ونحن نجد كثيرًا ممن يؤثر الأدنى ويعلم فضل غيره ولا يجد محيدًا لقلبه عنه (١) .
ولو كان للموافقة في الأخلاق لما أحب المرء من لا يساعده ولا يوافقه، فعلمنا انه شيء في ذات النفس.
وربما كانت المحبة لسبب من الأسباب، وتلك تفنى بفناء سببها، فمن ودك لأمر ولي مع انقضائه، وفي ذلك أقول: [من الطويل] ودادي لك الباقي على حسب كونه ... تناهى فلم ينقص بشيء ولم يزد وليست له غير الإرادة (٢) علة ... ولا سبب حاشاه يعلمه أحد إذا ما وجدنا الشيء علة نفسه ... فذاك وجود ليس يفنى على الأبد وإما وجدناه لشيء خلافه ... شطر ثانيفإعدامه في عدمنا ما له وجد ومما يؤكد هذا القول أننا علمنا أن المحبة ضروب (٣)، فأفضلها: محبة المتحابين في الله ﷿، إما لاجتهاد في العمل، وإما لاتفاق في أصل النحلة والمذهب (٤)، وإما لفضل علم بمنحه الإنسان؛ ومحبة القرابة، ومحبة الألفة في الاشتراك في المطالب، ومحبة التصاحب والمعرفة، ومحبة البر (٥) يضعه المرء عند أخيه، ومحبة الطمع (٦) في جاه المحبوب، ومحبة المتحابين لسر يجتمعان
_________
(١) قارن بقول ابن الجوزي: وإذا كان سبب العشق اتفاقًا في الطباع بطل قول من قال ان العشق لا يكون إلا للأشياء المستحسنة وإنما يكون العشق لنوع مناسبة وملاءمة ثم قد يكون الشيء حسنًا عند شخص، غير حسن عند آخر (ذم الهوى: ٣٠٠) .
(٢) تعبير " الارادة " هنا لا أضنه يعني " الارادة الإنسانية " وإنما التقدير الإلهي، أي ان ذلك شيء مرتب في طبيعة النفس، حسب التوفيق الإلهي، ولهذا عبر عن هذا الموقف بقوله: " الشيء علة نفسه ".
(٣) هنا يوسع ابن حزم في مفهوم " الحب "، حتى يصبح معنى الاتصال بين أجزاء النفوس ليس اتصالًا بين ذكر وانثى، وإنما هو اتصال بين الأجزاء المتشابهة في كل صعيد، وعلى هذا الفهم، سيمضي في كل رسالته؛ فجهة العشق التي علتها اتصال النفوس ليست إلا وجهًا واحدًا من وجوه المحبة، وقارن بما ورد في رسالة في مداواة النفوس (رسائل: ١٣٨) .
(٤) روضة المحبين: في أصل المذهب.
(٥) روضة المحبين: ومحبة البر.
(٦) روضة المحبين: ومحبة لطمع.
1 / 95