهم في الصّلاة، فاعرف نفسك يا عبد الله، احذر أن تلقى الله ﷿ ولا قدر للأسلام عندك، فإن قدر الإسلام في قلبك كقدر الصّلاة في قلبك (١) .
وقال أيضًا: واعلموا أنه لو أن رجلًا أحسن الصّلاة، فأتمّها وأحكمها، ثم نظر إلى مَنْ أساء في صلاته وضيَّعها، وسبق الإمامَ فيها، فسكت عنه، ولم يعلّمه إساءته في صلاته ومسابقته الإمام فيها، ولم ينهه عن ذلك، ولم ينصحه، شاركه في وزرها وعارها. فالمحسن في صلاته، شريك المسيء في أساءته، إذا لم ينهه ولم ينصحه (٢) .
فأنعم النّظر - أخي المصلّي - فيما سطرتُه في هذه الورقات، فإن اقتنعتَ بها، وخالطتْ بشاشة الإِيمانِ في قلبك، فاعملْ على نشرها، واحرص على تعليمها، لا سيّما لمن لك سلطة عليه، كأهل بيتك، أو تلاميذك، أو جمهور المصلّين، إنْ كنت إمامًا أو واعظًا، فإن سكتّ، شاركتَ المسيئي صلاتهم في إثمهم - والعياذ بالله تعالى _، كما قال إمامُ أهل السنّة أحمد بن حنبل.
وأخيرًا ... «لاينبغي لأحدٍ من المسلمين أن يتّخذ من الخلاف في المسائل المبحوثة وأشباهها، وسيلة إلى النّزاع والتّهاجر والفرقة، فإن ذلك لا يجوز
_________
(١) الصلاة: (ص ٤٢) والصلاة وحكم تاركها: (ص١٧٠ - ١٧١) لابن القيّم.
(٢) الصلاة: (ص٤٠)
1 / 14
للمسلمين (١)
، بل الواجب على الجميع بذل الجهود في التّعاون على البرّ والتّقوى، وإيضاح الحق بدليله، والحرص على صفاء القلوب وسلامتها من الغلّ والحقد من بعضهم على بعض، كما أن الواجب الحذر من أسباب الفرقة والتهاجر، لأن الله سبحانه، أوجب على المسلمين ان يعتصموا بحبله جميعًا، وأن لا يتفرقوا، كما قال تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ﴾ (٢) .
وقال النبي ﷺ: «إن الله يرضى لكم ثلاثًا: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا
بحبل الله جميعًا ولا تفرّقوا، وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم» (٣)
فعلينا جميعًا - معشر المسلمين - أن نتقي الله - سبحانه - وأن نسير على طريقة السَّلف الصّالح قبلنا في التّمسك بالحق والدّعوة إليه، والتّناصح فيما بيننا، والحرص على معرفة الحق بدليله، مع بقاء المحبّة والأخوّة الإيمانية، وعدم التقاطع والتّهاجر من أجل مسألة فرعيّة، قد يخفى فيها الدّليل على بعضنا، فيحمله اجتهادُه على مخالفة أخيه في الحكم.
فنسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، أن يزيدنا - وسائر المسلمين - هدايةً وتوفيقًا، وأن يمنحنا جميعًا الفقه في دينه، والثّبات عليه، ونصرته، والدّعوة إليه، إنه وليّ ذلك، والقادر عليه.
وصلى الله على نبيّنا محمد وآله وصحبه، ومن اهتدى بهداه، وعظّم سنّته إلى يوم الدّين» (٤)
_________
(١) انظر أدلة حرمة الجهر وأضراره وأثاره السيّئة على الفرد والمجتمع، وبيان المشروع منه والممنوع في كتابنا «الهجر في الكتاب والسنة» أو «إضاءة الشموع في بيان الهجر المشروع والممنوع»، نشرة دار ابن القيّم / الدّمام..
(٢) سورة آل عمران: آية رقم (١٠٣) .
(٣) أخرجه مسلم في «الصحيح»: (٣/١٣٤٠) رقم (١٧١٥) وأحمد في «المسند»: (٢/٣٦٧) .
(٤) ما بين الهلالين من كلام فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز في «ثلاث رسائل في الصّلاة»: (ص١٥، ١٦) بتصرفٍ يسيرٍ.
1 / 15
الفصل الأول
جماع أخطاء المصلّين في ثيابهم وستر عوراتهم في الصلاة
* تمهيد.
