64

قال النبي": =بينما كلب يطيف(160) بركية(161) كاد يقتله العطش؛ إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل، فنزعت موقها(162) واستقت له به، فسقته إياه، فغفر لها به+(163).

قال ابن القيم×في تقرير هذا المعنى: =وقريب من هذا ما قام بقلب البغي التي رأت ذلك الكلب، وقد اشتد به العطش يأكل الثرى، فقام بقلبها ذلك الوقت_مع عدم الآلة، وعدم المعين، وعدم من ترائيه بعملها_ما حملها على أن غررت بنفسها في نزول البئر، وملء الماء في خفها، ولم تعبأ بتعرضها للتلف، وحملها خفها بفيها وهو ملآن، حتى أمكنها الرقي من البئر، ثم تواضعها لهذا المخلوق الذي جرت عادة الناس بضربه، فأمسكت له الخف بيدها حتى شرب من غير أن ترجو منه جزاء ولا شكورا؛ فأحرقت أنوار هذا القدر من التوحيد ما تقدم منها من البغاء، فغفر لها.

فهكذا الأعمال والعمال عند الله، والغافل في غفلة من هذا الإكسير(164) الكيماوي الذي إذا وضع منه مثقال ذرة على قناطير من نحاس الأعمال قلبها ذهبا والله المستعان+(165).

والحاصل أن الذي يبتلى بفعل المعاصي لا يسوغ له ترك الأعمال الصالحة ولو كانت يسيرة في نظره؛ فلربما كان ذلك سببا في ترجح كفة حسناته.

18_ انقلاب الكبيرة صغيرة، وانقلاب الصغيرة كبيرة: وهذه مسألة ينبغي التفطن لها؛ فقد يقترن بالكبيرة من الحياء، والخوف، والاستعظام لها ما يلحقها بالصغائر.

وقد يقترن بالصغيرة_من قلة الحياء، وعدم المبالاة، وترك الخوف، والاستهانة بها_ما يلحقها بالكبائر، بل يجعلها في أعلى رتبها.

وهذا أمر مرجعه إلى ما يقوم بالقلب، وهو قدر زائد على مجرد الفعل، والإنسان يعرف ذلك من نفسه ومن غيره(166).

19_ ما تعظم به الصغائر من الذنوب: وهذه الفقرة إيضاح للفقرة التي قبلها، فالصغائر من الذنوب تكبر وتعظم بأسباب منها(167):

أ_الإصرار والمواظبة: ولذلك قيل: لا صغيرة مع إصرار، ولا كبيرة مع استغفار.

Страница 64