قال الله تعالى حكاية عن العرب: (أإذا ضللنا في الارض أإنا لفى خلق جديد) (1) يعنون إذا هلكنا فيها وكان المعنى في قوله: (فمن يرد الله أن يهديه) ما قدمناه وبيناه، (ومن يرد أن يضله) ما وصفناه، والمعنى في قوله تعالى: (يجعل صدره ضيقا حرجا) يريد سلبه التوفيق عقوبة له على عصيانه ومنعه الالطاف جزاء له على إساءته، فشرح الصدر ثواب الطاعة بالتوفيق، وتضييقه عقاب المعصية بمنع التوفيق، وليس في هذه الاية على ما بيناه شبهة لاهل الخلاف فيما ادعوه من أن الله تعالى يضل عن الايمان، ويصد عن الاسلام، ويريد الكفر، ويشاء الضلال. وأما قوله تعالى: (ولو شاء ربك لامن من في الارض كلهم جميعا) (2) فالمراد به الاخبار عن قدرته، وأنه لو شاء أن يلجئهم إلى الايمان ويحملهم عليه بالاكراه والاضطرار لكان على ذلك قادرا، لكنه شاء تعالى منهم الايمان على الطوع والاختيار، وآخر الاية يدل على ما ذكرناه وهو قوله تعالى: (أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين) (3) يريد أنه قادر على إكراههم على الايمان، لكنه لا يفعل ذلك، ولو شاء لتيسر عليه، وكل ما يتعلقون به من أمثال هذه الاية فالقول فيه ما ذكرناه أو نحوه على ما بيناه، وفرار المجبرة من إطلاق القول بأن الله تعالى يريد أن يعصى ويكفر به، ويقتل أولياؤه، ويشتم أحباؤه إلى القول بأنه يريد أن يكون ما علم كما علم، ويريد أن تكون معاصيه قبائح منهيا عنها، وقوع فيما هربوا منه، وتورط فيما كرهوه، وذلك أنه إذا كان ما علم من القبيح كما علم
---
(1) السجدة: 10. (2) يونس: 99. (3) يونس: 99.
--- [ 53 ]
Страница 52