فلما كان مستقرا عند العلماء أن الاستعاذة بالله عبادة له قالوا لا تجوز الاستعاذة بمخلوق، فلما كان هذا الأصل مستقرا عندهم استدلوا به على أن كلام الله غير مخلوق لأنه ثبت عن النبي ﷺ الاستعاذة بكلمات الله التامات فعلا منه وقولا، وهذا من حجة أهل السنة على الجهمية القائلين بخلق القرآن - يقولون - لو كان القرآن مخلوقا امتنعت الاستعاذة به، فعلى ما ذكرنا أن الاستعاذة نوع من الدعاء كما قرره شيخ الإسلام تقي الدين، وهو واضح، فالعلماء القائلون بامتناع الاستعاذة بالمخلوق يقولون لا يجوز دعاء المخلوق، لأن الاستعاذة دعاء حقيقة، لأن المستعيذ بربه يطلب منه دفع مكروه أو رفعه وهذا حقيقة الدعاء.
قال شيخ الإسلام تقي الدين ﵀: فالاستعاذة والاستجارة والاستغاثة كلها نوع من الدعاء، وهي ألفاظ متقاربة، وسمى النبي ﷺ الاستعاذة دعاء، كما في السنن أن رجلا قال يا رسول الله علمني دعاء أدعوا به قال: "قل اللهم إني أعوذ بك من شر سمعي ومن شر بصري ومن شر لساني ومن شر قلبي ومن شر منيي" ١.
وقال أبو هريرة: "كان رسول الله ﷺ يدعوا فيقول: اللهم إني أعوذ بك من الجوع فإنه بئس الضجيع، وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة" ٢، رواه أبو داود بإسناد صحيح، وفي السنن عن عائشة ﵂ أن النبي ﷺ "كان يدعوا بهؤلاء الكلمات: