Революция современной поэзии от Бодлера до наших дней (Часть первая): Исследование
ثورة الشعر الحديث من بودلير إلى العصر الحاضر (الجزء الأول) : الدراسة
Жанры
ثم يأتي الكلام عن الشذوذ فيعلن في برنامجه أن الشاعر هو الشذوذ الذي أصبح معيارا. ويصل إلى القمة حين يقول: «إن الشاعر يبلغ المجهول، وإذا لم يستطع في نهاية الأمر أن يفهم رؤاه، فيكفي أنه تمكن من رؤيتها.» قد تقضي عليه وثبته الهائلة في محيط الأشياء التي لم يسمع بها ولم يعرف لها اسم، ولكن سيأتي عمال آخرون مخيفون فيبدءون من تلك الآفاق التي تحطم هو نفسه عليها.
من هو الشاعر إذن؟
هو ذلك الذي يعمل على تفجير العالم بالمخيلة الطاغية المستبدة التي تنطلق إلى المجهول وتتحطم عليه. فهل يا ترى أحس رامبو أن القوتين المتعاديتين في عالمنا الحديث، وأقصد بهما العامل في الصناعة و«العامل» في الشعر يمكن أن يتلاقيا في الخفاء، ربما لأن كليهما مستبد متسلط على الأرض والنفس على حد سواء؟ (4) قطيعة مع التراث
هذا التمرد الذي يعلنه رامبو في أشعاره وفي برنامجه الطموح يرتد أيضا إلى الوراء فيصبح تمردا على التراث. والمتمرد على التراث قد ينجح في تحطيمه أو مقاطعته ولكنه لا ينجو أبدا من تأثيره ولا يستطيع الإفلات منه. فالمعروف أن رامبو كان في صباه وشبابه شديد النهم إلى القراءة، وأشعاره زاخرة بأصداء من أدباء عصره أو أدباء القرن التاسع عشر، ومع ذلك فإن حدة النغم في هذه الأصداء شيء يأتي من رامبو نفسه ولا يأتي من النماذج التي تتردد في وجدانه. إن كل ما يتلقاه من التراث الأدبي قديمه أو حديثه يتحول عنده إلى شيء جديد كل الجدة، شيء ينتج عن زيادة في دفء الانفعال تصل إلى حد الغليان، أو تطرف في برودته إلى حد التثلج ... ولذلك فلا يعتد كثيرا في الحكم على شعره بالأصداء المنبعثة من التراث، كل ما هناك أنها تؤكد حقيقة تصدق على رامبو كما تصدق على غيره: ما من أديب يبدأ من العدم.
إن رامبو يغير ما يقرؤه ويحوله إلى شيء آخر مختلف تمام الاختلاف، ولعل هذا هو الدليل على موقفه من التراث بوجه عام. إنه لا يكتفي بمقاطعته والتمرد عليه، بل يمقته ويعلن كراهته له ، ويكفي أن نذكر كلامه في رسالة الرؤية الثانية عن لعنة الأسلاف، ويكفي أيضا أن نتذكر ما يؤثر عنه من سخرية بمتحف اللوفر، ودعوته إلى إحراق المكتبة الأهلية في باريس! وقد تبدو هذه الأقوال صبيانية، ولكنها تتفق مع الروح الشائعة في آخر أعماله «موسم في الجحيم» الذي يشهد حقا بأن صاحبه لا يزال شابا، ولكنه يشهد كذلك بأنه تخطى مرحلة الصبا.
على أن انعزال رامبو عن جمهور القراء وعن عصره الذي عاش فيه بهذه الصورة المثيرة قد أدى كذلك إلى عزلته المثيرة عن الماضي، ولا ترجع هذه العزلة إلى أسباب شخصية بقدر ما ترجع إلى طبيعة العصر نفسه، فيبدو أن طغيان الروح التاريخية والتطرف في الاهتمام بالجمع المتحفي كانا عبئا كبيرا على كاهل العصر؛ مما أدى إلى انقطاع الاتصال الحي بالتراث، بل إلى مهاجمة كل ما يتصل بالماضي والنفور منه. ولا زالت آثار هذه الظاهرة ملموسة في الأدب والفن في القرن العشرين.
ويبدو أن رامبو كان في سني التلمذة شديد التحمس للتراث الكلاسيكي. ولكن التراث الكلاسيكي يظهر في أعمال هذه المرحلة من إنتاجه في صورة ممزقة شائهة، والسخرية أو المسخرة التي أخذها من فيكتور هيجو ومن رسوم دومييه تمتد فتشمل عالم الآلهة والأساطير، وتجرهما إلى حياة الشارع اليومية بكل ما فيها من فجاجة وسطحية. فنحن نقرأ عن «نساء باخوس»
1
اللائي يعشن في الضواحي، كما نقرأ عن فينوس التي تقدم كئوس الخمر للعمال، والغزلان التي ترضع من ثديي ديانا.
وتصل نزعة التقبيح إلى قمتها في سوناتة بعنوان «فينوس أنا ديومين» كتبها في 27 يوليو سنة 1870م، إذ تتحول فيها الأسطورة الإغريقية الجميلة عن ميلاد فينوس من زبد البحر إلى شيء غريب ومخيف:
Неизвестная страница