الأمة الوسط والمنهاج النبوي في الدعوة إلى الله
الأمة الوسط والمنهاج النبوي في الدعوة إلى الله
Издатель
وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد
Номер издания
الأولى
Год публикации
١٤١٨هـ
Место издания
المملكة العربية السعودية
Жанры
[المقدمة]
الأمة الوسط
والمنهاج النبوي في الدعوة إلى الله
Неизвестная страница
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ. . أما بعد:
فإنَّ هُنَاكَ الْكَثِيرَ منَ الْقضَايَا الَّتِي تتعلقُ بالدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ، والأمْر بالمعرُوفِ وَالنَّهْي عنِ المنْكر، تَتَطَلَّبُ الْبَحْثَ والْمُنَاقَشَةَ والحوَارَ، منَ المتخصصِينَ، في وَسَائِلِ الإعْلام، وَفِي الْجَامِعَاتِ وَدُورِ العلْمِ، ومؤسَّسَاتِ رِعَايَةِ الشَّبَابِ، وتثقيفِهِ، وتوجيهِهِ.
ومن تلْكَ القَضَايَا المهمَّةِ، والموضُوعَات الكبيَرة مَا نَتَنَاوَله في هَذَا الكتَاب منْ بَيَان وَسطية الأمةِ الإسلاميةِ في المسائِلِ العقديةِ، والقَضَايَا الفقهيةِ والتشريعيةِ، وفي منهاجِ الدعوةِ إِلَى
1 / 5
الله، وتوضِيح أهمية الاستقَامة عَلَى تلكَ الوسطيةِ التي أرَادَهَا اللَّهُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ.
والكتاب كَانَ في الأصل مُحَاضرة بعنوان: "الأمة الوسط، والمنهاج النبوي في الدعوة إلى الله " ألقيتها في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران في ١٧ / ٦ / ١٤١٨ هـ.
تلكم الجامعة التي قطعت مراحل متقدمة في العلم والمعرفة، وأهَّلت أعدادًا كبيرة من أبناء وطننا الغالي، المملكة العربية السعودية، وثلة من أبناء الدول العربية والإسلامية.
لَقَدْ أَسْهَمَ خِرِّيجُو هَذِهِ الْجَامِعَةِ الْمُبَارَكَةِ منْ أَبْنَاءِ الْمَمْلَكَةِ، فِي تَنْمِيَةِ بِلَادِهِمْ، وتقدمها علميًا وحضاريًا، دون أن يفرطوا فيما يوجبه عليهم
1 / 6
دينهم.
وذلك انسجامًا مع ما تسير عليه المملكة العربية السعودية، تخطيطًا وتنفيذًا، من التوازن والاعتدال، والتمسك بالثوابت الإسلامية والوطنية، والأخذ بما يجدُّ من العلم والمعرفة، مما تستدعيه نهضة المملكة، وأخذها بأسباب القوة والتقدم؛ لتمثل في واقعها المجتمع المسلم المهتدي بالإسلام، الذي لا يتصادم مع العلم، ولكنه يوجهه، ويستفيد منه، في تحقيق الخير والنفع، وعبادة الله سبحانه، التي خلق الله من أجلها الجن والإنس: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦] (الذاريات الآية ٥٦) كانت المناسبة فرصة لأثير بعض القضايا التي
1 / 7
تحتاج إلى تذكير ومتابعة، مما يهمنا جميعًا أن يكون عليه شباب الأمة الإسلامية جمعاء، وشبابنا في المملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، لما للمملكة من واقع إسلامي متميز، في تكوينها ونشأتها، وتطبيقها للإسلام، وتعاونها مع المسلمين أينما كانوا، نشرًا للدين، ودعوة إلى الاهتداء بهديه.
ولما ينبغي أن يكون عليه شبابها من استقامة واعتدال، وفق منهاج الإسلام؛ لكي يؤدوا ما ينتظرهم من مهمات جسيمة، في خدمة دينهم ووطنهم وأمتهم.
