145

القول المبين في سيرة سيد المرسلين

القول المبين في سيرة سيد المرسلين

Издатель

دار الندوة الجديدة بيروت

Место издания

لبنان

Жанры

وحينئذٍ خرج بنو هاشم وبنو المطلب من هذا السجن الضيق المميت إلى معترك الحياة، ضاربين في الإخلاص لمحمد ﷺ أروع الأمثال، محتملين من التضحية ما ينوء بالأبطال.
عام الحزن: ولم يشأ الله لرسوله ﷺ أن ينعم بعد خروجه من الشعب بفترة طويلة من الراحة والطمأنينة، إذ لم تمض عدة شهور على تمزيق صحيفة المقاطعة وخروجه مع أهله إلى الحياة، حتى فاجأت محمدًا ﷺ في عام واحد فاجعتان اهتز لهما قلبه، وهما: موت أبي طالب، وموت السيدة خديجة ﵂ ولقد حزن الرسول ﷺ عليهما حزنًا شديدًا لما كان لهما من أثر بالغ في نصرة الإسلام والدفاع عنه ضد أعدائه. فأبو طالب وإن كان قد مات مشركًا، ولكنه كافح وجاهد في مؤازرة محمد ﷺ ولم يتخل عن حمايته -كما رأينا- في أحرج الظروف وأعنف الأزمات، حتى قال الرسول ﷺ عنه: "والله ما نالت مني قريش شيئًا أكرهه حتى مات أبو طالب" ١. وأما خديجة ﵂ فحبسها ما قاله الرسول ﷺ عنها في مواجهة نسائه الأخريات: "لقد آمنت بي إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني

١ أخرجه ابن إسحاق في السيرة عن هشام بن عروة عن أبيه مرسلًا، ونقله عنه الحافظ ابن كثير في "البداية" ٣/ ١٢٢، وابن حجر في "الفتح" ٧/ ١٩٤، ولم أره من وجه متصل صحيح.

1 / 148