فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي...
[البقرة: 38] إلخ، ويرده، أن جواب لما لا يقرن بالفاء إلا نادرا جدا، ولا سيما أنه فعل ماض مجرد، لأن ما ظرف للكفر، وكفروا ومتعلقه جواب للأولى، وكذا لا يقبل قول بعض، أن الجواب هو قوله { فلعنة الله على الكفرين } إذ قرن بالفاء، وإذ هو جملة اسميه، الذين سبقت لهم الشقاوة أن يموتوا كافرين، وهكذا لا يدخل فى لعن الكافرين فى القرآن إلا من قضى الله أن يموت كافرا، والمراد فى الآية الجنس أو الاستغراق، فتدخل اليهود ببرهان أن الكافر ملعون، وأولا وبالذات بمعنى أن الكلام سبق لهم، وكذا كلما قلت أولا وبالذات، أو المراد اليهود، وعليه فذكر باسم الكفر لا بالضمير، ذما وتصريحا بموجب اللعن.
[2.90]
{ بئسما اشتروا } استبدلوا { به أنفسهم } أو باعوها باختيار الكفر، أو اشتروا أنفسهم فى زعمهم من العذاب بتصلبهم فى دينهم، جازمين، ولو عرفوا ما جاء صلى الله عليه وسلم به، كما قال الله عز وجل
فلما جاءهم ما عرفوا
[البقرة: 89] { أن يكفروا } مخصوص بالذم، أى كفرهم { بما أنزل الله } من القرآن، والكفر ماض غير مستقبل لكن قال، أن يكفروا لاستحضار الأمر الماضى بمنزلة المستقبل المترقب ليشاهد ويعاين، وإنا قلت ذلك، لأن المضارع المنصوب للاستقبال، وهذا أولى من أن يقال المضارع هنا للحال، ليكون الأمر كالمشاهد وأنه لم تخلصه أن للاستقبال { بغيا } طلبا لما ليس لهم، أى حسدا أو ظلما، تعليل ليكفروا، أى أيكفروا لأجل البغى، أو تعليل لاشتروا، ولو فصل، لقلة الفاصل، أو ذوى بغى، أو باغين، ووجه تعليقه باشتروا أن المعنى على ذم الكفر الذى أوثر على الإيمان بغيا، لا على ذم الكفر المعلل بالبغى، وأيضا إبدال أنفسهم بالكفر هو لمجرد العناد الذى هو نتيجة البغى والحسد، كأنه قيل، بئس استبدال أنفسهم بالكفر لأجل محض الحسد { أن ينزل الله } على أن ينزل الله الوحى أو لأن ينزل على أنه تعليل لبغيا { من فضله على من يشاء من عباده } حسدوا محمدا على رسالته صلى الله عليه وسلم، إذ كان من العرب، ومن ولد إسماعيل، ولا منهم، ولا من ولد يعقوب أو نبى من أنبيائهم { فباءو بغضب } هو هذا الكفر { على غضب } استلحقوه من قبل، لتضييع التوراة، والكفر بعيسى والإنجيل، وقولهم عزير بن الله، ويد الله مغلوله، ونحو ذلك، والكفر بالإنجيل أو بعيسى، والثانى الكفر بالقرآن، أو به صلى الله عليه وسلم { وللكفرين } مثل الكافرين فى الآية قبل { عذاب مهين } بذل، جوزا بما حاولوا من أن يذلوا المسلمين، بدعوى فضلهم عليهم، والمذل الله، وأسند لإدلال إلى المسبب.