والجامعات، هي محضن الشباب، ومكان إعدادهم وتأهيلهم، لما ينبغي أن يكونوا عليه.
1 / 8
وَجَامِعَاتُنَا فِي الْمَمْلَكَةِ الْعَرَبِيَّةِ السَّعُودِيَّةِ بِفَضْلٍ مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةٍ، ثُمَّ بِمَا تُولِيهِ حُكُومَتُنَا الرَّشِيدَةُ مِنِ اهْتِمَامٍ وَعِنَايَةٍ، تَبْذُلُ جُهُودًا كَبِيرَةً فِي رِعَايَةِ أَبْنَائِهَا، وَتَرْبِيَتِهِمُ التَّرْبِيَةَ الصَّالِحَةَ عِلْمِيًّا وَسُلُوكِيًّا وَتَوْجِيهِيًّا.
وَمَادَةُ التَّوْجِيهِ الْأَسَاسِيَةُ فِي جَامِعَاتِ الْمَمْلَكَةِ الْعَرَبِيَّةِ السَّعُودِيَّةِ، هِيَ نُصُوصُ الْقُرْاَنِ وَالسُّنَّةِ، وَمَا اسْتَنْبَطَهُ الْعُلَمَاءُ الْمُسْلِمُونَ مِمَّا اسْتندَ إِلَيْهِمَا.
إِنَّ الشَّبَابِ الْمُسْلِمَ فِي كُلِّ شُعُوبِ الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، هُوَ الَّذِي يَقَعُ عَلَيْهِ الْعِبْءُ الْأَكْبَرُ فِي مُسْتَقْبَلِ حَيَاتِهَا، فِي إِقَامَةِ الدِّينِ، وَالْقِيَامِ بِالْأَمَانَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي تَحَمَّلَهَا الْإِنْسَانُ:
﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ [الأحزاب: ٧٢] (الأحزاب الآية ٧٢) . من أجل إقامة الدين وتأدية الأمانة، ينبغي للمسلم أن يعرف المنهاج الأعدل والأكمل في القيام بهذه الأمانة.
والشباب أحوج ما يكون إلى معرفة المنهاج الرباني الذي اختص الله به هذه الأمة، وهو منهاج تفرد به الإسلام دون سواه.
لقد جعل الله هذه الأمة أمةً وسطًا، ومن الضروري أن نتعرف على منهاج الوسطية، وهو منهاج عام للأمة الإسلامية كلها.
والشباب المسلم أحوج ما يكون إلى اتباع هذا المنهاج في فهم أحكام الشريعة، وفي الدعوة إلى
1 / 9
الله على أساسه؛ لأن الأمة الإسلامية، هي الشاهدة على غيرها من الأمم يوم القيامة، ولأنها - بما هي عليه من الحق- شاهدةٌ على الخلق في هذه الدنيا، وقادرة على إصلاح نفسها، وإصلاح غيرها بما لديها من هدي الكتاب والسنة.
أسأل الله أن ينفع بهذا الكتاب، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
الرياض في ١ / ٧ / ١٤١٨ هـ عبد الله بن عبد المحسن التركي
1 / 11
[الأمة الوسط في القرآن الكريم]
الأمة الوسط في القرآن الكريم يُعَد الوحي الإلهي من الكتاب والسنة أساس التشريع، ومصدر الفكر الإسلامي.
ومنذ نزول القرآن الكريم، وختم الرسالات الإلهية بالإسلام، تمت صياغة فكر المسلمين في أصوله وثوابته على هدي القرآن الكريم والسنة النبوية.
وهذه الأصول والثوابت، ظلت أهم مرتكزات فكر المسلمين في جميع العصور، على اختلاف الزمان والمكان، وتنوع البيئات والأعراف والثقافات في البلاد التي ساد فيها الإسلام، منذ القرن الأول الهجري، وما تلاه
1 / 12
من انتشار للإسلام في أقطار واسعة، كان لبعضها ثقافات مميزة.
