ضارعات، وهو يدافع عنهن، ويمانع دونهن، ويتلقى السيوف بشريف طلعته، ويفرق الصفوف بشدة عزمته، قد قتلت رجاله، وذبحت أطفاله، وانتهكت حرمة الرسول بانتهاك حرمته، وعظمت مصيبة البتول لعظيم رزيته.
فما ظنكم بسيد المرسلين لو رآه في تلك الحال عديم الأعوان، فقيد الاخوان، ممنوعا من شرب المباح، مخضوبا بدم الجراح، قد أجمعت أئمة السوء على قتله، واجتمعت عصابة البغي لخذله؟ هل كان يتلقى عنه السيوف بيديه وساعديه؟ أم يدفع عنه الحتوف بجنبيه وعينيه؟
بل لو رآه أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، وهو يستغيث ولا يغاث، ويستسقى فلا يسقى، قد أثخنه الجراح، وأثقله السلاح، وجعلته عصبة الضلال طعمة لمناصلها، وموردا لعواملها، وهو يحمل كحملات أبيه في احد وبدر، ويتلقى سيوف أهل البغي والغدر، لا يزيده قلة الأنصار إلا بصيرة من أمره، ولا يكسبه تظافر الأشرار إلا إخلاصا في علانيته وسره، أهل كان يليق الصبر بجلال كماله؟ أم يتلقى عنه السيوف بأعضائه وأوصاله؟
بل لو رأته سيدة النساء وهو يتلظى ظمأ، ويتلهف عطشا، وعاينت بناتها اسارى على الأقتاب، حيارى بغير نقاب ولا جلباب، يطاف بهن في البلاد، ويتشرفهن الحاضر والباد، وشاهدت تلك الوجوه التي طالما قبلها الرسول المجتبى، وأكرمها الوصي المرتضى، أصحاب سورة هل أتى، وأرباب (قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) (1)، يسار بها على رماح الأعداء مخضبا شيبها بالدماء، أكانت تهنأ لها الحياة بعدها أم تتمنى
Страница 58