فترجل وترجل الناس، وزحف بعضهم إلى بعض بالسيوف، فما سمعنا إلا وقع السيوف على الهام، تقصف القنا، وأحدق الخيل على محمد بن محمد فقتل بين يديه بشر كثير، وصبر الفريقان جميعا، وخرج أهل السوس فعلوا البيوت والجدر ورموا بالحجارة والنيران، وكبروا من خلفنا، فانحاز إليهم أبو الشوك في جماعة من الأعراب و«جماعة» من أهل الكوفة فرآه الناس حين رجع فظنوا أنها هزيمة، ووضع أصحاب الباذغيسى فيهم السيوف فقتلوا وأسروا حتى حجزهم الليل وتفرق الناس في القرى والجبال، وركب أبو السرايا وجهه ومحمد بن محمد وأبو الشوك وجماعة من الأعراب وجوههم راجعين إلى الجبل، فلم يزل الناس يتفرقون عنهم حتى ما بقي معه من أصحابه أحد، وتقطعت بهم أفراسهم، فانحازوا إلى قرية من قرى حلوان، فوجد أبو السرايا بها رجلا من «بني» شيبان فاستضافه وأقام عنده ليلته تلك، وأصبح الشيباني فأتى الكيدعوس، وكان على طريق الجبل فأخبره أن أبا السرايا في منزله، فلم يشعر أبو السرايا إلا بالخيل قد أحاطت بالقرية فخرج من الدار التى كان فيها فعلا جبلا كان قريبا منه «من القرية»، ونذربه الكيدعوس فأحاط بالجبل وصعدت إليه الرجال من كل ناحية، فكان يشد عليهم عند رأس كل شعب وهو يقول:
يا نفس صبرا قد أتاك الموت .... ما بعد ما عمرت إلا الفوت
فقاتل حتى أوجعته الرماح، وأثخنته السيوف، وضعف حتى كاد يسقط يمينا وشمالا وناداه الكيدعوس: يا أبا السرايا، إنك مأسور فانزل تاركا فإنك آمن، فاستوثق منه أبو السرايا بالأمان ثم نزل، فلما صار في يده أخذ سيفه وأوثق كتافه، وقيده، فقال له أبو السرايا: فأين أمانكم؟
فقيل: ليس عليك بأس.
فقال له الكيدعوس: ادن مني، فدنا منه.
فقال: ويلك ياكيدعوس ويلك أنت أمنتني فقبلت أمانك وصدقت قولك ولست أشك في القتل، وأنا أكلفك حاجة تقضي بها حقي، وتكون عوضا من غدرك بي.
قال له كيدعوس: نعم.
Страница 489