وإذا كانت الأمة الإسلامية، قد بدأ بزوغها في المدينة المنورة بعد الهجرة النبوية، وبدت ظاهرة قوية في حجة الوداع، حين خاطب النبي صلوات الله وسلامه عليه عشرات الألوف من المسلمين.
فإن هذه الأمة لم تعد قاصرة على العرب، أو سكان شبه الجزيرة العربية، التي توحدت لأول مرة في تاريخها تحت سلطان المسلمين.
لقد بدأت الأمة الإسلامية بالعرب، سكان شبه الجزيرة، ثم امتدت فيما بعد لتضم إليها شعوبًا أخرى في المشرق والمغرب، لا سيما في
1 / 13
القرنين الثاني والثالث الهجريين.
ومعلوم أن وحدة الأمة الإسلامية، ولزوم جماعة المسلمين، وعدم التفرق من أجلِّ المقاصد الإسلامية، وأسمى الغايات الدينية، قال الله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: ١٠٣] (آل عمرن الآية ١٠٣) . وقال رسول الله ﷺ في حديث أبي هريرة ﵁: «إن الله يرضى لكم ثلاثًا، ويكره لكم ثلاثًا: فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تُشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا، ويكره لكم قيلَ وقال وكثرة السؤال
1 / 14
وإضاعة المال» . (رواه مالك، وأحمد، ومسلم) .
قال النووي ﵀: (وأما قوله ﷺ: ولا تفرقوا، فهو أمر بلزوم جماعة المسلمين، وتأليف بعضهم ببعض، وهذه إحدى قواعد الإسلام) .
وفي حديث زيد بن ثابت ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: «ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، والنصح لأئمة المسلمين، ولزوم جماعتهم» . (رواه الإمام أحمد، وابن ماجه، والدارمي) .
ولما كانت تلك الوحدة التي تعد من قواعد الإسلام تقتضي توحد الأمة في منهاج التفكير.
1 / 15
فقد كان القرآن الكريم، هو الأساس الأولى في صياغة العقل المسلم على المستوى الفردي، وعلى المستوى الجمعي أيضًا، في شعوب تختلف أصولها العرقية، وبيئاتها، وأعرافها، وتراثها الحضاري والثقافي.
وكان انتشار اللغة العربية، وسيادتها في كثير من البلاد التي فتحها المسلمون، من أهم العوامل التي ساعدت على توحد منهاج التفكير؛ إذ اللغة وعاء الفكر، ووسيلة التعبير عنه، وطريق انتقاله وذيوعه.
[الأمة في القرآن الكريم]
الأمة في القرآن الكريم: ورد لفظ (الأمة) في القرآن الكريم مرات عديدة، نحو خمسين مرة:
1 / 16
منها قول الله تعالى:
﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة: ١٢٨] (البقرة الآية ١٢٨) . وقوله تعالى:
﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: ١٣٤] (البقرة الآيتان ١٣٤، ١٤١) . وقوله تعالى:
﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [البقرة: ٢١٣] (البقرة الآية ٢١٣) .
1 / 17
وقوله تعالى:
﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ﴾ [المائدة: ٦٦] (المائدة الآية ٦٦) . وقوله تعالى:
﴿وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ﴾ [يوسف: ٤٥] (يوسف الآية ٤٥) . وقوله تعالى:
﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [النحل: ١٢٠] (النحل الآية ١٢) وقوله تعالى:
﴿بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الزخرف: ٢٢] (الزخرف الآية ٢٢) .
1 / 18
وقوله تعالى:
﴿وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ﴾ [المؤمنون: ٥٢] (المؤمنون الآية ٥٢) . وقوله تعالى:
﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [البقرة: ١٤٣] (البقرة الآية ١٤٣) .
[معاني الأمة في القرآن الكريم]
وكلمة (أمة) في القرآن لها معانٍ عدةٌ: فدعوة إبراهيم وإسماعيل أن يجعل من ذريتهما أمة مسلمة، قيل: يعني العرب.
