Та'виль аз-Захирият: Современное состояние феноменологического метода и его применение в феномене религии
تأويل الظاهريات: الحالة الراهنة للمنهج الظاهرياتي وتطبيقه في ظاهرة الدين
Жанры
الإهداء
تصدير
مقدمة1
الباب الأول: المنهج الظاهرياتي (ملاحظات أولية)
الفصل الأول: اللغة، والقواعد، والحركة1
أولا: لغة الظاهريات1
ثانيا: قواعد المنهج الظاهرياتي1
ثالثا: الظاهريات السكونية، والظاهريات الحركية1
الفصل الثاني: الظاهريات النظرية والظاهريات التطبيقية1
أولا: مميزات الظاهريات التطبيقية على الظاهريات النظرية1
Неизвестная страница
ثانيا: الظاهريات النظرية هي نفسها ظاهريات تطبيقية1
الفصل الثالث: التطور الأخير، والحالة الراهنة1
أولا: التطور الأخير1
ثانيا: الحالة الراهنة للظاهريات التطبيقية1
الفصل الرابع: الدراسات الثانوية، والظاهريات النظرية1
أولا: نقاط التطبيق1
ثانيا: طرق التطبيق1
ثالثا: التكوين الجزئي للمنهج1
رابعا: معركة التفاسير1
خامسا: الظاهريات من خلال الأقنعة1
Неизвестная страница
سادسا: عيوب الدراسات المقارنة1
سابعا: الانتقادات الموجهة إلى الظاهريات1
الفصل الخامس: تفسير الظاهريات1
أولا: من اللفظ إلى العمل الكلي1
ثانيا: أفكار موجهة لقواعد التفسير للظاهريات1
الباب الثاني: المنهج الظاهرياتي
الفصل الأول: فهم الظاهريات1
أولا: الذاتية (الوعي الفردي)1
ثانيا: الذاتية المشتركة (الوعي الجمعي-الأوروبي)1
الفصل الثاني: تكوين الظاهريات1
Неизвестная страница
أولا: المنهج الظاهرياتي كمنهج للإيضاح1
ثانيا: منهج الإيضاح كمنهج للتمييز1
ثالثا: تداخل التمييزات1
رابعا: الأشكال المختلفة للخلط1
خامسا: الدرجات المختلفة للتمييز1
سادسا: التمييز ومستويات الوجود1
سابعا: التمييز وبنية الوجود1
ثامنا: التمييز ووحدة الوجود1
تاسعا: التمييز كمنهج جدلي1
عاشرا: التمييز كحركة إصلاح1
Неизвестная страница
حادي عشر: طرق الإصلاح1
ثاني عشر: الإصلاح في التاريخ1
الفصل الثالث: تأويل الظاهريات1
أولا: البيئة الحضارية1
ثانيا: التأويل الحضاري1
ثالثا: التأويل الديني1
رابعا: التأويل الحضاري والديني في الدراسات الثانوية1
خامسا: التأويل الحضاري والديني في الظاهريات التطبيقية1
سادسا: الظاهريات كاتجاه ديني1
الباب الثالث: ظاهريات الدين
Неизвестная страница
الفصل الأول: فلسفة الدين1
أولا: فلسفة التوسط1
ثانيا: فلسفة التصور1
الفصل الثاني: ظاهريات اللاهوت1
أولا: تبرير اللاهوت العقائدي1
ثانيا: النزعة التاريخية في ظاهريات الموضوع1
ثالثا: حدود ظاهريات الفعل1
رابعا: الجانب النظري في الظاهريات الدينية1
خامسا: من ظاهريات الدين إلى ظاهريات التأويل1
الفصل الثالث: ظاهريات التأويل1
Неизвестная страница
أولا: فلسفة الدين، وظاهريات الدين، وظاهريات التأويل1
ثانيا: الأزمة الحالية للتأويل1
ثالثا: النقد التاريخي ذروة التأويل، ومنهج «تاريخ الأشكال الأدبية» ذروة النقد التاريخي1
رابعا: جدوى تطبيق المنهج الظاهرياتي في التأويل1
خامسا: خصائص ظاهريات التأويل1
سادسا: إشكالات التأويل1
المصادر والمراجع
الإهداء
تصدير
مقدمة1
