والقسم الأول هو عماد فلسفة الغزالي الأخلاقية، بل هو عماد كتابه الأكبر «الإحياء»، الذي خلد في تاريخ الفكر الإسلامي وخلد به الغزالي «كحجة للإسلام» توضيح فضائله وأنواره.
وهو مادة دسمة لرواد الأخلاق، ومادة دسمة لمن يبغي إنسانية نبيلة مهذبة لا تعرف التخاصم والتنابز بالألقاب ولا تعرف الفسوق والجدال وسوء الخلق، وفيه تتجلى وتبرز معاني الحديث الشريف: «وإنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.»
وأما القسم الثاني وهو قسم العبادة والفيض، فأول شروطه كما يقرر الغزالي: معرفة الكتاب والسنة معرفة عليا خلافا لمن قال: إن الفيض يأتي بالطهارة فقط ولو لم تكن هناك معرفة بالكتاب والسنة والفقه، ويسمى هذا القسم في اصطلاحاتهم «بالطريق»، وقد قسموه إلى أربع مراحل:
المرحلة الأولى:
مرحلة العمل الظاهر؛ أي مرحلة العبادة والإعراض عن الدنيا وزخرفها وزينتها والزهد في شهواتها والانفراد والعكوف على الذكر والاستغفار.
والمرحلة الثانية:
مرحلة العمل الباطني بتزكية الأخلاق وتطهير القلب وتصفية الروح ومحاسبة النفس ومراقبتها والتجمل بالأخلاق النبيلة والصفات الزكية.
والمرحلة الثالثة:
مرحلة الرياضة والمجاهدة التي يقول فيها الرسول: «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر .» وبتلك المجاهدة يقوى سلطان الروح وتتحرر النفس من الأدران الأرضية فتسمو وتصفو حتى تنطبع فيها حقائق العالم وأسراره، وينسكب في القلب نور ينكشف به جمال العالم وجلاله ودقائقه وأسراره، فيرق الحس ويتنبه الشعور ويستيقظ الإحساس فتكون حركة حياة في المشاعر عامة، وتشعر تلك المشاعر بلذة عليا وعلوم نورانية تقوى في النفس حتى تصير لازمة، ويتوالى الكشف للنفس وتزاح عنها الحجب شيئا فشيئا حتى تصل إلى الأنوار العليا في عرفهم.
أما المرحلة الرابعة:
Неизвестная страница