" حملت منك "
، ويجوز كون قوله عفا الله عنها مستأنفا على أن الضمير للمسألة المفهومة من تسأل، أى عفا عن مسألتكم فلا تعودوا إلى مثلها. وعن ابن عباس رضى الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب ذات يوم غضبان من كثرة سؤالهم عما لا يعنيهم، فقال:
" لا أسأل عن شئ إلا أجبت "
، فقال رجل: أين أنا؟ فقال: في النار، وقال آخر: من أبى؟ فقال: حذافة، وكان قبل ذلك يدعى لغيره، فقال عمر: أعوذ بالله من سخط الله، فنزلت الآية. واسم ابن حذافة عبد الله، ولما رجع إلى أمه قالت: ما سمعت قط بأعق منك فضحت أمك بما فعلته فى الجاهلية عن أعين الناس، فقال: لو ألحقنى بعبد أسود للحقته، وفى رواية قال عمر رضى الله عنه: رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا، نعوذ بالله من الفتن { والله غفور حليم } يعفو عن كثير ولا يعاجلكم بالعقاب.
[5.102]
{ قد سألها } الضمير للمسألة، فهو مفعول مطلق، وذلك استخدام لأن المسئول هنا للأمم السابقة غير ما تقدم لهذه الأمة، أو الضمير للأشياء على الاستخدام لكن هذا على الحذف والإيصال، أى سأل عنها، أو يقدر مضاف فى الوجهين أى سأل مثل تلك المسألة أو عن مثل تلك الأشياء، وحذفه مبالغة، كان سؤالهم سؤال قوم سابقين عوقبوا به، وقيل السؤال طلب العطاء، أى طلبوا تلك المسائل { قوم من قبلكم } متعلق بسأل، أو نعت؛ لأن الزمان يكون صلة لموصول جثة أو نعتا أو حالا أو خبرا إذا أفاد، وهنا أفاد { ثم أصبحوا بها كافرين } إذ خالفوا ما أمروا به أو نهوا عنه، كما سأل ثمود ناقة واليهود رؤية الله جهرة، وسألوا عن البقرة حتى اشتروها بملء جلدها ذهبا، وزعم بعض أن المراد سؤال قريش تحويل الصفا ذهبا، فلو تحولت ذهبا فلم يؤمنوا لهلكوا كأصحاب المائدة، وبعض أن المراد سؤال قريش عن أنسابهم فيكذبوه، وقيل المراد بنو إسرائيل لكثرة سؤالهم لأنبيائهم ومخالفتهم لهم، والنصارى المائدة فعوقبوا إذ خالفوا، وكان بنوا إسرائيل يسألون أنبياءهم فإذا أجيبوا خالفوا، والباء متعلق بكافرين قدم للفاصلة والتحذير والكفر بمضمونها من المخالفة أو الباء سببية.
[5.103]
{ ما جعل الله } أى ما شرع ولذا تعدى لواحد وهو ما جر بمن التى هى صلة للتأكيد فى قوله { من بحيرة } مبحورة { ولا سائبة } أى منسرحة، وقيل بمعنى مفعول والصحيح الأول مطاوع سيبها { ولا وصيلة } واصلة { ولا حام } هذه الآية مناسبة لما قبلها فإن فيها التزام مالم يلزم كما أن تلك سؤال عما لم يصرح، والبحيرة ناقة تلد خمسة أبطن آخرهن ذكر، يبحرون أذنها أى يشقونها ويخلون سبيلها فلا تركب ولا يحمل عليها ولا يجز وبرها ولا تنحر، وجعلوها للأصنام، ولا تطرد عن ماء ولا مرعى، وقيل إن كان الخامس أثنى أبقوه وشقوا أذن أمه وفعلوا ما مر، وإن كان ذكرا ذبحوه للأصنام وتركوها ينتفعون بها وسموها بحيرة على هذا لاتساعها بالأولاد، وقيل البحيرة الأنثى خامسة أولادها يحرمون على النساء لبنها وصوفها وسائر منافعها، وإذا ماتت حل لهن أكلها، وقيل البحيرة بنت السائبة يشقون أذنها ويتركونها ترعى مع أمها وترد الماء ولا تركب، وقيل التى يترك لبنها للأصنام، وقيل التى تترك فى المرعى بلا راع، وقيل التى ولدت خمس