قال ابن كثير: (والصواب أنه يعم العرب
1 / 19
وغيرهم؛ لأن من ذرية إبراهيم بني إسرائيل) . وفي قول الله تعالى: ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ﴾ [البقرة: ١٣٤] (البقرة الآية ١٣٤) .
الأمة: بمعنى السلف الماضي.
وفي قوله تعالى:
﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ [الشورى: ٨] (الشورى الآية ٨) . ليس الخطاب هنا لهذه الأمة، بل لجميع الأمم التي أرسل إليها رسلًا بشرائع عدة، حتى اختتمت الشرائع بالشريعة الخاتمة، شريعة الإسلام.
وقوله تعالى:
﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [النحل: ١٢٠] (النحل الآية ١٢٠) .
1 / 20
الأمة هنا: بمعنى الإمام الذي يقتدى به، أو الذي يعلِّم الخير.
وقيل: أمة وحده، أي: كان مؤمنًا وحده.
وقوله تعالى:
﴿وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ﴾ [يوسف: ٤٥] (يوسف الآية ٤٥) الأمة هنا: بمعنى المدة، أو النسيان. أي: ذكر صاحب يوسف وصيته له بعد مدة، أو بعد نسيان.
[المعنى الغالب لكلمة أمة في القرآن الكريم]
والمعنى الغالب لكلمة (أمة) في القرآن الكريم، هو معنى الجمع من الناس في مكان وزمان معين، وقد تكون بمعنى الجماعة من أي خلق من مخلوقات الله تعالى، كما في قوله ﷿:
1 / 21
﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ [الأنعام: ٣٨] (الأنعام الآية ٣٨) . أي: أصناف مصنفة.
قال قتادة: الإنس أمة، والجن أمة، والطير أمة.
[معاني الأمة في اللغة]
وأما في اللغة، فإن لكلمة (أمة) معاني كثيرة، أشهرها وأشيعها أنها بمعنى الجماعة؛ إذ لا يكاد يفهم عند الإطلاق إلا هذا المعنى، قال ابن منظور في اللسان: وأمة الرجل: قومه، والأمة: الجماعة. ولفظ الأمة مفرد، ومعناه الجمع، كما نص عليه الأخفش، فإن أريد جمع لفظه قيل: أمم، قال الله تعالى:
1 / 22
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ﴾ [الأنعام: ٤٢] (الأنعام الآية ٤٢) . وقال تعالى:
﴿كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾ [الرعد: ٣٠] (الرعد الآية ٣٥) .
وهذا المعنى الغالب للكلمة، هو المعنى السائد في تعريف (الأمة) في اللغات الأجنبية، الذي يدل عليه لفظ (NATION) بالإنجليزية، وهو نفس اللفظ في اللغة الفرنسية مع اختلاف النطق.
والأمة أسبق من الدولة التي لم تظهر قبل التاريخ المدون، بينما سبقت الأمم بالظهور.
فالأمة: جماعة كبيرة من الناس، تختمي إلى أصل عرقي واحد، يوجد بين أفرادها لغة
1 / 23
مشتركة، أو تاريخ مشترك ومصالح كبرى، فضلًا عن الوجود الجغرافي والتاريخي، لقرون طويلة في أرض بعينها.
وهي تختلف عن الدولة، التي هي كيان قانوني يشتمل على ثلاثة عناصر، هي: الشعب، والأرض، وسلطة السيادة.
فالأمة: كائن حي عبر العصور. أما الدولة: فهي كيان قانوني اقتضاه الواقع. والدولة قد تضم عدة أمم؛ إذ قد تتوسع دولة، وتضم أقاليم تختلف عنها في الأصل العرقي، أو في اللغة، أو في العقيدة، فتكون تلك الدولة قد ضمت أممًا مختلفة، مثل الإمبراطوريات القديمة في التاريخ، كالإمبراطورية الفارسية،
1 / 24