147

Революция современной поэзии от Бодлера до наших дней (Часть первая): Исследование

ثورة الشعر الحديث من بودلير إلى العصر الحاضر (الجزء الأول) : الدراسة

Жанры

والشاعر الإيطالي كارداريللي

Cardarelli

يشبه ساعة الموت بلحظات الانتظار تحت ساعة المحطة، حيث يحصي الإنسان الدقائق والثواني. وأشعار إليوت وسان-جون بيرس تزدحم بهذه التفاصيل العلمية والفنية وتحتفظ مع ذلك بصدقها وشاعريتها. ولكن إذا كنا نلاحظ هذا كله ونقرر وجوده فلا ينبغي أن نتجاهل خطره. فقد تؤدي المبالغة في هذا الاتجاه - وبخاصة لدى شعراء لا يملكون الموهبة والثقافة الحقة والقدرة على الرؤية الشاملة - إلى أن يقضي الشعر على نفسه بنفسه - وقد وصل إلى هذا الحد أحيانا في بعض أشعار رامبو ومالارميه - ويستسلم لهذه النزعة العامة المدمرة التي تزداد كل يوم، وكأن الإنسان لا يسعى إلى شيء كما يسعى إلى تفجير الكرة الأرضية في الهواء.

وموقف الشاعر الحديث من التراث الأدبي والتاريخ بوجه عام موقف مزدوج كذلك. فالقاعدة العامة هي تحطيم هذا التراث أو الوقوف منه موقف العداء. لقد اتسعت دائرة العلوم التاريخية وأصبح ما نسميه بكنوز الثقافة والآداب العالمية في متناول كل يد، وصار في إمكان الإنسان بعد جولة واحدة في متاحف إحدى المدن الكبرى أن يعود إلى بيته حاملا فوق ظهره تاريخ البشرية كله! وتطورت كذلك وسائل النسخ والطبع والتفسير إلى أقصى حد. وازدحمت دور الكتب كما ازدحمت رءوس الناس بالمعلومات، وزاد الإحساس بثقل المادة التاريخية حتى تجلى رد الفعل منذ القرن التاسع عشر على هيئة نفور من كل ما هو قديم، وصار هذا النفور في بعض الأحيان نوعا من التعب والملل أو الاستخفاف والاحتقار. وظهر هذا الإحساس لدى أشد المفكرين اعتدالا وأكثرهم تعلقا بالماضي؛ فراحوا يطالبون بأن يؤلف الشعراء بطريقة مخالفة لطريقة القدماء. ولذلك فليس عجيبا أن نجد فاليري يكتب بأسلوبه الساخر النبيل فيقول:

لقد أصبحت القراءة عبئا علي، إنني أتمنى في بعض الأحيان أن أكون في منتهى الفقر وأعجز عن الاطلاع على كنوز المعرفة المتراكمة؛ هنالك أكون فقيرا، ولكنني سأكون ملكا على قرودي وببغاواتي الداخلية.

وبقدر ما ينحو الشعر الحديث نحوا رمزيا نجده يحاول - منذ عهد مالارميه - أن يبتدع رموزا جديدة مستقلة لا تتصل بالتراث القديم ولا تستمد أصولها منه. قد نستثني فاليري وجيان من هذه القاعدة، ولكن رموزهما لا ترجع إلى أبعد من مالارميه، أي أنها تمثل نمطا حديثا في الأسلوب أكثر مما تعبر عن رغبة في الاتصال بمناهل التراث القديم. وعندما يحول شاعر مثل سان-جون بيرس أشياء كالجير والرمل والصخر والرماد إلى رموز، يصبح من العبث أن نحاول فهمها بالاستعانة بمعلوماتنا من التراث الأدبي؛ ذلك أن هذه الرموز تختلف من شاعر إلى آخر ولا بد أن نحاول فهمها من المعاني العديدة التي توحي بها في شعره، وإن كانت محاولاتنا ستبوء بالفشل في أغلب الأحيان!

على أنه إذا كان الشاعر الحديث قد قطع صلته بالتراث فقد فتح قلبه وعقله على جميع الآداب والديانات وراح يغوص في أعماق النفس البشرية، ويلتقط الصور والرموز السحرية والأسطورية القديمة التي عرفتها الشعوب المختلفة في آسيا وأفريقيا وأوروبا. ونحن نلاحظ هذا في أشعار رامبو، قبل أن يكتشف فرويد اللاشعور، أو يكتب يونج نظرياته في اللاشعور الجمعي والأنماط الرئيسية للشخصية، وكلها كتابات أثرت أعظم التأثير على الأدب والفن الحديث.

وهناك نصوص عديدة في الشعر الحديث تتردد فيها أصداء أسطورية وشعبية من كافة الأمم والعصور.

فشعر سان-جون بيرس مثلا يزدحم بإشارات كثيرة إلى الرسم القديم، والأساطير الغابرة وطقوس العبادة عند مختلف الشعوب والحضارات. و«إزرا باوند» يورد في قصائده نصوصا من الشعر البروفنسالي والإيطالي والإغريقي والصيني والمصري القديم برسومها الأصلية في بعض الأحيان! وقصيدة إليوت المشهورة «الأرض الخراب» تقتبس من مرجع كبير عن الشعوب البدائية كالغصن الذهبي لفريزر، كما تستفيد من الكتاب المقدس والأويانيشاد، وتورد نصوصا عديدة من أشعار بودلير ومالارميه وشيكسبير وأوفيد ودانتي وكتابات القديس أوغسطين. ويحس الشاعر فيما يبدو أن قصيدته قد أصبحت كالدغل الكثيف المخيف فيتولى التعليق عليها بنفسه ويصبح هذا تقليدا يحتذيه شاعر إيطالي مثل «مونتاله» أو إسباني مثل دييجو، أو بعض رواد شعرنا الجديد في ترجماتهم الذاتية القيمة.

ومع ذلك فلا يصح أن تخدعنا هذه الاقتباسات من النصوص القديمة؛ فهي لا تدل على ارتباط حقيقي بالتراث أو بعصر من العصور الماضية. إن الشاعر يمد يده إلى هذه النصوص والإشارات فيأخذها كيفما اتفق لأنها أصبحت بالنسبة إليه بقايا ماض تمزق وفقد وحدته. إنه لا يعود إلى هذه الرموز والأساطير ليمجد عصرا أو يسترجع ماضيا وإنما يسوي بينها كما يسوي بين الأشياء التي يستمدها من عالم الواقع، ويضعها إلى جوار بعضها أو يمزج بينها كيفما شاء هواه. ربما يكون هدفه من ذلك أن يزيد إحساسنا بتمزق قصيدته أو عدم تماسكها كتمزق الواقع نفسه وفوضاه، أو ربما يريد - كما يفعل باوند - أن يلبس أقنعة مختلفة لتعبر عن حالة ضياع جماعية واحدة أو يخلق بالكلمات والرموز القديمة - كما يفعل بن، وسان-جون بيرس - نوعا من سحر الأنغام والصور يضفي على شعره روعة وبهاء. والدليل على ذلك أنه لا يضع هذه الصور والرموز والنصوص المقتبسة في عصرها ولا يوردها بحسب ترتيبها التاريخي بل يخلطها بكلمات وشعارات وصور أخرى من العالم الحديث.

Неизвестная страница