* الصّلاة في الثّياب الحازقة التي تصف العورة.
* الصّلاة في الثّياب الرّقيقة الشّفافة.
* الصّلاة والعورة مكشوفة.
* صلاة مُسْبلِ الإزار.
* سدل الثّوب والتلثّم في الصّلاة.
* كفّ الثّوب في الصَّلاة «تشميره» .
* صلاة مكشوف العاتقين.
* الصَّلاة في الثَّوب في الذي عليه صورة (١) .
* الصَّلاة في الثَّوب المعصفر.
* صلاة مكشوف الرأس.
_________
(١) تكلّمتُ تحت هذا العنوان عن «حكم صلاة حامل الصّور» فاقتضى التّنبيه.
1 / 16
* تمهيد:
أخرج مسلم في «صحيحه» بسند إلى أبي عثمان النَّهدي قال: كتب إلينا عمر، ونحن بأَذْرَبِيجَان: يا عُتْبةُ بن فرْقَد!! إنه ليس مِن كَدِّك ولا مِنْ كَدّ أبيك، ولا مِنْ كَدّ أُمّك، فأشبع المسلمين في رحالهم، مما تشبع منه في رحلك (١)
، وإيّاكم والتنعُّم، وَزِيٍّ أهل الشّرك، وَلَبُوس الحرير (٢) .
_________
(١) بيّن أبو عوانة في «صحيحه» من وجه آخر سبب قول عمر ذلك، فعنده في أوّله: «أن عتبة بن فرقد بعث إلى عمر مع غلامٍ له، بسلالٍ فيها خبيص، عليها اللبود، فلما رآه عمر قال: أيشبع المسلمون في رحالهم من هذا؟ قال: لا. فقال عمر: لا أُريده، وكتب له ...» ..
(٢) أخرجه: البخاري: كتاب اللباس: باب لبس الحرير للرجال وقدر ما يجوز منه: (١٠/٢٨٤) رقم (٥٨٢٨) و(٥٨٢٩) و(٥٨٣٠) و(٥٨٣٤) و(٥٨٣٥) مختصرًا. ومسلم: كتاب اللباس والزينة: باب تحريم استعمال إناء الذّهب والفضة على الرجال والنساء وخاتم الذهب والحرير على الرجل. ... (٣/١٦٤٢) واللفظ له. والنسائي: كتاب الزينة: باب الرخصة في لبس اْلحرير: (٨/١٧٨) . وأبو داود: كتاب اللباس: باب ما جاء في لبس الحرير: (٤/٤٧) رقم (٤٠٤٢) .. وابن ماجه: كتاب اللباس: باب الرخصة في العلم في الثوب: (٢/١١٨٨) . وأحمد: المسند: (١/٩١) رقم (٩٢ـ ط أحمد شاكر) . وابو عوانة: المسند: (٥/٤٥٦ - ٤٥٧ و٤٥٧ و٤٥٨ - ٤٥٩ و٤٥٩ و٤٥٩ - ٤٦٠ و٤٦٠) .
1 / 17
وجاء في «مسند علي بن الجعد»: «... فائتزروا وارتدوا وانتعلوا وألقوا الخفاف وألقوا السراويلات، ... وعليكم بلباس أبيكم إسماعيل، وإيّاكم والتنعيم وزيّ العجم ...» (١) .
وأخرج وكيع وهناد في «الزهد» عن ابن مسعود قال: «لا يشبه الزي الزي، حتى تشبه القلوب القلوب» (٢) .
وكلام عبد الله بن مسعود مأخوذ من قوله ﷺ: «من تشبّه بقوم فهو منهم» (٣) .
ولهذا: أمر عمر بن الخطاب ﵁ رعيته أن يلقوا الخفاف والسراويلات، كما أمرهم بغير ذلك من لبوس العرب وعاداتهم، ليحافظوا على مشخصاتهم، فلا يندفعوا في الأعاجم.
وإن في تشبه أفراد أمتنا بأعدائهم في اللباس وغيره، دليلًا على ضعف
_________
(١) أخرجه: علي بن الجعد في «المسند» رقم (١٠٣٠) و(١٠٣١) وأبو عوانة في «المسند»: (٥/٤٥٦ و٤٥٩ و٤٦٠) وإسناده صحيح.
(٢) أخرجه: وكيع في «الزّهد»: رقم (٣٢٤) وهناد في «الزّهد» رقم (٧٩٦)، وفيه ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف.