إناث، ويجمع باختلاف مذاهب العرب، والسائبة التى يقول فيها: إن شفيت من مرض أو قدم غائبى أو شفى مريضى فهى سائبة، ولا ينتفع بها كالبحيرة، سمين لأنها تسيب حيث شاءت وقيل التى ولدت عشر إناث لا ينتفع بها وقيل التى تترك للأصنام، وكان الرجل يجئ بماشيته ويتركها عند الصنم ويبيح لبنها، وقيل الناقة التى تترك ليحج عليها، وقيل: العبد يعتق على أن لا يكون عليه ولاء ولا عقل ولا ميراث، والوصيلة الشاة تلد سبعة أبطن عناقين، وإذا ولدن في آخرها عناقا وجديا قيل وصلت آخاها فجرت مجرى السائبة، وقيل إذا ولدت الشاة أنثى فهى لهم وإن ولدت ذكرا فهو لآلهتهم، وإن ولدتهما قالوا: وصلت الأنثى أخاها فلا يذبح لها الذكر، وقيل: الشاة تنتج سبعة أبطن فإن كان السابع أنثى لم تنتفع النساء منها بشئ إلا أن تموت فيأكلها الرجال والنساء، وإن كان ذكرا ذبحوه وأكلوه جميعا، وإن كان ذكرا وأنثى قالوا وصلت أخاها فلا يذبح ولا ينتفع به إلا الرجال، وقالوا: خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا، وقيل: الشاة تنتج عشر إناث متواليات في خمسة أبطن وما ولدت بعد ذلك فللذكور، وقيل الشاة تنتج خمسة أبطن أو ثلاثة فإن كان جديا ذبحوه وإن كان أنثى أبقوه وإن كان ذكرا وأنثى قالوا وصلت أخاها، وقيل: الوصيلة الناقة تبكر فتلد أنثى ثم تثنى بولادة أنثى أخرى وليس بينهما ذكر فيتركونها لآلهتهم ويقولون قد وصلت أنثى بأنثى ليس بينهما ذكر، والحامى كالقاضى وحام أى منع ظهره، وهو العجل يولد لولد ولده لا يركب ولا يحمل عليه ولا يستعمل ولا يطرد عن مرعى ولا ماء ولا شجر، وقيل العجل يولد من بين أولاده ذكورها وإناثها عشر إناث، وقيل العجل يولد من صلبه عشرة أبطن فيقولون قد حمى ظهره فيكون كالسائبة، وقيل يضرب في مال صاحبه عشر سنين، وقيل العجل ينتج له سبع إناث متواليات، وذلك باختلاف مذاهب العرب، وفى البخارى عن سعيد بن المسيب: البحيرة التى يمنع درها للطواغيت فلا يحلبها أحد من الناس، أى إلا خدامها، والسائبة كانوا يسيبونها لآلهتهم فلا يحمل عليها شئ، والوصيلة الناقة البكر تبكر في أول نتاج الإبل بأنثى ثم تثنى بعد بأنثى، وكانوا يسيبونها لطواغيتهم إن وصلت إحداهما بالأخرى ليس بينهما ذكر، والحامى فحل الإبل يضرب الضراب المعدودة أى عشر مرات ولو لم يصلح الحمل بل سقط أو فسد فإذا قضى ضرابه ودعوه للطواغيت وأنفوه من الحمل فلا يحمل عليه شئ وسموه الحامى.
{ ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب } يفرضون ويقطعون على الله الكذب، أو يكذبون على الله الكذب بتحريم البحيرة وما بعدها، ونسبته إلى الله عز وجل. وهم علماؤهم ورؤساؤهم وأسلافهم وقلدتهم عامتهم كما قال { وأكثرهم لا يعقلون } أن ذلك افتراء، بل توهموا أنه حق فقلدوهم لقصر عقولهم وعدم التفكر بها، أو أراد أن أكثرهم لا يعقلون ذلك والقليل يعقلون بطلانه، ومنعهم حب الرياسة عن أن يعترفوا بالبطلان، قال أبو هريرة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأكثم بين الجوت:
" يا أكثم عرضت على النار فرأيت فيها عمرو بن لحى بن قمعة بن خندف يجر قصبه فى النار فما رأيت رجلا أشبه برجل منك به ولا به منك "
Неизвестная страница