ولا تساعدني عيني، فقلت مجيبًا لأبي بكر: [من الطويل] وإن امرءًا لم يفن حسن اصطباره ... عليك وقد فارقته لجليد وفي المذهب الذي عليه الناس أٌول من قصيدة قلتها قبل بلوغ الحلم، أولها: [من الطويل] دليل الأسى نار على القلب تلفح ... ودمع على الخدين يهمي ويسفح إذا كتم المشغوف سر ضلوعه ... فإن دموع العين تبدي وتفضح إذا ما جفون العين سالت شؤونها ... ففي القلب داء للغرام مبرح ويعرض في الحب سوء الظن واتهام كل كلمة من أحدهما وتوجيهها إلى غير وجهها، وهذا أصل العتاب بين المحبين.
وإني لأعلم من كان أحسن الناس ظنًا، وأوسعهم نفسًا، وأكثرهم صبرًا، وأشدهم احتمالًا، وأرحبهم صدرًا، ثم لا يحتمل ممن يحب شيئًا، ولا يقع له معه أيسر مخالفة حتى يبدي من التعديد فنونًا، ومن سوء الظن وجوهًا.
وفي ذلك أقول شعرًا منه: [من المنسرح] أسيء ظني بكل محتقر ... تأتي به، والحقير من حقره كي لا يرى أصل هجرة وقلى ... فالنار في بدء أمرها شرره وأصل عظم الأمور أهونها ... ومن صغير النوى ترى شجره وترى المحب إذا لم يثق بنقاء طوية محبوبه له، كثير التحفظ مما لم يكن يتحفظ منه قبل ذلك، مثقفًا لكلامه، مزينًا لحركاته، ومرامي طرفه، ولا سيما إن دهي بمتجن وبلي بمعربد.
ومن آياته مراعاة المحب لمحبوبه، وحفظه لكل ما يقع منه، وبحثه عن أخباره حتى لا يسقط عنه دقيقه ولا جليله، وتبعه لحركاته.
ولعمري لقد ترى البليد يصير في هذه الحالة ذكيًا، والغافل فطنًا.
1 / 113