Неизвестная страница
الباب الأول: المنهج الظاهرياتي (ملاحظات أولية)
الفصل الأول: اللغة، والقواعد، والحركة1
أولا: لغة الظاهريات1
ثانيا: قواعد المنهج الظاهرياتي1
ثالثا: الظاهريات السكونية، والظاهريات الحركية1
الفصل الثاني: الظاهريات النظرية والظاهريات التطبيقية1
أولا: مميزات الظاهريات التطبيقية على الظاهريات النظرية1
ثانيا: الظاهريات النظرية هي نفسها ظاهريات تطبيقية1
الفصل الثالث: التطور الأخير، والحالة الراهنة1
أولا: التطور الأخير1
Неизвестная страница
ثانيا: الحالة الراهنة للظاهريات التطبيقية1
الفصل الرابع: الدراسات الثانوية، والظاهريات النظرية1
أولا: نقاط التطبيق1
ثانيا: طرق التطبيق1
ثالثا : التكوين الجزئي للمنهج1
رابعا: معركة التفاسير1
خامسا: الظاهريات من خلال الأقنعة1
سادسا: عيوب الدراسات المقارنة1
سابعا: الانتقادات الموجهة إلى الظاهريات1
الفصل الخامس: تفسير الظاهريات1
Неизвестная страница
أولا: من اللفظ إلى العمل الكلي1
ثانيا: أفكار موجهة لقواعد التفسير للظاهريات1
الباب الثاني: المنهج الظاهرياتي
الفصل الأول: فهم الظاهريات1
أولا: الذاتية (الوعي الفردي)1
ثانيا: الذاتية المشتركة (الوعي الجمعي-الأوروبي)1
الفصل الثاني: تكوين الظاهريات1
أولا: المنهج الظاهرياتي كمنهج للإيضاح1
ثانيا: منهج الإيضاح كمنهج للتمييز1
ثالثا: تداخل التمييزات1
Неизвестная страница
رابعا: الأشكال المختلفة للخلط1
خامسا: الدرجات المختلفة للتمييز1
سادسا: التمييز ومستويات الوجود1
سابعا: التمييز وبنية الوجود1
ثامنا: التمييز ووحدة الوجود1
تاسعا: التمييز كمنهج جدلي1
عاشرا: التمييز كحركة إصلاح1
حادي عشر: طرق الإصلاح1
ثاني عشر: الإصلاح في التاريخ1
الفصل الثالث: تأويل الظاهريات1
Неизвестная страница
أولا: البيئة الحضارية1
ثانيا: التأويل الحضاري1
ثالثا: التأويل الديني1
رابعا: التأويل الحضاري والديني في الدراسات الثانوية1
خامسا: التأويل الحضاري والديني في الظاهريات التطبيقية1
سادسا: الظاهريات كاتجاه ديني1
الباب الثالث: ظاهريات الدين
الفصل الأول: فلسفة الدين1
أولا: فلسفة التوسط1
ثانيا: فلسفة التصور1
Неизвестная страница
الفصل الثاني: ظاهريات اللاهوت1
أولا: تبرير اللاهوت العقائدي1
ثانيا: النزعة التاريخية في ظاهريات الموضوع1
ثالثا: حدود ظاهريات الفعل1
رابعا: الجانب النظري في الظاهريات الدينية1
خامسا: من ظاهريات الدين إلى ظاهريات التأويل1
الفصل الثالث: ظاهريات التأويل1
أولا: فلسفة الدين، وظاهريات الدين، وظاهريات التأويل1
ثانيا: الأزمة الحالية للتأويل1
ثالثا: النقد التاريخي ذروة التأويل، ومنهج «تاريخ الأشكال الأدبية» ذروة النقد التاريخي1
Неизвестная страница
رابعا: جدوى تطبيق المنهج الظاهرياتي في التأويل1
خامسا: خصائص ظاهريات التأويل1
سادسا: إشكالات التأويل1
المصادر والمراجع
تأويل الظاهريات
تأويل الظاهريات
الحالة الراهنة للمنهج الظاهرياتي وتطبيقه في ظاهرة الدين
الإهداء
إلى الفلاسفة المسلمين المعاصرين، من أجل حوار مع الحضارة الغربية، كما حاور الحكماء القدماء الحضارة اليونانية.
حسن حنفي
Неизвестная страница
مدينة نصر، 25 يناير 2011م
تصدير
كما صدر من «النص إلى الواقع» في جزأين،
1
الأول «تكوين النص» والثاني «بنية النص»، لإعادة كتابة الرسالة الرئيسة لدكتوراه الدولة بعد أربعين عاما تقريبا،
2
تصدر اليوم الرسالة التكميلية أيضا في جزأين؛ الأول «تأويل الظاهريات: الحالة الراهنة للمنهج الظاهرياتي وتطبيقه في ظاهرة الدين»،
3
والثاني «ظاهريات التأويل: محاولة لهرمنيطيقا وجودية للعهد الجديد». فقد صدر الأول عام 1965، والثاني عام 1966. وتمت مناقشة الرسالتين في نفس العام بعد طباعة الأولى طبقا لقانون الجامعة الجديد، ضرورة طبع الرسالة الرئيسية قبل مناقشتها، وكتابة مراجعتين حولهما من متخصصين في المجلات العلمية ، وهو القانون الذي ألغي بعد مظاهرات الشباب في مايو 1968م، ثم ألغيت دكتوراه الدولة كلية بعد ذلك، وانقسمت إلى عدة مراحل دكتوراه السلك الثالث أولا، ثم تغيرت إلى دكتوراه النظام الجديد، كمرحلة أولى، بعدها تأتى مرحلة ثانية، وكلاهما يعادل دكتوراه الدولة القديمة. وهو أشبه بالنظام الشائع، الماجستير أولا ثم الدكتوراه ثانيا تخفيفا على الطلاب من القفز إلى دكتوراه الدولة مباشرة. وقد استغرق الأمر عشر سنوات لإنهاء الرسالة الأولى والرسالة الثانية، وتمت مناقشتهما معا وفي نفس الجلسة، السبت 18 / 6 / 1966م بعد الظهر من الواحدة حتى السابعة مساء، أمام خمسة أعضاء؛
4
Неизвестная страница
اثنان للرسالة التكميلية، وثلاثة للرسالة الرئيسية.
5 «من النص إلى الواقع» ليس ترجمة للرسالة الرئيسية
Les Methodes d’Exégèse ، بل إعادة دراسة للموضوع كلية؛ فما كان متاحا من متون أصولية منذ أربعين عاما كان لا يتجاوز الخمسين، والآن زاد على المائتين. الروح واحدة، والبنية الثلاثية - الوعي التاريخي، الوعي النظري، الوعي العملي - واحدة، والقصد واحد، ولكن لم تحدث ترجمة بالمعنى الدقيق؛ أي نقل العبارة الفرنسية إلى عبارة عربية، بل وضع نص عربي جديد. وتضخم الكم بحيث تحول الأصل الفرنسي «مناهج التأويل» إلى جزأين؛ «تكوين النص» و«بنية النص».
أما في «تأويل الظاهريات» و«ظاهريات التأويل»، فقد كان النص العربي أقرب إلى النص الفرنسي دون أن تكون ترجمة حرفية، بل إعادة صياغة وتفسير وتأويل، وظل جزأين مثل النص الفرنسي، وبقيت هوامشه باستثناء إضافة فقرة أو فقرتين عندما كان المعنى مركزا للغاية.