(٣) أخرجه: أبو داود في «السنن»: (٤/٤٤) رقم (٤٠٣١) وأحمد في «المسند»: (٢/٥٠ و٩٢) والطحاوي في «مشكل الآثار»: (١/٨٨) وابن عساكر في «تاريخ دمشق»: (١٩/١٦٩) وابن الأعرابي في «المعجم»: (١١٠/٢) والهروي في «ذم الكلام»: (٥٤/٢) والقضاعي في «مسند الشهاب»: (١/٢٤٤) رقم (٣٩٠)، والحديث صحيح انظر «نصب الراية»: (٤/٣٤٧) و«تخريج أحاديث إحياء علوم الدين»: (١/٣٤٢) و«إرواء الغليل»: (٥/١٠٩) .
1 / 18
التزامهم وسلوكهم، وأنهم مصابون بداء التلوّن والتمرّغ، وأن سيرتهم متخلخلة لا قرار لها، وأنها كمادة سائلةٍ، مستعدّة للانصهار في كل قالب في كل حين، وفوق هذا: فإن هذا النوع من التشبّه، فعلة شنيعة، مثلها كمثل رجلٍ ينسب نفسه إلى غير أبيه!!
والذين يسلكون هذا المسلك وهذا السبيل: لا هم من الأمّة التي ولدوا فيها، ولا من الأمة التي يحبّون أن يعدّوا منها: ﴿لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء﴾ (١) .
وقد يقال: لِمَ لَمْ يقاوم العلماء المسلمون هذه العادات، قبل استفحال أمرها؟
والجواب: أنهم قاوموها كأشدّ ما تكون المقاومة (٢)
، بيد أن سنّة تأثر المغلوب بالغالب، لم تنجح معها مقاومة العلماء، فتورط في عادات المشركين ولباسهم كثيرٌ من المسلمين، بل كثير ممن ينتسبون إلى العلم، فكانوا مثالًا سيّئًا للمسلمين، والعياذ بالله تعالى (٣) .
ويزيد الطّين بِلّة: أن منهم مَنْ يعتذرون عن الصّلاة، بأنها تحدث في السراويل «البنطلون» تجعّدًا يشوّه مَنظره!! سمعنا هذا بآذاننا من كثيرين.
ويزيد الطّين بِلّة أيضًا:
_________
(١) سورة النساء آية رقم (١٤٣) .
(٢) انظر - على سبيل المثال لا الحصر - تعليق الألباني على حديث رقم (١٧٠٤) من «السلسة الصحيحة» وتعليق أحمد شاكر على حديث رقم (٦٥١٣) من «مسند أحمد» وكتاب «اللباس» للمودودي و«تنبيهات هامة على ملابس المسلمين اليوم» و«فتاوى رشيد رضا»: (٥/١٨٢٩) ..
(٣) وقد فصل الشيخ أبو بكر الجزائري في كتابة «التدخين: مادةً وحكمًا»: (ص ٧) مخلفاّت آثار الاستعمار، فقال: «ومن تلك المخلفات الفاسدة: تربية الكلاب في الدور، وسفور المرأة المسلمة وحلق لحى الرجال، ولبس البنطلون الضيق ليس فوقه شيء، وحسر الرأس، ومجاملة أهل الفسق والنفاق، وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بدعوى حرية الرأي والسّلوك الشخصي» .
1 / 19
[١] * الصّلاة في الثّياب الحازقة التي تصف العورة:
لبس الثياب الحازقة الضّاغطة مكروه شرعًا وطبًّا، لضررها بالبدن، حتى إن بعضها يتعذّر السجود على لابسه، فإذا أدّى لبسها إلى ترك الصّلاة حرم قطعًا، ولو لبعض الصّلوات.
وقد ثبت بالتجارب أن أكثر مَنْ يلبسونها لا يصلّون، أو إلا قليلًا كالمنافقين!! وكثير من
المصلّين هذه الأيام، يصلّون بثيابٍ تصف السّوأَتيْن: إحداهما أو كلتيهما!!
وحكى الحافظ ابن حجر عن أشهب، فيمن اقتصر على الصّلاة في السّراويل مع القدرة:
يعيد في الوقت، إلا إن كان صفيقًا، وعن بعض الحنفيّة يكره (١) .
