وعندما مر الباص أمام مبنى السجن الكبير نبهنا السائق بأننا نريد النزول فكبح العربة، وكان السجن الكبير بسجانيه ذوي القلوب القاسية وهم مشهورون بالمعاملة الفظة والإساءة المبالغ في وحشيتها تجاه المساجين، ويعرف هذا السجن بحراسته المحكمة، ونادرا ما يهرب سجين من بين جدرانه حيا، بل يستحيل؛ ويقال إن هذا السجن قام ببنائه مهندس إنجليزي في عصر الاستعمار.
دخلنا حجرة الاستقبال، سأل آدم عن الطبيب. قال السجان: إنه لا يأتي إلى السجن إلا في أيام الأحد والثلاثاء والخميس من كل أسبوع، ولكنكم ستجدونه في هذه الساعة بالمستشفى، بقسم الأعصاب.
ونحن نخوض الوحل نحو المستشفى نتجنب البرك الصغيرة المليئة ببيض الضفادع ويرقات البعوض، كانت رائحة تعفن فضلات الماشية والحيوانات النافقة تزكم الأنوف، وبين الحين والآخر يرى عمال الصحة العالمية والمنظمات التي تعمل في مجال صحة البيئة، يصبون زيتا أسود على المياه الراكدة، أو يقومون بشفطها بواسطة عربات مزودة بصهاريج ضخمة، وأحيانا نراهم يهيلون على البرك الحصى والأتربة والرمال التي يجلبونها من الصحراء خارج المدينة.
حافظ وسارة يتحدثان طوال الطريق عن أشياء تخصهما وأهلهما وأصدقاءهما، وقد يحزنان، وقد أشاركهما الكلام. سألني فجأة ونحن نمر قرب شاحنة تحمل مواد إغاثة وعليها شعار الأمم المتحدة: كما هي نوار؟ قلت: كما هي. كمن تذكر شيئا مهما ظل في طي النسيان لدهر مضى. - ألا تزال سارة الحبشية تقيم معها في المنزل؟ على ما أظن سيظلان معا إلى قيام الساعة. أضافت سارة ضاحكة: توم آند جيري. سأل وفي شفتيه ابتسامة خبيثة: وأمين ... أين أمين؟ - إنه يكتب الشعر ويعشق نوار سعد، وربما الحبشية أيضا، وفي ذات اللحظة يتمتع بقدر من الخجل يحسد عليه.
عندما يجف هذا العفن
سارة حسن ...
سارة حسن عمرها الآن ثلاثون عاما، سمراء، متوسطة الطول، لها وجه طفولي جميل على جسد رياضي متناسق وساقين ممتلئين بالمشاوير، وهي وآدم في طريقهما للزواج، وإذا سألتهما: متى؟ يقولان لك: قريبا، قريبا جدا، ودائما قريبا جدا منذ أن التقيت بهما بباص العاشرة قبل ثلاثة أعوام، ولكنني عندما سألت آدم اليوم، قال في قرف: عندما يجف هذا العفن سنتزوج. وأشار إلى المستشفيات التي ترقص في أعماقها الضفادع وأبو مقص، وتطفو على سطحها الجيف المتقيحة . قلت: ومتى يجف هذا العفن؟ قالت سارة مبتسمة: ومتى يجف هذا العفن؟
كان الطبيب رجلا يناهز الستين من العمر؛ أي في عمر المختار، له شعر رمادي ولحية بيضاء ترقد على حلقه، وكان ثرثارا لا يصمت له فم، حديثنا عن جنون مرضاه وطرائفهم، وعن إمكانيات المستشفى الضئيلة وعن أطفاله والسجن، وكل شيء دفعة واحدة، وعندما خطفت لحظة صمت من بين جمله المتدفقة كالعاصفة. قلت: أريدك في موضوع هام جدا وسري للغاية.
وكما رغبت تماما؛ فإن كلمة سري جعلته يشد حبل كلماته السائب وينتبه فجأة، كما لو أنه سمع صفارة إنذار.
فتح
Неизвестная страница