الاشتراء هنا استعارة في الاستبدال: كقوله: اشتروا الضلالة بالهدى، والآيات هنا هي الإيمان بمحمد صلّى الله عليه واله وسلّم، والثمن القليل ما ينتفعون به في الدنيا من بقاء رئاستهم، وأخذ الرشا على تغيير أمر محمد صلّى الله عليه واله وسلّم، وغير ذلك، وقيل:
كانوا يعلمون دينهم بالأجرة فنهوا عن ذلك، واحتج الحنفية بهذه الآية على منع الإجارة على تعليم القرآن
الْحَقَّ بِالْباطِلِ الحق هنا يراد به نبوّة محمد صلّى الله عليه واله وسلّم، والباطل الكفر به، وقيل: الحق التوراة، والباطل ما زادوا فيها. وَتَكْتُمُونَ معطوف على النهي، أو منصوب بإضمار أن في جواب النهي، والواو بمعنى الجمع، والأوّل أرجح، لأنّ العطف يقتضي النهي عن كل واحد من الفعلين، بخلاف النصب بالواو، فإنه إنما يقتضي النهي عن الجمع بين الشيئين، لا النهي عن كل واحد على انفراده وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أي تعلمون أنه حق الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ يراد بها صلاة المسلمين وزكاتهم، فهو يقتضي الأمر بالدخول في الإسلام وَارْكَعُوا خصص الركوع بعد ذكر الصلاة لأنّ صلاة اليهود بلا ركوع فكأنه أمر بصلاة المسلمين التي فيها الركوع، وقيل: اركعوا للخضوع والانقياد مَعَ الرَّاكِعِينَ مع المسلمين فيقتضي ذلك الأمر بالدخول في دينهم، وقيل: الأمر بالصلاة مع الجماعة.
أَتَأْمُرُونَ تقريع وتوبيخ لليهود بِالْبِرِّ عام في أنواعه فوبخهم على أمر الناس وتركهم له، وقيل: كان الأحبار يأمرون من نصحوه في السر باتباع محمد صلّى الله عليه واله وسلّم، ولا يتبعونه، وقال ابن عباس: بل كانوا يأمرون باتباع التوراة، ويخالفون في جحدهم منها صفة محمد صلّى الله عليه واله وسلّم تَنْسَوْنَ أي تتركون، وهذا تقريع تَتْلُونَ الْكِتابَ حجة عليهم أَفَلا تَعْقِلُونَ توبيخ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ قيل:
معناه استعينوا بها على مصائب الدنيا، وقد روي أنّ رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم «كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة» «١» ونعي إلى ابن عباس أخوه فقام إلى الصلاة فصلّى ركعتين وقرأ الآية، وقيل: استعينوا بهما على طلب الآخرة، وقيل: الصبر هنا الصوم، وقيل: الصلاة هنا الدعاء وَإِنَّها الضمير عائد على العبادة التي تضمنها الصبر والصلاة، أو على الاستعانة أو على الصلاة لَكَبِيرَةٌ أي شاقة صعبة يَظُنُّونَ هنا: يتيقنون عَلَى الْعالَمِينَ أي أهل زمانهم، وقيل: تفضيل من وجه مّا هو كثرة الأنبياء وغير ذلك
_________
(١) . ذكره المناوي في التيسير ج ٢ ص ٢٤٥ بلفظ: «كان إذا حزبه أمر صلى» وعزاه لأحمد وأبي داود عن حذيفة بن اليمان.
1 / 82