والحقيقة أن ثلاثية الشباب، «مناهج التأويل» و«تأويل الظاهريات» و«ظاهريات التأويل»، هي الجبهات الثلاث في مشروع «التراث والتجديد»، الذي أعلن بعد ذلك في 1980م موقفنا من التراث القديم، موقفنا من التراث الغربي، موقفنا من الواقع أو نظرية التفسير. «مناهج التأويل» هي موقفنا من التراث القديم لإعادة بناء العلوم الإسلامية القديمة ابتداء من تحديات العصر، وبداية بعلم أصول الفقه في «من النص إلى الواقع»، ثم علم أصول الدين في «من العقيدة إلى الثورة»، ثم علوم الحكمة في «من النقل إلى الإبداع»، ثم في علوم التصوف في «من الفناء إلى البقاء»، ثم في العلوم النقلية الخمسة، القرآن والحديث والتفسير والسيرة والفقه، في «من النقل إلى العقل».
و«تأويل الظاهريات» هي موقفنا من التراث الغربي بداية بدراسة الوعي الفردي الذي أسسه ديكارت، والوعي الجماعي الذي أكمله هوسرل في «أزمة العلوم الأوروبية»، وصدر بيانها التأسيسي في «مقدمة في علم الاستغراب»، المشروع والتطبيق المبدئي، وتوالت الترجمات والدراسات في الفلسفة الغربية انتظارا لصياغة ثانية لعلم الاستغراب في «الوعي الأوروبي: التطور والبناء».
و«ظاهريات التأويل» هي الجبهة الثالثة، «موقفنا من الواقع أو نظرية التفسير»، بداية بالصلة بين النص والواقع في العهد الجديد باعتباره نصا دينيا مقدسا، يتلوه العهد القديم ثم القرآن في «المنهاج»، حيث يتم عرضه موضوعيا في ثلاث دوائر متداخلة: الوعي الفردي، الوعي الاجتماعي، الوعي بالعالم.
كانت الرسالة في البداية جزءا واحدا «من تأويل الظاهريات إلى ظاهريات التأويل»؛ أي دراسة التأويل بمنهج ظاهراتي. كانت الظاهريات هي المنهج، والتأويل هو الموضوع، ثم تضخمت المقدمة التي تتناول المنهج الظاهرياتي حتى أصبحت جزءا مستقلا في تأويل الظاهريات.
وكانت المقدمة تشمل ثلاث مقدمات؛ الأولى: المنهج الظاهرياتي (ملاحظات أولية)، تشمل لغة الظاهريات، وقواعد المنهج الظاهرياتي، والظاهريات الساكنة والظاهريات الحركية، والظاهريات النظرية والظاهريات التطبيقية. والثانية: المنهج الظاهرياتي، محاولة للفهم والتكوين والتفسير. والمقدمة الثالثة: المنهج الظاهرياتي وتطبيقه في الظاهرة الدينية، وتشمل فلسفة الدين، وظاهريات الدين، وظاهريات التأويل.
والآن قسمت الرسالة إلى أبواب وفصول؛ فالمقدمات الثلاث أصبحت أبوبا ثلاثة؛ الأول: المنهج الظاهرياتي (ملاحظات أولية)، ويضم خمسة فصول طبقا لتقسيم كمي خالص. الأول: اللغة، والقواعد، والحركة. والفصل الثاني: الظاهريات النظرية والظاهريات التطبيقية. والفصل الثالث: التطور الأخير، والحالة الراهنة. والفصل الرابع: الدراسات الثانوية، والظاهريات النظرية. والفصل الخامس: تفسير الظاهريات.
Неизвестная страница
والباب الثاني: المنهج الظاهرياتي: محاولة للفهم والتكوين والتفسير. ويضم ثلاثة فصول؛ الأول: فهم الظاهريات. والثاني: تكوين الظاهريات. والثالث: تأويل الظاهريات.
والباب الثالث: ظاهريات الدين. ويضم أيضا ثلاثة فصول؛ الأول: فلسفة الدين. والثاني: ظاهريات الدين. والثالث: ظاهريات التأويل.
