يريد، وأنه المحرك للقلب المصرف له كيف يشاء، لا إله إلا هو العزيز الحكيم انتهى. فهذا الخوف الثاني هو من خوف المكر.
إذا علمت هذا، فمعنى الآية المترجم لها أن الله ﵎ لما ذكر حال أهل القرى المكذبين للرسل، بين أن الذي حملهم على ذلك هو الأمن من عذاب الله، وعدم الخوف منه، كما قال: ﴿أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾ ١ ثم بين أن ذلك بسبب الجهل والغرة بالله، فأمنوا مكره فيما ابتلاهم به من السراء والضراء، بأن يكون استدراجًا، فقال: ﴿أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ﴾ ٢. أي: الهالكون. فدل على وجوب الخوف من مكر الله. قال الحسن: من وسع عليه فلم ير أنه يمكر به فلا رأي له، ومن قتر عليه، فلم ير أنه ينظر له فلا رأي له. وقال قتادة: بغت القوم أمر الله، وما أخذ الله قومًا قط إلا عند سلوتهم وغرتهم ونعمتهم. فلا تغتروا بالله إنه لا يغتر به إلا القوم الفاسقون.
رواهما ابن أبي حاتم. وفي الحديث: "إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب; فإنما هو استدراج" ٣. رواه أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم. وقال إسماعيل بن رافع: من الأمن من مكر الله إقامة العبد على الذنب يتمنى على الله المغفرة. رواه ابن أبي حاتم.
قال: وقوله: ﴿قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ﴾ ٤.
نبه المصنف ﵀ بهذه الآية على الجمع بين الرجاء والخوف، فإذا خاف فلا يقنط من رحمة الله، بل يرجوها مع العمل الصالح. كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ ٥. فذكر سبحانه
١ سورة الأعراف آية: ٩٧-٩٨.
٢ سورة الأعراف آية: ٩٩.
٣ أحمد (٤/١٤٥) .
٤ سورة الحجر آية: ٥٦.
٥ سورة البقرة آية: ٢١٨.