Психологические законы развития народов
السنن النفسية لتطور الأمم
Жанры
ومبدأ مساواة الناس الوهمي ذلك هو الذي قلب الدنيا، وأحدث في أوربة ثورة عظيمة، وأوقع أمريكة في حرب الانفصال الدامية، وساق جميع المستعمرات الفرنسية إلى حال محزنة من الانحطاط، ولا تجد عالما نفسيا ولا سائحا ولا رجلا سياسيا على شيء من الثقافة لا يعلم خطأ ذلك المبدأ، وقليل من هؤلاء من يجرؤ على مكافحته مع ذلك.
ويداوم مبدأ المساواة على نموه، وهو لا يزال بعيدا من دخوله دور الأفول، وباسم هذا المبدأ تزعم الاشتراكية - التي تعبد معظم أمم الغرب عما قليل كما يظهر - أنها تنشر ألوية السعادة بين هذه الأمم، وباسم هذا المبدأ أيضا تطالب المرأة بمثل حقوق الرجل وبمثل تعليمه، غافلة عن الفروق النفسية العميقة التي تفصلها عنه، والمرأة إذا ما كتب لها النصر في ذلك جعلت من الأوربي بدويا؛ لا منزل له ولا أسرة.
ولا تبالي الأمم بما أسفرت عنه مبادئ المساواة من الانقلابات السياسية والاجتماعية مطلقا ، كما أنها لا تبالي بما تتمخض عنه هذه المبادئ من نتائج أشد خطرا من تلك، واليوم غدت الحياة السياسية لرجل الدولة من القصر بحيث لا يبالي هذا الرجل بها أكثر من مبالاة الأمم تلك، على أن الرأي العام صار صاحب السيادة، فأصبح من المتعذر عدم اتباعه.
وليس لأهمية الفكر الاجتماعية مقياس حقيقي غير ما يكون له من السلطان على النفوس، وليس لدرجة ما في الفكر من الصواب أو الخطأ نفع إلا من الناحية الفلسفية، والفكر الصائب أو الخاطئ، إذا ما اكتسب في الجماعات طور المشاعر، وجب أن يخضع بالتتابع لجميع النتائج التي تصدر عنه.
إذن، يسار إلى تحقيق خيال المساواة الحديث بطريق التعليم والنظم، ونحن، حين نزعم تقويم ما في سنن الطبيعة من جور بفضل التعليم والنظم، نحاول أن نصب في قالب واحد أدمغة زنوج المارتينيك والغوادلوپ والسنغال، وأدمغة عرب الجزائر، وأدمغة سكان آسية، ومما لا شك فيه أن تحقيق هذا الخيال أمر متعذر، ولكن التجربة وحدها هي التي تكشف عما في الأوهام من خطر، والعقل يبدو عاجزا عن تحويل عقائد الناس على الدوام.
وغاية هذا الكتاب هي وصف الأخلاق النفسية التي تتألف منها روح العروق، وبيان كيفية اشتقاق تاريخ الأمة وحضارتها من هذه الأخلاق، ونحن؛ إذ ندع الجزئيات جانبا، أو لا نلجأ إليها إلا عند الضرورة، تسويغا للمبادئ المعروضة، نبحث في تكوين العروق التاريخية ومزاجها النفسي؛ أي في العروق المصنوعة التي تكونت منذ أزمنة ما قبل التاريخ بفعل مصادفات الفتوح أو بفعل الهجرة أو بفعل التحولات السياسية، ونسعى في إثبات صدور تاريخها عن ذلك المزاج النفسي، وسنحاول اكتشاف سير الأفراد والأمم نحو المساواة، أو ميل الأفراد والأمم إلى التفاوت مقدارا فمقدارا، وسنرى بعد ذلك: هل تكون العناصر، التي تتألف منها الحضارة؛ أي: الفنون والنظم والمعتقدات، مظاهر مباشرة لروح العروق، وأن هذه العناصر لا تستطيع أن تنتقل من أمة إلى أخرى لهذا السبب؟ ثم نختم كتابنا بأن نسعى في تعيين الضرورة التي تذوي بها الحضارات وتنطفئ، وقد أسهبت في إيضاح هذه المسائل في كتبي عن حضارات الشرق؛ فلا أصنع في هذا الكتاب غير إجمالها.
وأوضح انطباع اتفق لي من سياحاتي البعيدة في مختلف البلدان هو أن لكل أمة مزاجا نفسيا ثابتا ثبات صفاتها التشريحية، فتشتق منه مشاعرها وأفكارها ونظمها ومعتقداتها وفنونها، ومما اعتقده توكڨيل وغيره من المفكرين المشهورين وجود سبب تطور الأمم في نظمها، وتراني أرى العكس فأرجو أن أثبت أن للنظم في تطور الحضارات تأثيرا ضعيفا إلى الغاية، فالنظم معلولات في الغالب، وهي قلما تكون عللا.
ولا مراء في أن هنالك عوامل مختلفة تعين تاريخ الأمم، وأن التاريخ مملوء بأحوال خاصة وبعوارض كانت وكان من الممكن ألا تكون، بيد أنه يوجد بجانب هذه المصادفات وهذه الأحوال العارضة سنن عظيمة ثابتة توجه سير كل حضارة، وأكثر هذه السنن شمولا وأشدها قسرا هو ما يصدر عن مزاج العروق النفسي، وما حياة الأمة ونظمها ومعتقداتها وفنونها إلا لحمة ظاهرة لروحها الخفية، وما على الأمة التي تود تحويل نظمها ومعتقداتها وفنونها إلا أن تحول روحها في بدء الأمر، وما على الأمة التي ترغب في دخول حضارة إلا أن تدخل إلى هذه الحضارة روحها أيضا، وليس هذا ما يعلمه التاريخ لا ريب، غير أننا سنثبت بسهولة أن التاريخ يكون قد خدع بظواهر باطلة حينما يسجل مزاعم مخالفة لهذا.
وقد حاول المصلحون الذين تعاقبوا منذ قرن أن يبدلوا كل شيء؛ أي أن يبدلوا الآلهة والأرض والناس، وهم لم يستطيعوا صنع شيء فيما أثبته الزمان من الأخلاق المتأصلة في روح العروق.
ويخالف مبدأ الفروق الثابتة التي تفصل بين الأشخاص مبادئ الاشتراكيين المعاصرين مخالفة تامة، وليس مما تستطيعه معارف العلم أن تحمل رسل العقيدة الحديثة على ترك الأوهام، وما جهود هؤلاء الرسل إلا وجه جديد لما تشنه البشرية من حرب صليبية لنيل السعادة: لنيل كنز هسپريد الذي ما فتئت الأمم تبحث عنه منذ فجر التاريخ، وربما لم تكن أوهام المساواه أقل قيمة من الأوهام القديمة التي سيرتنا فيما مضى لو لم تصطدم بصخرة التفاوت الطبيعي المنيعة، والتفاوت مع الهرم والموت جزء من المظالم الظاهرة التي ترى الطبيعة مملوءة بها فلا بد للإنسان من معاناتها.
Неизвестная страница