ويمكن اعتبار «ظاهريات التأويل» الجزء الثاني من «مناهج التأويل»؛ الأول نقطة تطبيق ثانية للتأويل في نصوص العهد الجديد، في حين أن الثاني نقطة تطبيق أولى في النص القرآني ونص الحديث. أما «تأويل الظاهريات» فهي المقدمة المنهجية للاثنين معا، تعرض المنهج الظاهرياتي الذي تم تطبيقه في «مناهج التأويل» على نحو غير مباشر ودون الإعلان عنه؛ حتى يظل الموضوع والمنهج نابعين من حضارة واحدة، هي الحضارة الإسلامية، ثم تطبيقه في «ظاهريات التأويل» على نحو مباشر وبالإعلان عنه؛ حتى يظل الموضوع والمنهج نابعين أيضا من حضارة واحدة، هي الحضارة الغربية.
مقدمة1
(1) ظاهرة «الوعي الأوروبي»
مبهورا بأوروبا، وواقعا تحت إغراء لغتها وألفاظها ومصطلحاتها، ومندهشا لظروفها ومحيطها، قال أحد المفكرين: «هذا انفعال خالص يمكن أن يخضع للتأمل.» وداخل هذا الانفعال يكمن الغرب كموضوع للدراسة؛ إذ يشير هذا اللفظ «أوروبا» إلى وحدة اقتصادية وسياسية. وقد استبدل به تعبير «الوعي الأوروبي»، وهو يشير إلى وحدة فكرية لها صفات خاصة. وبالفعل أصبح «الوعي الأوروبي» منذ فترة موضوعا رئيسيا، ليس فقط في فلسفة التاريخ، بل أيضا في الفلسفة الخالصة.
2
ويستبدل أحيانا بلفظ «أوروبي» لفظ «غربي». يشير لفظ «أوروبي» إلى ميدان الأيديولوجيا، بينما يشير الثاني إلى الميدان المادي. يشير الأول إلى «الحضارة»، بينما يشير الثاني إلى «المدنية». وما زال لفظ «أوروبي» يحتفظ بصفاته، ولم يستعمل على نحو عشوائي كما استعمل لفظ «غربي». ويشير لفظ «أوروبي» الآن إلى أيديولوجيا الوحدة الاقتصادية والسياسية لأوروبا، وقد كان يشير له من قبل إلى «كل روحي» لميراث مشترك له خصوصيته المتميزة.
3
أصبح لفظ «الغرب» يشير إلى بيئة خاصة تنبثق منها موضوعات نظرية ومظاهر عملية للسلوك الإنساني،
Неизвестная страница
4
ويستعمل أحيانا في تقابل مع لفظ «الشرق» في ميادين دفاعية أو عالمية مزيفة.
5
وبعد يقظة العالم الثالث، وتحرر الشرق من الهيمنة الغربية، ظهر شكل جديد من أشكال الهيمنة البطيئة والأكثر حيطة، وهو التقارب بين الغرب والشرق. وتخفي أساليب الدفاع والبلاغة النوايا الحقيقية. هذه الطريقة في التفكير هي التي تتبعها النوادي والمراكز الثقافية، وهي بعيدة كل البعد عن البحث العلمي المستقل النزيه.
وبعد إيثار لفظ «أوروبا»، أيهما أفضل بعد ذلك «الوعي الأوروبي» أو «الحضارة الأوروبية»، مما لا شك فيه أنه لا يوجد «دين أوروبي»؛ فالدين له أصوله القبلية في الوحي، وعلى أقصى تقدير يمكن استعمال تعبيرات «فلسفة أوروبية» و«علم أوروبي»، ومع ذلك الفلسفة والعلم الأوروبي هما مظهران لنشاط «الوعي الأوروبي» مصدر الحضارة «الأوروبية». ويستعمل لفظ «الوعي» للإشارة إلى المصدر المنتج للحضارة، ويستعمل لفظ «حضارة» للإشارة إلى المنتج نفسه الذي يتضمن مجموع الأعمال؛ أي المصنفات الفكرية والأدبية.
