الصلاة في جامع قرطبة أيام حكم المستنصر بالله ﵀ جارية يحبها حبًا شديدًا، فعرض عليها أن يعتقها ويتزوجها، فقالت له ساخرة به؛ وكان عظيم اللحية: إن لحيتك أستبشع عظمها، فإن حذفت منها كان ما ترغبه.
فأعمل الجلمين فيها حتى لطفت، ثم دعا بجماعة شهود وأشهدهم على عتقها، ثم خطبها إلى نفسه فلم ترض به، وكان في جملة من حضر أخوه حكم بن منذر فقال لمن حضر: اعرض عليها أني أخطبها أنا، ففعل فأجابت إليه، فتزوجها في ذلك المجلس بعينه ورضي بهذا العار الفادح على ورعه ونسكه واجتهاده.
فأنا أدركت سعيدًا هذا وقد قتله البربر يوم دخولهم قرطبة عنوة وانتهابهم إياها، وحكم المذكور أخوه هو رأس المعتزلة بالأندلس وكبيرهم وأستاذهم ومتكلمهم وناسكهم، وهو مع ذلك شاعر طيب وفقيه.
وكان أخوه عبد الملك بن منذر متهمًا بهذا المذهب أيضًا، ولي خطة الرد أيام الحكم ﵁، وهو الذي صلبه المنصور ابن أبي عامر إذ اتهمه هو وجماعة من الفقهاء والقضاة بقرطبة أنهم يبايعون سرًا لعبد الرحمن بن عبيد الله ابن أمير المؤمنين الناصر ﵃، فقتل عبد الرحمن وصلب عبد الملك بن منذر وبدد شمل من اتهم.
وكان أبوهم قاضي القضاة منذر بن سعيد متهمًا بمذهب الاعتزال أيضًا، وكان أخطب الناس وعلمهم بكل فن وأورعهم وأكثرهم هزلًا ودعابة.
وحكم المذكور في الحياة في حين كتابتي إليك بهذه الرسالة قد كف بصره وأسن جدًا.
توفي بمدينة سالم في نحو ٤٢٠ هـ (الصلة: ١٤٦)؛ وثالث الأبناء هو عبد الملك أبو مروان، ولي خطوة الرد ثم لحقته التهمة التي يشير إليها ابن حزم فصلب على باب سدة السلطان (وهو الباب الرئيسي لقصر الخلافة بقرطبة) سنة ٣٦٨ وهو في حدود الأربعين من عمره
1 / 157