[2.91]
{ وإذ قيل لهم ءامنوا بمآ أنزل الله } القرآن، أو القرآن والتوراة وغيرهما من كتب الله ووحيه، وهذا إشارة إلى أنهم كفروا بكتب الله ووحيه كلها، إذ كفروا ببعض التوراة، فإنه من كفر بكتاب أو ببعضه أو بنبى فقد كفر بجيمع الكتب والأنبياء { قالوا نؤمن } نستمر على الإيمان { بمآ أنزل علينا } أى كلفنا به فى كتبنا، مع أنهم لم يؤمنوا بها، إذ كفروا ببعضها { ويكفرون بما وراءه } أى سورى ما أنزل إلينا، وهو التوراة، كقوله، ليس وراء الله منتهى، أو بمعنى بعده، والمراد على الوجهين القرآن لقوله تعالى { وهو الحق مصدقا لما معهم } فإن هذا فى القرآن مستعمل للقرآن، ولا مانع من أن يراد بما وراءه كتب الله، فإنها كلها حق مصدق للتوراة، لأنها كلها أمر بالتوحيد وطاعة الله، واتباع كتبه ورسله، أو يقال: ما وراءه هو القرآن والإنجيل، كما أن التوراة مصدقة أيضا لغيرها من كتب الله، ثم إنه إما أن يخصص ما أنزل الله بالتوراة والقرآن أو يعمم وهو الحق لجميع ما سوى التوراة، وعلى كل حال تناقض كلامهم، لأن كفرهم بما وراءه حال الإيمان بالتوراة يستلزم عدم الإيمان به، وجه الحص التقييد بالحال. وهو مصدقا، فإن غير القرآن والإنجيل ولو صدق ما عندهم، لكن لم يذكر فيه تصديق ما عنده باسمه، ولكن فيه، أن التصديق بالموافقة يكفى، لعل الحصر هنا غير مراد، أو يراد حصر غير ما شهر، وهى معنى هو الحق لا غير الحق { قل } لهم يا محمد، أو من يصلح للمناظرة { فلم تقتلون } يقتل آباؤكم، ورضيتم بقتلهم وصوبتم، تتعاطون مثل فعلهم لو وجدتم { أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين } بالتوراة، ولقد نهيم فيما عن قتل الأنبياء، غيرهم، وعن سائر الظلم، أو أن نافية، أى ما كنتم مؤمنين بها، إذ خالفتموهما، ويجوز أن يكون قولهم { نؤمن بمآ أنزل علينا } بمعنى نؤمن به نحن وأسلافنا، أى نؤمن به كما آمن أسلافنا، فلما ادعوا إيمانهم وإيمان أسلافهم توجه لاعتراض عليهم بأنكم وآباءكم إن آمنتم بالتوراة فلم قتلوا الأنبياء، فيكون فلت تقتلون تغليبا.
[2.92]
{ ولقد جاءكم موسى بالبينت } كفلق البحر، والمن والسلوى، وتظليل الغمام، وإحياء القتيل، ورفع الطور فوقهم، وانفجار الماء من الحجر، والآيات التسع، وهذا أولى من تفسير بعض العلماء البينات بدلائل التوحيد، والعموم أولى وليس هذا وما بعده تكريرا لما تقدم، لأنه أمر أن يقوله لهم، فهو من جملة المحكى بقل فى قوله، قل، فلم تقتلون، مشيرا إلى أن طريقتهم مع محمد طريقتهم مع موسى عليهما السلام، وأيضا سبقت لإبطال دعواهم فى الإيمان بالتوراة، وللتلويح بأن كفرهم بمحمد ليس بأعجب من كفرهم بموسى { ثم اتخذتم العجل } عجل السامرى إلها تعبدونه، أو اتخذتم العجل بمعنى صورتموه، ونص التوراة لا تعملوا صورا، فتصوير الرأس أو مع الجسد محرما ولو لم يعبد، والتوراة نزلت بعد اتخاذه بمدة قريبة، وثم للاستبعاد، أو لأنهم فعلوا ذلك بعد مهلة من النظر فى الآيات، وذلك فعل آبائهم، خوطبوا به، فجرى الخطاب على مقتضى أنهم فعلوه وبهذا الاعتبار يصح أن يراد بالبينات التوراة، فلا يعترض بأن اتخاذ العجل قبل التوراة { من بعده } بعد ذهابه إلى الميقات، أو بعد مجيئه بالبينات، كما قال، ولقد جاءكم موسى بالبينات، وقيل الاتخاذ بعد رجوعه من الميقات، وهو ضعيف { وأنتم ظلمون } أنفسكم باتخاذ العجل، وظالمون لمن يقتدى بكم، ولدين الله، والزمان والمكان، ولنعم الله، إذ وضعتموها فى غير محلها. وهكذا تستحضر بعد، أو أنتم عادتكم الظلم قبل الاتخاذ فينتج منه الاتخذ وغيره.
Неизвестная страница