" فضلت خديجة على نساء أمتى كما فضلت مريم على نساء العالمين "
، رواه ابن جرير،
" ولما تزوجت عائشة برسول الله صلى الله عليه وسلم ودكر خديجة قالت: قد رزقك الله خيرا منها، فقال، لا والله ما رزقنى لله خيرا منها، آمنت بى حين كذبنى الناس، وأعطتنى مالها حين حرمنى الناس "
، وهكذا، كما روى أن خديجة أقرأها جبريل السلام من ربها، وعائشة أقرأها النبي صلى الله عليه وسلم من جبريل.
[3.43]
{ يا مريم اقنتى } استعملى العبادة { لربك } أى دومى عليها وزيدى، والنداء الأول تذكير للنعمة، وتمهيد لهذا النداء المسوق للتكليف { واسجدى واركعى مع الراكعين } هنا تم كلام الملائكة لها، والمعنى صلى، فذكر الصلاة بذكر السجود والركوع، إذ هما جزءان منها، إذ بهما تتبين، وأما القيام فيقوم المصلى وغيره، وكذا القعود، أو ذكر القيام بذكر القنوت على أنه بمعنى القيام الطويل فى الصلاة، وهو أولى فى تفسير القنوت عند بعض، وذلك أمر بأفضل الأعمال، وهو الصلاة، وبالمحافظة عليها، وبأن تكون فى الجماعة مخالفة لليهود وموافقة لهذه الأمة، ولفضل صلاة الجماعة، يصلى بها محارمها، ومن يؤمن عليها، أو تصلى من محرابها مع إمام خارجة، إلا أنه يحتمل أن يكون معنى المعية مشاركتها للمسلمين فى الصلاة بالركوع ولو وحدها، أو معهم بلا جماعة، وهذا أولى، لأن اليهود لا ركوع لهم فى صلاتهم ولا جماعة. ودعوى النسخ في زمانها تحتاج لدليل على يد نبى أو كتاب، كالإنجيل، فما هو؟ فنقول، إنه منسوخ، وأن الآية دليل على أن فى صلاتهم ركوعا غير منسوخ، والآن بعض اليهود يركعون، ولعل بعض اليهود فى زمانها يركعون، فأمرت بالركوع معهم، وقيل، القنوت إخلاص العبادة. وقيل مطلق القيام فى الصلاة، والمشهور إطالة القيام، أخرج ابن عساكر عن أبى سعيد، أن مريم كانت تصلى حتى ترم قدماها. وابن جرير عن الأوزاعى، كانت تقوم حتى يسيل القبح من قدميها، وصلاة الجماعة تفضل بخمس وعشرين وبسبع وعشرين، وقدم السجود لأنه فى صلاتهم قبل الركوع، أو لأنه أعظم فى الخشوع، فذكر الأفضل فالأفضل، القنوت وهو القيام، فالسجود فالركوع، أو أشار إليها بالقيام والسجود، وقد تمت بهما عندهم، فأخر ما زاد وهو الركوع، ولا يكفى أن يقال، الواو لا ترتب، لأنه يقال، ما الحكمة فى التأخير ولو كانت لا ترتب، أو تمت بالقيام والسجود عندهم، وزاد الركوع بمعنى الخشوع أو السجود الصلاة كلها، والركوع الخشوع، اتفقوا أن الرسول لا يكون امرأة، وأما النبوة فقد اختلفوا فى نبوة حواء، وآسية، وأم موسى، وسارة، وهاجر، ومريم، والصحيح المنع، ورجح ابن السيد والسبكي نبوة مريم.
[3.44]
{ ذلك } ما ذكر فى شأن آل عمران ويحيى ومريم وعيسى { من أنبآء الغيب نوحيه } الهاء لذلك، أو للغيب فيكون أعم { إليك } وإنما تعرف بالوحى، لا من أنباء الغيب التى تعرف بالدلائل، كالصانع وصفاته، وأحوال الآخرة { وما كنت } يا محمد { لديهم } الخ، وما كان محمد صلى الله عليه وسلم حاضرا عند عمران ويحيى ومريم وعيسى، لأنه ليس فى زمانهم، فلا يعرف قصصهم بالمشاهدة، كما لم يعرفها بالسماع من الناس، ولو من اليهود،وقد عرفها على طبق ما عرفوا، وما ذلك إلا بالوحى، وقد نفاه اليهود عنه، وهذا تهكم بهم، ووجه آخر فى التهكم، أن معرفتها بالمشاهدة، أو بالسماع من الله، أو بالقراءة، وقد نفيتم السماع والقراءة فلم يبق إلا المشاهدة، فمن أين عرفها من غير الوحى مع إقراركم بأنه لم يشاهد ولم يسمع من لسان أو من كتاب يقرؤه، والقائلون إنما يعلمه بشرهم قريش، ومثل ذلك، وما كنت بجانب الطور، وما كنت بجانب الغربى، وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم { إذ يلقون أقلامهم } فى عين الأردن، أقلاما يكتبون بها التوراة، وهى ستة، وهم ستة، اقترعوا بها تبركا، كتبوا أسماءهم عليها فبذلك تعرف، فلا ضعف فى هذا التفسير أو المراد سهام القتال، يكتبن عليها أسماءهم، وكل ما يبرى ويقطع فهو قلم بمعنى مقلوم، أى مقطعوع منه، وإن كان من محاس فصنعها شبيه بالقطع أو تقطع { أيهم يكفل } يربى { مريم } ليظهر الذى يكفل مريم، فأى موصول فاعل لمحذوف، أو يلقون أفلامهم ينظرون أيهم الخ، وينظرون حال، أو يقدر ناظرين، أو ليعلموا أيهم يكفل مريم، أو ينظرون أيهم يكفل مريم، فهى استفهامية علق بها انظر، أو العلم المقدر، واللقرعة تأثير فى تمييز المغبون. قال جعفر الصادق: ما تقارع قوم فوضوا أمرهم إلى الله سبحانه إلا خرج سهم الحق، ولا أعدل من قضية فوض الأمر فيها إلى الله، وقد قال الله عز وجل:
فساهم فكان من المدحضين
[الصافات: 141]، فهو أهل لأن يلقى فى البحر، قال الباقر: أول ما سواهم عليه مريم، وقرأ، وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم، قلت: لا دليل فى الآية على أنها أول، بل تدل على أن القرعة معتادة قبل { وما كنت لديهم إذ يختصمون } أى فى كفالتها مرة ثانية بعد الاقتراع، ومر أنهم اقترعوا ثلاثا، وقيل، هذا الثانى عند كبرها وعجز زكرياء عن تربيتها، وقيل، ما كان إلا اقتراع واحد بعد ما كبرت وعجز، ومن اختصاصهم أن يحيى قال: أنا أحق بها لأن خالتها عندى، وقالوا، لو كان الأمر بذلك لكانت أمها أحق، بل ننساهم، فخرج سهمه، وكلما مضت لتملأ قلتها قالت الملائكة، إن الله اصطفاك، ويحيى يسمع ويقول، لابنه عمران شان.
Неизвестная страница