والأصل في ذلك هو الإعراض عن الهدى والنور الذي أنزله الله تعالى على رسوله محمّد ﷺ من الكتاب والحكمة، والاستغناء عن ذلك بمتابعة الآباء والأهواء والعادات المخالفة لذلك.
ولهذا كرّر الله تعالى الأمر بمتابعة الكتاب والسنة في مواضعَ كثيرةٍ من القرآن، وضرب الأمثال لذلك، وأكّده وتوعد على الإعراض عنه، وما ذاك إلا لشدّة الحاجة، بل الضرورة إلى ذلك فوق كلّ ضرورة، فإنه لا صلاح للعبد ولا فلاح ولا سعادة في الدنيا والآخرة إلاّ بذلك، ومتى لم يحصل ذلك للعبد فهو ميت.
كما قال تعالى: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام] فسمّى ﷾ الخالي عن هذا الهدى والنور ميتًا، وسمى من حصل له ذلك حيًا، وذلك أنه لا مقصود به في حياة الدنيا إلا توحيد الله تعالى، ومعرفته وخدمته، والإخلاص له، والاستلذاذ بذكره، والتذلّل لعظمته، والانقياد لأوامره، والإنابة إليه، والإسلام له، فإذا حصل هذا للعبد، فهو الحي، يل قد حصلت له الحياة الطيبة في الدارين.
كما قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ ١.
فإذا فاته هذا المقصود فهو ميّت، بل شرّ من الميت. قال الله تعالى: ﴿اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾
وقال تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ ٢.
وقال تعالى: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ ٣.
وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ
_________
١ سورة النحل آية: ٩٧.
٢ سورة الأنعام آية: ١٥٣.
٣ سورة آية: ١٥-١٦.
1 / 4