أصبح «الوعي الأوروبي» ظاهرة للدراسة، ولوحظ ذلك داخل الحضارة الأوروبية وخارجها. لاحظها عديد من الفلاسفة والباحثين الأوروبيين وغير الأوروبيين، وقد تمت دراستها تحت بعض المؤشرات، مثل: «الأفول» أو «الأزمة» أو «الانتحار».
6
وقد لاحظ الفلاسفة والدارسون ظواهر «أزمة الوعي الأوروبي» و«أفول الغرب» على مدى امتداد الحضارة الغربية كلها، منذ بداية القرن الماضي. وربما أعطت ساعة النهاية الوعي الأوروبي الإحساس بأنه يقوم بحسابه الأخير ويقدم لنفسه كشف الحساب.
لم يدرس الفلاسفة فقط ظاهرة «الوعي الأوروبي» أو بتعبير أدق ظاهرة «أفول» أو «أزمة» الوعي الأوروبي باعتباره موضوعا للتفكير، بل أيضا الباحثون.
7
Неизвестная страница
فإذا حاول الفيلسوف تشخيص أزمة العلوم الأوروبية ووصف أفول الغرب أو إعلان العدمية الشاملة والهدم الكامل لكل القيم، يحاول الباحث اختيار فترة زمنية من تطور الوعي الأوروبي.
8
ولظاهرة «الوعي الأوروبي» سابقتها في فلسفة التاريخ. صحيح أن مفهوم التاريخ مفهوم غربي؛
9
فقد نشأت فلسفة التاريخ بعد عصر النهضة لتحديد صلة فلسفة التنوير بالفلسفات الأخرى السابقة عليها خاصة الفلسفة المدرسية. وبعد عديد من الفلسفات المتتابعة في العصور الحديثة، نشأت فلسفة للتاريخ لتحديد تطور المذاهب الفلسفية، وكان لكل عصر روحه. ومهدت فلسفة التاريخ إلى ظهور مفهوم «الحضارة»؛ فظاهرة «الوعي الأوروبي» نتاج الحضارة الأوروبية.
وخارج الحضارة الأوروبية، وبعد وعي الشعوب بحضارتها المستقلة بعد حركات التحرر الوطني، ظهر مفهوم «الوعي الأوروبي» كموضوع للبحث، إما دفاعا عن استقلال حضارات الأطراف أو لنقد هيمنة حضارة المركز.
10
وقد دفعت الحركة الحالية للتحرر من الاستعمار في العالم الثالث، والتي أصبح لها ثقلها الدولي كحكم لا ينحاز، عديدا من الباحثين للتفكير ليس فقط في الحالة الراهنة للعالم الثالث بل أيضا في المستعمر؛ السبب الرئيسي في مأساته في التاريخ.
11
أصبحت أوروبا مركزا للعالم مشكلة داخل الحضارة الأوروبية ذاتها وانبهار الأذهان بها في الحضارات المجاورة؛ مما أنشأ ظاهرة «الانبهار بأوروبا» خارجها.
Неизвестная страница
12
انبهرت الحضارات الأخرى بتفسير كل شيء من وجهة نظر أوروبا، وسمي استغلال العالم الكشف الجغرافي مع أنه بداية الاستعمار من وجهة نظر الشعوب المستعمرة، وأصبحت ظروف أوروبا هي مقاييس تصنيف العالم؛ فهناك البلاد المتقدمة والبلاد المتخلفة. ومن أجل التخفيف من حدة التصنيف، استبدل بلفظ «المتخلفة» لفظ «النامية» أو «في طريق النمو»، وصنفت أنماط تفكير الشعوب غير الأوروبية على أنها «عقلية بدائية»، بل وصل الأمر إلى درجة تقسيم أجناس البشر إلى آرية وسامية.
وظهر نفس الشيء في الميادين الأكثر مادية للاقتصاد والسياسة؛ فقد اعتبرت البلاد غير الأوروبية كمصادر للمواد الأولية من أجل تصنيع الغرب، ثم كأسواق لبيع المنتجات الأوروبية. وتمت صياغة عدة معاهدات وتحالفات، وأقيمت القواعد العسكرية ومناطق نفوذ في البلاد غير الأوروبية من أجل الدفاع عن أوروبا.
