وقال الأكْثَرُون: الْمُرَاد بِالوَفَاة ها هُنا النَّوم، كما قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ) [الأنعام: ٦٠]، وقَال تَعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا) [الزمر: ٤٢] الآية (^١).
وممن نَقَل القَول بالتَّقْدِيم والتَّأخِير: الثعالبي، فإنه أوْرَد قَول الفَرَّاء: هِي وَفَاة مَوْت، ولكنَّ الْمَعْنَى: إِنِّي مُتَوَفِّيك في آخِر أمْرِك عِند نُزُولِك وقَتْلِك الدَّجَّال. فَفِي الكَلام تَقْدِيم وتَأخِير (^٢).
واخْتَار القَاسمي أنَّ مَعْنى (مُتَوَفِّيكَ) أي: مُسْتَوفِي مُدّة إقَامَتك بَين قَومِك. والتَّوفِّي كما يُطلَق على الإمَاتة، كَذلك يُطْلَق على اسْتِيفَاء الشَّيء. كما في كُتُب اللُّغَة (^٣).
وأشَارَ إلى الأقْوال الأُخْرَى، وذَكَر تَرْجِيحَه، فَقَال: في قَوله: (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) وُجُوه في التَّأويل كَثِيرة، إلَّا أنَّ الذي فَتَح الْمَولَى بِه مما أسْلَفْنا هُو أرْجَح التَّأويلات (^٤).
رأي الباحث:
الآية تَحْتَمِل أكْثَر مِنْ وَجْه، فـ:
الوَجْه الأوَّل: القَول بالتَّقْدِيم والتَّأخِير، وهو مَرويّ عن ابن عباس، وبِه قال غَير واحِد مِنْ الْمُفَسِّرِين.
والْمَعْنَى عَلى هَذا القَول: إنِّي رَافِعُك إليّ ومُتَوفِّيك بَعْد إنْزَالِك إلى الأرْض، أي في آخِر الزَّمَان.
(^١) تفسير القرآن العظيم، مرجع سابق (٣/ ٦٩، ٧٠).
(^٢) الجواهر الحسان، مرجع سابق (١/ ٢٧٢).
(^٣) محاسن التأويل، مرجع سابق (٤/ ٣٧٠).
(^٤) المرجع السابق (٤/ ٣٧١، ٣٧٢).