" ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه "
، ويفسد بالجماع { تلك } الأحكام من المباشرة فى الاعتكاف والوطء بلا ابتغاء، بل لقصد اللذة أو الأكل وللشرب بعد الفجر { حدود الله } حدها لعباده ليقفوا عندها. { فلا تقربوها } لا تفعلوها { كذلك } أى كما يبين لكم تلك الأحكام { يبين الله ءايته للناس } المراد مطلقا، أو الآيات الدالة على الأحكام، كما يدل له قوله تعالى { لعلكم يتقون } المحرمات من ترك المفروضات وفعل الممنوعات.
[2.188]
{ ولا تأكلوا أموالكم } أى لا يأكل بعضكم مال بعض، لقوله أموالكم، إذ لا ينهى الإنسان عن أكل ماله: ولقوله { بينكم } ثابتة بينكم معتبرة، بأخذك منه وبأخذه منك { بالبطل } الوجه الباطل، وهذا الطريق الى يبطل، أى لا يجيز العقل الصحيح استعماله ولا الشرع، أو يجيزه، ولا يجيزه الشرع، كالرشوة والربا وما يؤخذ على الزنى والكهانة كالسرقة والقمار الغصب التطفيف وأجرة الغناء وثمن الخمر والملاهى وشهادة الزور والخيانة فى الأمانة، والمراد بالأكل الأخذ ولو بلا إتلاف لأن حبس المال عن مالكه بلا حق حرام، فيدخل الإتلاف بالأكل فى البطن وإعطائها وإفسادها بالأولى، وإذا أكل بعضهم مال الآخر ولم يأكل الآخر ماله فقد دخل فى الآية، لأن كل واحد نهى عن أن يأكل مال الآخر، وهذا معنى الآية، وإن قلنا معناها جمع الأكلين أن تأكل ماله وأن يأكل مالك، فأكل أحدهما مال الآخر دون أن يأكل الآخر ماله مستفاد من النص { وتدلوا بهآ } تلقوها، والباء صلة للتأكيد أو للسببية أى تتوصلو بها إلى الحكام أو الآلة والعطف على تأكلوا، أى ولا تدلوا، أو الفعل منصوب والواو للمعية، والأول أولى لأنه صريح فى النهى عن كل من الأكل والإدلاء { إلى الحكام } أى ولا تدلوا بحكومتها بظاهر الأمر أو بحكم الجور، فحذف المضاف ويدل لذلك قوله إلى الحكام، إذ لا معنى لإلقائها إليهم، وإنما المراد الترافع بها إليهم بخصام الفجور ليأخذها أو بعضها أو يثقل الخصام على صاحبها فيتركها، أو لا تلقوها رشوة إليهم، وأصل الإدلاء إرسال الدلو فى البئر، ثم استعمل لمطلق التوصل إلى الشىء { لتأكلوا } لتأخذوا { فريقا } طائفة، هى كل ما خاصم فيه أو بعضه، وعلى كل حال هى من أموال الناس كما قال { من أموال الناس بالإثم } بسبب الإثم، فيتعلق بتأكلوا أو معه، فيتعلق بمحذوف حال من الواو، والإثم هو نفس شهادة الزور واليمين الكاذبة فإن شهادة الزور إثم لشاهدها، ولا يحل للمشهود له الأكل بها { وأنتم تعلمون } أنه لا حق لكم فى ذلك ودعوا كم باطلة، وارتكاب الشىء مع عدم العلم بأنه معصية قبيح، ومع العلم أقبح، وفى الآية أن حكم الحاكم لا يحل باطلا، وقد قال صلى الله عليه وسلم:
" إنما أنا بشر مثلكم تختصمون إلى ولعل بعضكم يكون ألحن بحجته من بعض فأقضى له على نحو ما أسمع منه. فمن قضيت له بشىء من حق أخيه فلا يأخذنه فإنما أقطع له قطعة من نار "
، وعنه صلى الله عليه وسلم:
" من حكمت له بحق صاحبه فإنما أجذو له جذوة من نار "
، نزلت الآية فى شأن أرض فى يد امرىء القيس الكندى من كندة من ثور، قبيلة من اليمن يدعيها عبدان الحضرمى، وفى رواية ربيعة بن عبدان الحضرمى، لا بينة له فحكم صلى الله عليه وسلم على امرىء القيس باليمين، فأراد أن يحلف، فقرأ صلى الله عليه وسلم، إن الذين يشترون بعهد ا لله الآية فترك اليمن، فسلم الأرض إلى عبدان، وأرضا أخرى مكان ما أكل من غلتها، وذلك هو الحق، وعن أبى حنيفة حكم الحاكم نافذ ظاهرا وباطنا، فهو كعقد عقده، ولعله لا يصح عنده ذلك إلا حيث لا يصل المحكوم له إلى إدراك ذلك، وإلا كان ذلك منه تحنفا عن الحق إلى الضلال، وأما ما روى عن على أن رجلا خطب امرأة هو دونها فأبت، فأقام شاهدين فقال: قد زوجك الشاهدان، فمعناه إنك زوجه فى الحكم لشهادة الشاهدين، والغيب لله سبحانه.