وتجلت داخل كل حضارة خارج أوروبا هذه الظاهرة «الانبهار بأوروبا»، والتي تكونت من نسيان جذور الفرد في حضارته الخاصة ثم الانحياز إلى أوروبا والاغتراب فيها باعتبارها الحضارة الوحيدة التي يجد فيها كل فرد جذورا بديلة، طوعا أو كرها؛ ومن ثم تقع كل حضارة خارج أوروبا في دائرة النسيان. أصبحت الحضارة الأوروبية ممثلة للإنسانية كلها.
أصبحت ظاهرة الوعي الأوروبي مشكلة بالنسبة للدراسات الفلسفية، سواء داخل الحضارة الأوروبية أو خارجها. لم تكتمل الدراسات بعد في الداخل. حصلت نتائج جزئية فحسب خاصة بأزمة العلوم وانهيار الحضارة، ولم يتم دفع هذه النتائج إلى أقصى مداها، وكان من الطبيعي ألا يستطيع الملاحظ الفيلسوف أو الباحث أن يتخلص كلية من الأثر الذهني لحضارته، وباعتباره مسئولا عن بنيتها فإنه لم يكن باستطاعته إصلاحها. ويستطيع ملاحظ غير أوروبي أن يكون مشاهدا منصفا لأنه لا يخضع لتأثير البنية الذهنية للحضارة المدروسة، وفي الخارج تم تناول المشكلة بطريقة دفاعية وخطابية، وتحت أثر حماس التحرر الوطني والثقة الشديدة بالنفس تمت معالجة الوعي الأوروبي عن طريق الهجوم العنيف على القوى الاستعمارية الأوروبية. وكان ذلك طبيعيا نظرا لأن التحرر الوطني لم يكتمل بعد.
13
وفي الحالة الراهنة للدراسات حول الوعي الأوروبي هناك تياران على طرفي نقيض؛ الأول يمثله العلماء الأوروبيون، والثاني الخطباء اللاأوروبيون من أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. الأول نتيجة غياب أية مسافة بين الملاحظ وموضوعه؛ لأن الملاحظ أوروبي، وعيه هو نفسه الانطباع الذهني الذي أعطته إياه حضارته. والثاني نتيجة المسافة الشاسعة بين الملاحظ وموضوعه؛ فالملاحظ خطيب، مثقف أو سياسي، يدافع عن وطنه الروحي أكثر مما يدرس موضوعه. ولا تستطيع النظرة القصيرة للأول ولا الطويلة للثاني أن تساعد على تقدم البحث الفلسفي. يستطيع الوعي المحايد وحده أن يتجاوز اغتراب الأول والثاني، وأن تكون له فرصة رؤية أفضل، وحكم أدق. (2) الوعي المحايد والوعي المغترب
ليست الحضارة إلا النتاج المشترك من مجموع الوعي الفردي للجماعة.
14
وبناء الحضارة هو نفسه بناء الوعي الفردي. كذلك يخضع كل تحليل للحضارة يقوم به الوعي الفردي الذي ينتسب إليها إلى هذه الحضارة ذاتها التي تترك انطباعها على ذهن الباحث. وكل تحليل يقوم به باحث لحضارة ينتمي إليها هو في نفس الوقت تحليل لبناء الوعي الفردي للباحث. ولما كان يجد نفسه محددا في وضع معين، فإن تحليله يتم طبقا لهذا الوضع. يتم كل تحليل للحضارة طبقا لوجهة نظر الباحث واضعا نفسه في «زاوية نظر» حضارته. ومن هنا تأتي ضرورة الوعي المحايد ودوره، والذي ينتمي إلى حضارة أخرى، والذي يمكن الحكم عليها دون أي حكم مسبق. الشعور المحايد خال من أي انطباع من الحضارة المدروسة.
Неизвестная страница