129

في النهايات

وعندما توقفت عربة نوار سعد ...

وعندما توقفت عربة نوار سعد اللاندكروزر عند موقف الباص المركزي الغارق في بركة من الطين اللزج الناعم الأسود؛ داهمتنا عصبة من الشحاذين؛ أطفال في ثيابهم الممزقة بأوجههم بقايا النعاس ممزوجا ببقايا الفطور الذي هو - في الغالب - فضلات رواد المطاعم، شيوخ يدعون العمى، شبان يزحفون على الطين لأن أرجلهم التهمتها الألغام وشظايا الدانات في الحروب الأهلية.

وعدت نوار سعد بزيارتنا في المحراب وحملتني تحايا المختار وتمنياتها له بالشفاء، ودارت عجلات عربتها لتحملها بعيدا تاركة إياي للشحاذين الذين سيأسلون حق الله، أو ينتزعونه انتزاعا، وخاصة من امرأة ضعيفة مثلي لا حول ولا قوة لها، فعلا بينما كنت مشغولة بالبحث عن موضع جاف لقدمي إذ بطفل طيني يخطف حقيبة يدي ويعبر بها بركة الطين نحو عمق السوق، خفيفا كتمساح من الريح، فصرخت لهول المفاجأة وحاولت الجري خلفه حينما تعثرت قدمي على شحاذ مبتور الساقين؛ فهويت على بركة الطين وأصبحنا قطعة طين كبيرة عفنة قبل أن ينجدني شابان قويان وهما يلعنان المدينة.

أخذت عربة وعدت بسرعة إلى منزل نوار سعد، مرة أخرى.

المريض

قضينا أسبوعا ...

قضينا أسبوعا مليئا بالزوار؛ من المدينة المغضوب عليها، من أصدقاء الجامعة وزملاء الدراسة، من كل صوب ومن كل جهة، جاءوا ليروا المختار المريض، وفي اليوم الأول من الأسبوع الرابع لمرضه شفي المختار، واستطاع المشي والقراءة، استطاع تسلق بعض الشجيرات القصيرة والصلاة التأملية الطويلة شيئا.

استطاع التمشي إلى ما بعد النهر، تفحص الوابور الشفاط، نزلنا النهر، اغتسلنا بمياهه الدافئة وعمت أنا، عبرت إلى الشط الآخر. أما هو فأخذ يبحلق في بعينين قلقتين متشوقتين، قال إنه لا يمكن المقامرة بالعوم. - أحس أن أعصابي متوترة.

كنا في الماضي القريب جدا إذا نزلنا النهر قفزنا معا بملابسنا في الماء، وتسابقنا نحو الشاطئ، ثم قبل أن نلمس رمل الشط الآخر نلعب «الغطاس والتمساح». وكان بارعا جدا في السباحة والغطس كبراعته في تسلق الأشجار الآيلاسنس والمهوقني العملاقة. أحس الآن بالألم في عينيه والحسرة.

Неизвестная страница