الأشياء أودها (١) ونهى معالم حدودها، ولأم بقدرته بين متضادتها (٢) ووصل أسباب قرائنها (٣) وخالف بين ألوانها، وفرقها أجناسا مختلفات في الأقدار والغرائز والهيئات، بدايا خلائق أحكم صنعها، وفطرها على ما أراد إذ ابتدعها، انتظم علمه صنوف ذرئها، وأدرك تدبيره حسن تقديرها.
أيها السائل إعلم من شبه ربنا الجليل بتباين أعضاء خلقه وبتلاحم أحقاق مفاصلهم المحتجبة بتدبير حكمته أنه لم يعقد غيب ضميره على معرفته (٤) ولم يشاهد قلبه اليقين بأنه لا ند له، وكأنه لم يسمع بتبري التابعين من المتبوعين وهم يقولون:
﴿تالله أن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين﴾ (5) فمن ساوى ربنا بشئ فقد عدل به، والعادل به كافر بما نزلت به محكمات آياته، ونطقت به شواهد حجج بيناته، لأنه الله الذي لم يتناه في العقول فيكون في مهب فكرها مكيفا، وفي حواصل رويات همم النفوس محدودا مصرفا (6) المنشئ أصناف الأشياء بلا روية احتاج إليها، ولا قريحة غريزة أضمر عليها، ولا تجربة أفادها من مر حوادث
Страница 54