أن الله وصانا بهذه الوصايا لنعقلها عنه، ونعمل بها، كما قال: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ ١. وفي تفسير الطبري الحنفي: ذكر أولًا ﴿تَعْقِلُونَ﴾ ثم ﴿تَذَكَّرُونَ﴾ ثم ﴿تَتَّقُونَ﴾؛ لأنهم إذا عقلوا تذكروا، فإذا تذكروا خافوا واتقوا المهالك.
﴿وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ ٢. قال ابن عطية: هذا نهي عن القرب الذي يعم وجوه التصرف، وفيه سد الذريعة، ثم استثنى ما يحسن؛ وهو التشمير والسعي في نمائه. قال مجاهد: ﴿التي هي أحسن﴾: التجارة فيه، فمن كان من الناظرين، له مال يعيش به، فالأحسن إذا ثَمَّر مال اليتيم أن لا يأخذ منه نفقة ولا أجرة ولا غيرهما، ومَن كان من الناظرين لا مال له، ولا يتفق له نظر إلا بأن ينفق على نفسه من ربح نظره، - وإلا دعت الضرورة إلى ترك مال اليتيم دون نظر ـ، فالأحسن أن ينظر ويأكل بالمعروف. قاله ابن زيد.
وقوله: ﴿حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ . قال مالك وغيره: هو الرشد، وزوال السفه مع البلوغ. قال ابن عطية: وهو أصح الأقوال وأليقها بهذا الموضع.
قلت: وقد روي نحوه عن زيد بن أسلم، والشعبي، وربيعة، وغيرهم، ويدل عليه قوله تعالى،: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ﴾ ٣. فاشترط تعالى للدفع إليهم ثلاثة شروط:
الأول: ابتلاؤهم، وهو اختبارهم وامتحانهم بما يظهر به معرفتهم لمصالح أنفسهم وتدبير أموالهم.
والثاني: البلوغ.
والثالث: الرشد.
﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ﴾ ٤. قال ابن كثير: يأمر تعالى بإقامة العدل في الأخذ والإعطاء، كما توعد عليه في قوله: ﴿وَيْلٌ
_________
١ سورة البينة آية: ٥.
٢ سورة الأنعام آية: ١٥٢.
٣ سورة النساء آية: ٦.
٤ سورة الأنعام آية: ١٥٢.
1 / 38