هذا عن سراويلهم الواسعة جدًا، فما بالك في «البنطلون» الضّيق جدًّا!!
قال العلاّمة الألباني: «و«البنطلون» فيه مصيبتان:
المصيبة الأولى: هي أن لابسه يتشبّه بالكفّار، والمسلمون كانوا يلبسون السراويل الواسعة الفضفاضة، التي ما زال البعض يلبسها في سوريا ولبنان.
فما عرف المسلمون «البنطلون» إلا حينما استعمروا، ثم لما انسحب المستعمرون، تركوا آثارهم السيئة، وتبنّاها المسلمون، بغباوتهم وجهالتهم.
المصيبة الثّانية: هي أن «البنطلون» يحجّم العورة، وعورة الرجل من الرّكبة إلى السرّة. والمصلي يفترض عليه: أن يكون أبعد ما يكون عن أن يعصي الله، وهو له ساجد، فترى إِليتيه مجسمتين، بل وترى ما بينهما مجسمًا!!
_________
(١) فتح الباري: (١/٤٧٦)
1 / 20
فكيف يصلي هذا الإنسان، ويقف بين يدي ربّ العالمين؟
ومن العجب: أن كثيرًا من الشباب المسلم، ينكر على النساء لباسهن الضيّق، لأنه يصف جسدهن، وهذا الشباب ينسى نفسه، فإنه وقع فيما ينكر، ولا فرق بين المرأة التي تلبس اللباس الضيّق، الذي يصف جسمها، وبين الشباب الذي يلبس «البنطلون»، وهو أيضًا يصف إِليتيه، فإلية الرجل وإلية المرأة من حيث إنهما عورة، كلاهما سواء، فيجب على الشباب أن ينتبهوا لهذه المصيبة التي عمّتهم إلا مَنْ شاء الله، وقليل ما هم» (١) .
أما إذا كان «البنطلون» واسعًا غير ضيق، صحت فيه الصلاة، والأفضل أن يكون فوقه قميص يستر ما بين السرة والركبة، وينزل عن ذلك إلى نصف الساق، أو إلى الكعب، لأن ذلك أكمل في الستر (٢)
_________
(١) من تسجيلات له يجيب فيها على أسئلة أبي إسحاق الحويني المصري، سجلت في الأردن، محرم، سنة ١٤٠٧هـ. وانظر له: الشريط الرّابع من شروط حجاب المرأة المسلمة: «أن يكون فضفاضًا غير ضيّق، فيصف شيئا من جسمها» في كتابه «حجاب المرأة المسلمة من الكتاب والسنة»: (ص ٥٩ - وما بعدها) . فالخطأ المذكور يشترك فيه الرّجل والنساء، ولكنه - في زماننا - في الرجل أظهر، إذ أغلب المسلمين - هذه الأيام - لا يصلون إلاَّ في «البنطال»، وكثير منهم: في الضيق منه، ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله.
وقد «نهى ﷺ أن يصلي الرجل في سراويل، وليس عليه رداء» أخرجه أبو داود والحاكم، وهو حسن، كما في «صحيح الجامع الصغير»: رقم (٦٨٣٠) وأخرجه أيضًا: الطحاوي في «شرح معاني الآثار»: (١/٣٨٢) . وانظر محاذير لبس البنطلون في «الإيضاح والتبيين لما وقع فيه الأكثر ون من مشابهه المشركين» للشيخ حمود التويجري (ص٧٧ - ٨٢) .
(٢) الفتاوى: (١/٦٩) للشيخ عبد العزيز بن باز.. وبهذا أجابت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على سؤال مقيد بإدارة البحوث برقم (٢٠٠٣) عن حكم الإسلام في الصّلاة في البنطلون، ونص جوابها: إن كان ذلك اللباس لا يحدد العورة لسعته، ولا يشف عما وراءه، لكونه صفيقًا، جازت الصّلاة فيه، وإن كان يشف عما وراءه بأن ترى العورة من ورائه بطلب الصّلاة فيه، وإن كان يحدد العورة فقط، كرهت الصلاة فيه، إلاَّ أن لا يجد غيره، وبالله التوفيق.