[2.189]
{ يسئلونك } يا محمد { عن الأهلة } السائل معاذ بن جبل وثعلبة بن غنم، فالجمع لأن أقل الجمع اثنان، أو لأنهما فى قوم رضوا هذا السؤال، أو حكم على المجموع، قالا يا رسول الله يطلع دقيقا، ثم ينمو حق يكمل، ثم ينقص حتى يكون على حال طلوعه أولا، ويذهب لم لم يكن كالشمس بحال واحدة، وسمى هلالا، لأنه يرفع الصوت عند طلوعه أولا ، ورفع الصوت إهلال، وهو هلال فى الأولى، أو فى الثانية أيضا، أو فى الثالثة معهما أو هو هلال حتى يحجر بخط دقيق كما قال الأصمعى، أو حتى يبهر ضوؤه سواد الليل وعنى بعضهم ذلك بسبع ليال، قيل وكذا فى آخره هو هلال، ولا يصح، وبين ذلك قمر، والمراد هنا مطلق هذا الكوكب كما رأيت فى السؤال يسمى قمرا مطلقا مجازا، أو اشتراكا، وأما جمع الهلال مع أنه واحد فباعتبار ليالى طلوعه، والسؤال لم يختص بهلال دون آخر، والمضارع لإمكان تكرير السؤال أو لتنزيل الماضى منزلة الحاضر، أو الماضى منزلة المستقبل، أو تنزيل حالة النزول منزلة ما قبل السؤال، وقيل إن السؤال من اليهود للصحابة يعتبر أن سؤال الصحابة سؤال للنبى صلى الله عليه وسلم لأنهم مستفيدون منه وسائلون له فى كل ما أرادوا { قل } لهم { هى موقيت للناس } لأمورهم الدنيوية والدينية كأجل الدين والإجارة والعدة والحيض والصوم والحج وقد ذكره الله، وليس من ذلك المزارع لأنها يسير الشمس وشهورها، وهذا جواب على مقتضى الظاهر، سألوا عن الحكمة فى اختلاف تشكل القمر، فقال حكمته أنه مواقيت للناس، إذ لو بقى على شكل واحد لم تتعدد الأشهر، وإن كان سؤالهم عن السبب فى ذاته كان الجواب على خلاف مقتضى الظاهر، إرشادا لهم بأن الأليق أن يسألوا عن الحكمة، والنبى صلى الله عليه وسلم لم يبعثه الله لدقائق علم الهيئة بل للشرعيات، ولو أجابهم بالسبب لقال ذلك لقربه من الشمس وبعده، ولا بأس به لظهوره ولا تأباه الشريعة إلا أن تقول الشريعة: لا تجزوا بذلك بل قولوه على الظن، بأن الله جعله سببا لتولد ما يتولد، والله هو الخالق كما يخلق النبات بالماء، لكن لا دليل على هذا وإنما ظهر بعضه فى الشمس، والميقات آلة الحد قياسا، وذلك آلة ما يعرف به الوقت أو مكانه شذوذا { والحج } عطف على الناس باعتبار مضاف، أى لأغراض الناس وللحد، فذكر الحج بعد تعميم لمزيته فى التوقيت إذ الوقت أشد لزوما له، إذ لا يقضى إلا فى وقت أدائه من قابل أو بعده، وسائر العبادات تقضى فى كل وقت حتى سائر الأوقات تقضى إذا فات وقتها بحسب الإمكان واللياقة ولا يلزم إبقاؤها إلى وقتها من قابل، واستدل بعض بالآية على جواز الإحرام بالحج فى كل السنة، وفيه بعد، ومخالفة للسنة، بل هى دليل على أنه مخصوص بأشهر يحتاج إلى تمييزها وإلا لم يتحتج الكلام إلى ذكر الهلال مع الحج، ولما ذكر علمنا أنه احتاج إلى جنس الشهر فبينته السنة.
Неизвестная страница