Революция ислама и герой пророков: Абу-л-Касим Мухаммад ибн Абдуллах
ثورة الإسلام وبطل الأنبياء: أبو القاسم محمد بن عبد الله
Жанры
كان العربي الجاهلي الوثني يعتمد على نفسه ويثق بها ويعول في كل أموره عليها. وقد تجلت هذه الثقة العمياء في حياتهم، يمتطي أحدهم صهوة جواده أو يعلو ظهر ناقته ويتمنطق بسيفه أو يتقلد رمحه ويتوغل في الصحراء القفرة بمفرده، لا أنيس له إلا الاعتماد على شخصه وشجاعته واعتقاده في قوة بدنه وثبات جنانه، فإذا وقع في محظور فسيفه ورمحه منقذه، فلا إله يقف بجانبه، ولا ولي يحميه من الشر؛ لأنه لا يعرف التوكل على إله ولا تسليم أمره لكائن خفي عن عينه أو ظاهر لحواسه، ولا يخضع لأحكام القضاء والقدر، بل لا يدرك عقله تلك الأحكام ولا يسلم بوجودها فيثور عليها؛ وتلك نفسية جبارة هوجاء قوامها الأثرة والمجازفة، وغريزة البقاء التي توحي إليه الاحتفاظ بالذات، والخوف من الأخطار، وقد تتغلب عليها روح المجازفة والمغامرة فيضحي بنفسه في سبيل الأسرة أو القبيلة أو القوت الضروري أو سبي امرأة يهواها أو يسترقها، أو ناقة تعقر (حرب البسوس).
ولكن هذه التضحية وتلك النخوة والحمية والعصبية، بل تلك البطولة، لم يكن فيها أثر للعاطفة الدينية، ولا للمستور النفساني
3
الذي يسيطر على المؤمنين بما وراء الطبيعة؛ وإذن لم يكن للعقيدة الدينية أثر كبير في النفسية العربية الجاهلية؛ لأنها كانت ذات طبيعة قاسية، مستقلة على الرغم خضوعها أحيانا للأهواء القوية التي تعصف بالنفوس، كالعشق والفخر والأخذ بالثأر، ولعل العربي الجاهلي لم يشعر بالعاطفة الدينية إلا بعد أن يبرد بركان شخصيته الذي كان يفور ويغلي، فتهبط حرارة حيويته إلى الصفر؛ أي بعد ذهاب الشباب وحلول المشيب محله؛ فيحس الرجل دنو أجله فيعتريه الندم على سعادة الحياة وجمال الأيام التي ذهبت ولن تعود، وحينئذ تخرج من أعماق هذه النفس المحترقة النادمة على الشباب والغرام والمطوحات والخمر والمنافرة والموسيقى ونور القمر وحرارة الشمس صرخة طويلة، بل أنة محزنة كالأغنية الأولى والأخيرة التي يودع بها «الأردف» هذه الحياة، وقد تفرغ هذه الصرخة في قالب شعري فتكون قصيدة كالتي نظمها امرؤ القيس في التفجع على الماضي والشباب، فيذكر الموت وفرقة الأحباب ويندب حظه بعد فراق الحارث وحجر
4
ويترقب اليوم الذي تنشب المنية فيه أنيابها وأظفارها، والقصيدة لا تنطوي على حكمة ولا فن سوى عظمة الندم على عهد انقضى وقدرته على وصفه، ولعل المقيمين في مكة كانوا أكثر اكتراثا للدين؛ لأنه كان يدر عليهم أرزاقا، ولأنهم مقيمون بجوار الكعبة، على مرأى ومسمع من الأصنام والسدنة والكهان، وحياة الاستقرار تورث مخاوف وآمالا لا يعرفها الراحل والظاعن الشارع رمحا أو المجرد سيفا في كل المواطن للدفاع عن الحياة أو الذود عن العرض أو الهجوم للسلب والغنم واقتناص الفريسة واستردادها.
5
وفي اعتقادنا كان الفرق بين البدو والحضر في هذه المسألة يسيرا؛ فكلاهما قليل الدين غير مكترث للأرباب. ولا يخدعن أحد الباحثين المحدثين فيحسب سراب العبادة المكية ماء؛ فقد كانوا يقيمون الحج ويحشدون الأصنام ويزينون الكعبة بتهاويل الآلهة وتصاوير الأنبياء، ويقدمون القرابين، ويطعمون الحجيج ويسقونهم ويرفدونهم ويحمونهم لا حبا في دعج أعين الأرباب والأصنام، ولا إيمانا بقوتها، ولا ثقة باستجابتها للدعاء، ولكن فعلوا ذلك وغيره بقصد التجارة بالدين، وجلبا للمنافع المادية؛ لأن تجارتهم تدور حول موسم الحج، والأعياد التي تسبقه وتلحقه، والأسواق التي تصحبه أو تتلوه؛ فقد كان في مكة الجاهلية أربعون سوقا، عظماها عكاظ، وكانت من أعظم الأسواق التي شهدها العالم القديم، وهي أشبه شيء بالمعارض الدولية التي تقام في العواصم الحديثة؛ لترويج المتاجر والصناعات القومية، واجتذاب السائحين والمستهلكين من كل فج عميق.
ولولا الأشهر الحرم التي لا تقع فيها حرب، والمكان الحرام الذي يكون كل من يدخله آمنا فلا يسفك فيه دم؛ ما تمكنت تلك القبيلة من الحياة المطمئنة والتجارة النافعة.
محاولة شعوبية للتقليل من شأن البعثة المحمدية
Неизвестная страница