بالألف والتقدير على هذا: مالك مجيء يوم الدين، أو مالك الأمر يوم الدين، وقراءة الجماعة أرجح من ثلاثة أوجه. الأوّل: أنّ الملك أعظم من المالك إذ قد يوصف كل أحد بالمالك لماله، وأما الملك فهو سيد الناس، والثاني: قوله: وله الملك يوم ينفخ في الصور والثالث: أنها لا تقتضي حذفا، والأخرى تقتضيه لأنّ تقديرها مالك الأمر، أو مالك مجيء يوم الدين، والحذف على خلاف الأصل. وأمّا قراءة الجماعة فإضافة ملك إلى يوم الدين فهي على طريقة الاتساع، وأجري الظرف مجرى المفعول به، والمعنى على الظرفية:
أي الملك في يوم الدين، ويجوز أن يكون المعنى ملك الأمور يوم الدين، فيكون فيه حذف. وقد رويت القراءتان في الحديث عن رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم، وقد قرئ ملك بوجوه كثيرة إلّا أنها شاذة.
الفائدة الثامنة: الرحمن، الرحيم، مالك: صفات، فإن قيل: كيف جرّ مالك ومالك صفة للمعرفة، وإضافة اسم الفاعل غير محضة؟ فالجواب: أنها تكون غير محضة إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال، وأما هذا فهو مستمر دائما فإضافته محضة.
الفائدة التاسعة: هو يوم القيامة ويصلح هنا في معاني الحساب والجزاء والقهر، ومنه إنا لمدينون.
الفائدة العاشرة: إياك في الموضعين مفعول بالفعل الذي بعده، وإنما قدّم ليفيد الحصر فإنّ تقديم المعمولات يقتضي الحصر، فاقتضى قول العبد إياك نعبد أن يعبد الله وحده لا شريك له، واقتضى قوله: «وإياك نستعين» اعترافا بالعجز والفقر وأنا لا نستعين إلّا بالله وحده.
الفائدة الحادية عشرة: إياك نستعين: أي نطلب العون منك على العبادة وعلى جميع أمورنا، وفي هذا دليل على بطلان قول القدرية والجبرية، وأنّ الحق بين ذلك.
الفائدة الثانية عشرة: اهدنا: دعاء بالهدى. فإن قيل كيف يطلب المؤمنون الهدى وهو حاصل لهم؟ فالجواب إن ذلك طلب للثبات عليه إلى الموت، أو الزيادة منه فإنّ الارتقاء في المقامات لا نهاية له.
الفائدة الثالثة عشرة: قدم الحمد والثناء على الدعاء لأنّ تلك السنة في الدعاء وشأن الطلب أن يأتي بعد المدح، وذلك أقرب للإجابة. وكذلك قدّم الرحمن على ملك يوم الدين لأنّ رحمة الله سبقت غضبه، وكذلك قدّم إياك نعبد على إياك نستعين لأنّ تقديم الوسيلة قبل طلب الحاجة.
الفائدة الرابعة عشرة: ذكر الله تعالى في أوّل هذه السورة على طريق الغيبة، ثم على
1 / 65