1 / 21
[٢] * الصلاة في الثيّاب الرقيقة الشّفافة:
كما تكره الصلاة في الملابس الحازقة، التي بضيقها تحكي العورة وتصف شكلها وحجمها، فإنه لا تجوز الصلاة في الثياب الرقيقة التي تشفّ عما وراءها من البدن، كملابس بعض المفتونين اليوم بهذه الطُرز من الثياب، يقصدون هذه العيوب الشرعيّة قصدًا، لأنهم أسرى الشهوات، وعبيد العادات، ولهم مِنْ دعاة الإِباحة مَنْ يرغّبهم فيها، ويفضّلها لهم على غيرها، بأنها من الجديد اللائق، بمجددي الفسق والفجور، وليست من العتيق البالي المذموم، لأنه قديم (١)
!!
ومن هذا الباب:
[١/٢] الصّلاة في ملابس النّوم «البيجامات» .
أخرج البخاريّ في «صحيحه» بسنده إلى أبي هريرة ﵁ قال: قام رجل إلى النبي ﷺ فسأله عن الصّلاة في الثّوب الواحد، فقال: «أوَ كلّكم يجد ثوبين»؟! ثم سأل رجل عمر، فقال: إذا وسّع اللهُ فأوسعوا: صلّى رجل في إزارٍ ورداء، في إزار وقميص، في إزار وقباء، في سراويل ورداء، في سراويل وقميص، في سراويل وقباء، في تُبّان وقباء، في تُبّان وقميص (٢)
_________
(١) فتاوى رشيد رضا: (٥/٢٠٥٦)
(٢) أخرجه: البخاري: كتاب الصلاة: باب الصلاة في القميص والسراويل والتُبّان والقباء: (١/٤٧٥) رقم (٣٦٥) . ومالك في «الموطأ»: (١/١٤٠/٣١) ومسلم في «الصحيح» رقم (٥١٥) وأبو داود في «السنن»: رقم (٦٢٥) والنسائي في «المجتبى»: (٢/٦٩) وابن ماجه في «السنن»: رقم (١٠٤٧) والحميدي في «المسند»: رقم (٩٣٧) وأحمد في «المسند»: (٢/٢٣٨ـ٢٣٩) والطيالسي في «المسند»: رقم (٣٥٥) والطحاوي في «شرح معاني الآثار»: (١/٣٧٩) والبغوي في «شرح السنة» (٢/٤١٩) وأبو نعيم في «الحلية»: (٦/٣٠٧) والخطيب في «تلخيص المتشابه»: (١/٤٤٢) .
1 / 22
ورأى عبد الله بن عمر نافعًا يصلي في خلوته، في ثوبٍ واحدٍ، فقال له: ألم أكسك ثوبين؟
قال: بلى. قال: أفكنت تخرج إلى السوق في ثوبٍ واحد؟ . قال: لا. قال: فالله أحق أن يتجمّل له (١) .
وهكذا مَنْ يصلّي في ملابس النوم، فإنه يستحيي أن يخرج إلى السوق بها، لرقّتها وشفافيتها.
قال ابن عبد البر في «التمهيد»: (٦/٣٦٩): «إن أهل العلم يستحبّون للواحد المطق على الثياب، أن يتجمّل في صلاته ما استطاع بثيابه، وطيبه، وسواكه» .
قال الفقهاء في مبحث شروط صحة الصّلاة: مبحث ستر العورة: «ويشترط في الساتر أن يكون كثيفًا، فلا يجزىء الساتر الرقيق، الذي يصف لون البشرة» (٢) .
وهذا في حق الذّكر والأنثى، سواء صلّى منفردًا أم جماعةً، فكلّ مَنْ كشف عورته مع القدرة على سترها، لا تصح صلاته، ولو كان منفردًا في مكانٍ مظلم للإجماع على أنه فرض في الصلاة، ولقوله تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾ (٣)
_________
(١) أخرجه: الطحاوي في «شرح معاني الآثار»: (١/٣٧٧ و٣٧٨) وانظر: «تفسير القرطبي»: (١٥/٢٣٩) و«المغني»: (١/٦٢١) .
(٢) انظر: «الدّين الخالص»: (٢/١٠١-١٠٢) و«المجموع»: (٣/١٧٠) و«المغني»: (١/٦١٧) و«اعانة الطالبين»: (١/١١٣) و«نهاية المحتاج»: (٢/٨) و«حاشية قليوبي وعميرة»: (١/١٧٨) و«اللباس والزينة في الشريعة الإسلامية»: ٠ص ٩٩) و«تفسير القرطبي»: (١٤/٢٤٣-٢٤٤) .
(٣) سورة الأعراف: آية رقم (٣١)
1 / 23