وقال مصطفى راشد: وعما قريب سينبثق منها أدب العبث المعروف باللامعقول.
فقال رجب: ولكن اللامعقول موجود بيننا بوفرة حتى قبل أن يوجد كفن. زميلك علي السيد معروف بأحلامه اللامعقولة، ومصطفى راشد يجري وراء اللامعقول باسم المطلق، وولي أمر عوامتنا حياته كلها لا معقولة مذ هجر الدنيا من حوالي عشرين عاما.
فضحكت سمارة متجاوزة وقارها وقالت: أنا شيخة حقا منذ حدثني قلبي بأني واجدة عندكم أشياء عجيبة مثيرة!
فتساءل رجب: قلبك الذي حدثك، أم وشايات علي السيد؟ - لم يقل إلا خيرا. - على ذلك فليست عوامتنا بالوحيدة في نوعها؟ - ربما، ولكن ما أكثر الناس وما أقل من يصلح للصداقة بينهم! - تصورت أن الصحفي هو آخر من يقول ذلك! - الناس يلقوننا عادة بالوجه الذي يلقون به الفوتوغرافيا.
فقال خالد عزوز: ها نحن نلقاك بالصدق والفطرة البريئة، فمتى تبادليننا نفس المعاملة؟
وهي تضحك: اعتبرني كذلك، أو فامنحني أقصر مدة ممكنة.
حمل أنيس المجمرة إلى عتبة الشرفة بعد أن زودها بقطع من الفحم. تعرضت هناك لتيار الهواء، وراح ينتظر. واتسعت المراكز المحترقة في شتى القطع، حتى استحال سواد الفحم حمرة متوهجة هشة عميقة ناعمة. واندلعت عشرات من الألسنة الصغيرة الموسومة بالشفق، فانتشرت، ثم تلاقت أجنحتها مكونة موجة راقصة نقية شفافة مكللة الأطراف بزرقة خيالية، ثم أزت فتطاير من جوفها سرب من عناقيد الشرر. وصرخت أصوات نسائية فأعاد المجمرة إلى مكانها. واعترف فيما بينه وبين نفسه بإعجابه غير المحدود بالنار. إنها أجمل من الورد والأعشاب والفجر البنفسجي، فكيف أمكن أن تطوي بين جوانحها أكبر قوة مدمرة؟ يجب إذا أسعفتك الهمة أن تقص عليهم قصة الإنسان الذي اكتشف النار، ذلك الصديق القديم الذي كان له أنف علي السيد، وجاذبية رجب القاضي، وعملقة عم عبده. وأين ذهبت الفكرة الطريفة التي اعتزمت طرحها للمناقشة عندما حملت إلى الشرفة المجمرة؟!
وقال مصطفى راشد: أنا محام، والمحامي بطبعه سيئ الظن، وأكاد أتخيل الآن ما يدور في رأسك عنا. - لا شيء في رأسي مما تظن. - مقالاتك تزخر بالنقد المرير للسلبية، ونحن يمكن أن نعد - في نظر البعض - السلبية نفسها! - لا ... لا، لا يجوز الحكم على الناس في أوقات فراغهم.
فقال رجب ضاحكا: إنها بالأحرى أعمار فراغ! - لا تذكروني بأني غريبة عنكم.
فقال أحمد نصر: قلة ذوق أن نجعل من أنفسنا موضوعا للحديث بينا أن المهم حقا هو أن نعرف عنك ما نجهله. - لست لغزا.
Неизвестная страница