Тасаввуф: Духовная революция в Исламе
التصوف: الثورة الروحية في الإسلام
Жанры
ولكن أكمل صورة صور فيها ابن عربي المعراج الروحي على الإطلاق هي التي وردت في الجزء الثاني من كتاب الفتوحات المكية
2
تحت عنوان «كيمياء السعادة»، وفيها يتصور المعراج رمزا لحياة النفس في هذا العالم الذي وضعها الله فيه لكي تصل كمالاتها وتحظى في النهاية بمقصودها الأعظم وهو شهود الله. أما سبب تسميته هذا الباب بكيمياء السعادة فذلك لأن التحول في الحياة النفسية أشبه شيء بتحول العناصر الطبيعية الخسيسة إلى الذهب في الكيمياء الطبيعية؛ ولذلك يذهب في الموازنة بين نوعي الكيمياء إلى أقصى درجة ممكنة، فهو يتكلم عن عناصر النفوس وإكسيرها وتحولها إلى أكمل صورها وردها إلى أصلها وما إلى ذلك من الأساليب والعبارات التي يستعملها عادة الكيميائيون الطبيعيون كما يستعملها أصحاب الكتابات الهرمسية يشيرون بها إلى نوع من التغير الروحي في طبيعة النفس.
فكيمياء السعادة هي عملية تحويل عناصر النفوس الإنسانية إلى الإكسير الروحي الخالص، ولكي يتم للنفوس ذلك لا بد لها من معرفة ذلك الأصل - الله - الذي استخلفها في الأبدان وغرس فيها حب المعرفة التي توصل إليه، ولكن أي نوع من المعرفة تلك التي توصل إلى الحق؟ ليست هي المعرفة المستندة إلى العقل والنظر العقلي، فإن العقل وحده قاصر عن أن يصل إلى حقيقة الله، ولا بد له من استمداد العون من الدين - من القوة الخارقة للطبيعة - لترشده في طريق الوصول إلى الله. نعم قد يرشد العقل صاحبه في المراحل الأولى من الطريق إلى الله، ولكن المراحل النهائية لا يتوصل إليها إلا بنور إلهي يحمل مشكاته الأنبياء ويقتبسه عنهم الأولياء؛ ولهذا يعتبر ابن عربي اتباع النبي والاسترشاد به أول شرط من شروط السلوك إلى الله، وينحي باللائمة على نظار المتكلمين والفلاسفة الذين يعتدون بعقولهم ويعتقدون أن فيها الكفاية والضمان للوصول إلى الحقيقة المطلقة.
لهذا نجده يتخيل في معراجه رجلين؛ أحدهما تابع مقلد للرسول، والآخر فيلسوف صاحب نظر، وهما في طريقهما إلى الله، ويظهر بطريقة المقابلة بينهما نوع المعرفة التي يحصلها كل منهما: العلم العقلي الذي يحصله صاحب النظر، والعلم الكشفي الذي يصل إليه «التابع» عن طريق الوراثة الروحية أو بنوع من الذوق أو الإلهام.
ويقضي هذان السالكان أول مرحلة من مراحل الطريق إلى الله في الأخذ بالرياضة النفسية والمجاهدة وتهذيب الأخلاق. هذا بنظره، وذلك بمقتضى ما شرع له أستاذه وهو الرسول صاحب الشرع. فإذا فرغا من دور المجاهدة وتخلصا من أسر الطبيعة، ولم يبق لهما من العالم العنصري إلا مقدار ما يحفظان به وجودهما، فتح لهما باب السماء: وهنا يبتدئ معراجهما الروحي الذي يسيران فيه معا، متصاحبين في أول الأمر، مفترقين بعد ذلك.
وينتهي معراج صاحب النظر به إلى الحيرة والبلبلة واليأس والندم على ما أنفق من عمر وجهد. كما ينتهي معراج «التابع» (الصوفي) المستأنس بنور الإيمان إلى اليقين، وإلى حال من الشهود تنكشف له فيها أسرار الذات الإلهية والأسماء والصفات انكشافا لا يستطيع التعبير عنه، وهذا هو مقام المعرفة الحقة والغبطة العظمى، ولكنه أيضا مقام الصمت وهو آخر مقام في الطريق وآخر منزلة من منازل المعراج.
الطريقة ومجاهدة النفس
أشرنا فيما مضى إلى أن للحياة الصوفية جانبين مختلفين متمايزين ولكنهما متكاملان؛ الأول جانب المجاهدة أو تطهير النفس، والثاني جانب الكشف والإشراق، وقد يختص جانب المجاهدة باسم الزهد، وينفرد جانب الإشراق باسم التصوف بمعناه الأخص. غير أنه لا مبرر لهذه التفرقة في الأسماء، فهما شقان لحياة واحدة؛ الشق الأول بمثابة المقدمات، والثاني بمثابة النتائج المترتبة على المقدمات. الأول الشجرة التي يتعهدها السالك إلى الله ويغذيها بكل ما أوتي من غذاء روحي، والثاني بمثابة الثمرة التي يجنيها السالك من هذه الشجرة. يقول أبو يزيد البسطامي في وصف ما عاناه من جهاد النفس وكيف انتهى به الأمر إلى الكشف:
كنت ثنتي عشرة سنة حداد نفسي، وخمس سنين كنت مرآة قلبي، وسنة أنظر فيما بينهما، فإذا في وسطي زنار ظاهر فعملت في قطعه ثنتي عشرة سنة، ثم نظرت فإذا في باطني زنار فعملت في قطعه خمس سنين، أنظر كيف أقطعه، فكشف لي فنظرت إلى الخلق فرأيتهم موتى.
Неизвестная страница