قالت: إنه يعمل كإداري في مسيو دل برادو العريق، وإنه قبيح الشكل وهذا يزيد من قيمته كفنان له أسلوبه الخاص في الحياة، وأيضا ملامحه الخاصة، قالت: معظم العباقرة لهم أوجه قبيحة، أشبه بملامح القردة، فإنهم قبيحون بطرقهم الخاصة. قالت: الجاحظ، بشار بن برد، طه حسين، نيتشه. قالت: فان جوخ، كافكا، برنارد شو، المهاتما غاندي. قالت: حتى المقنع الكندي نفسه كان رجلا قبيحا، قبيحا جدا ... حاولت أن أتزوجه، لكنه رفض قائلا: إن الزواج رومانسية زائدة عن اللازم. قالت لي: إن لها صديقة حبشية جميلة كان آرثر رامبو عشيقا لجدتها، وإنها - أي الحبشية - تقيم معها منذ أمد بعيد. قالت: إنها تحب الرقص، الرقص الفلامنكو الإسباني، كرنق التيرة، وإنها تعشق الرجل وتعتبره من أهم قضايا وجودها، الرجل المؤدب الفنان المثقف. قالت: إنها أعجبت بي لأول نظرة ... قالت وهي تغمض عينيها الصغيرتين فترتعش قليلا رموش عينيها الساحرة، واللتين كما أكد أمين لاحقا أنهما أجمل من أذني فان جوخ، قالت: ألديك عشيق؟ إن لك جسدا شهوانيا جنسيا كفمك! ثم قبل أن تسمع إجابتي أضافت: لكنهم ينادونك القديسة، هل أنت كذلك؟
هل أنت محرومة من الحب الجسدي؟
المجانسة؟
أيضا أضافت: أنا أرى فيك غير ذلك بل العكس، أو ربما إذا أتيحت لك ظروف ملائمة تكونين مثلي هبة الرجل، تقدسين الحب، ألست صائبة في قولي؟
توقف الباص فجأة أو خيل لي أنه توقف فجأة، لاحظت أنني قد تخطيت غابتي بقليل، فأسرعت هابطة وبيدي حاجياتي، قلت لها: سنلتقي كثيرا، فرصة سعيدة يا نوار.
مدت لي يدا رقيقة نحيلة بها خاتم ذهبي له بريق أخاذ، في فمها ابتسامة حلوة وأسئلة شتى. قالت: سنلتقي كثيرا، فرصة سعيدة.
ثم ترددت قليلا قبل أن تقول: يا القديسة!
قالتها بطريقة معقدة جعلتني أسمعها عكس ذلك، عكس ما قالت تماما.
الروح ... الغابة هادئة ولا ...
الغابة هادئة ولا أقصد بالهدوء الصمت، فهي صاخبة بأناشيد الأطيار وغنائها، أو بكائها على فراق البجعات المهاجرات إلى الشمال، فالفصل صيف، صيف طويل وحارق، وليس بين الشمس والأشياء إلا صدر الشمس الحنون الحارق، فالغابة هادئة، بها صخب هو جزء من الغابة ذاتها، بل قلب الغابة النابض وإيقاع غموضها وجمالها، ما بين المحراب والموقع الذي نزلت عنده من الباص مسافة الميل، لكن وعورة الطريق دائما ما كانت توهمني بأن المسافة أطول، أطول، وأن المحراب هنالك في عمق الغابة يمعن في البعد، لكن الخيط السحري الذي يشدني إليه له تأثير عكسي، أجدني ألتهم المسافة في لحظات ولا أحسني أمشي، بل أطير طيرانا حلوا نحوه، نحوه. أما في الخريف - الفصل الجميل المتعب - فالمسافة معقدة لدرجة يصعب معها أحيانا الوصول إلى المحراب، تهطل السحابات الجنوبيات السوداوات بغزارة مالئة الوديان والخويرات وجحار الثعابين والفئران، وكل هوام المكان تخرج من خنادقها بحثا عن ملاذ آمن جاف مشمس، فلا تجد غير الطرقات، طرقات الغابة الخالية من الأعشاب والشجيرات، طرقاتي التي أسلك، فكم لدغتني عقرب وكم طاردتني حية، وكم توهتني عاصفة وأوحلتني سحابة، وكم، وكم، وكم؟!
Неизвестная страница