Тасаввуф: Духовная революция в Исламе
التصوف: الثورة الروحية في الإسلام
Жанры
تلك كانت حال أبي يزيد وقد استولت على قلبه خمر الحب الإلهي، فإذا صحا من سكره ورد إلى نفسه أحس بالحسرة لوقوف إنيته حائلا بينه وبين محبوبه فيصيح: يا رب لا أستطيع أن أصل إليك بأنيتي ولا أن أتخلص من ذاتي فماذا أنا فاعل؟ يقول الله تعالى: يا أبا يزيد تحرر من إنيتك باتباع محبوبي (محمد
صلى الله عليه وسلم )، وكحل عينك بتراب قدمه وداوم على اتباعه.
25
ومعنى هذا أن أبا يزيد كان يدرك في حال صحوه أنه لا مفر له من نفسه، وأن له كيانا ووجودا لا يستطيع التخلص منهما، وأن الطريق السوي لمحبة الله هو متابعة رسول الله في الأمر والنهي والاقتداء بسيرته والتزام الشرع فيما قرره من وجود إله ومألوه وخالق ومخلوق، ولكن لسان الصحو غير لسان المحو، ومنطق الحب غير منطق العقل! (5) عمر بن الفارض
لا تخرج نظريات الصوفية في الحب الإلهي في القرنين الثالث والرابع الهجريين عن النماذج التي ذكرناها؛ ولذلك اكتفينا بها ليسترشد بها القارئ في فهم نظريات أخرى لم نعرض لذكرها وهي كثيرة.
أما النموذج الجديد لهذه النظريات فقد اخترنا له الصوفي الشاعر أبا حفص عمر بن الفارض المتوفى بالقاهرة سنة 632ه.
وعمر بن الفارض أحد أقطاب العاشقين الإلهيين وأعظم شاعر صوفي في اللغة العربية على الإطلاق؛ ولهذا استحق أن نفرده بفقرة خاصة في هذا الفصل لنوضح مكانته من بين الذين وقع عليهم اختيارنا لتمثيل النظريات الصوفية المعتدلة في طبيعة الحب الإلهي.
امتاز ابن الفارض بأنه كان شاعرا فوق كونه صوفيا، أو بالأحرى بأنه كان صوفيا فوق كونه شاعرا، وكان لاجتماع هذين المزاجين فيه، مزاجي التصوف والشعر، أثر في تكوين شخصية عجيبة قد لا نجد لها نظيرا إلا في متصوفة شعراء الفرس من أمثال عبد الرحمن الجامي وجلال الدين الرومي، وإذا كان المزاج الشعري وحده يولد في صاحبه إرهاف الحس ولطافة الوجد والذوق، ويدفع به إلى تعشق الجمال أيا كانت صورته وأشكاله وأينما كان موضعه، فما بالك برجل التقى فيه هذا المزاج الشعري بالمزاج الصوفي الذي يتعلق بالجمال المطلق، يتعشقه ويصبو دائما إلى الاتصال به واقتباس أسرار الحياة والحب منه! تحول هذان المزاجان في نفس ابن الفارض إلى مزاج واحد فاض عنه ذلك السيل الدافق من قصائده الصوفية الخالدة التي يظهر فيها - بفضل مزاجه الشعري - دقة الوصف وجودة تصوير الأحاسيس والمعاني والإبداع في الخيال، كما يتجلى فيها - بفضل مزاجه الصوفي - تجاربه الروحية العميقة وما يضطرب في نفسه من أحوال ومواجد وأذواق؛ ولذلك قد لا نعدو الحق إذا وصفنا ديوان ابن الفارض بأنه سجل نقرأ فيه حياته الروحية من حيث اتصالها بالله.
ومن المبالغة، بل من الإسراف الذي لا مبرر له أن نضع ابن الفارض في عداد الفلاسفة، أو نحاول أن نستخلص من أشعاره مذهبا فلسفيا متسقا، أو نعده من أصحاب وحدة الوجود كما فعل تقي الدين بن تيمية من القدماء والمستشرق دي ماثيو من المحدثين، أو أن نقرنه بمحيي الدين بن عربي الذي تنطق كل فقرة من كتابه «فصوص الحكم» بهذه النظرية.
ومع استثناء بعض أبيات لابن الفارض في تائيته الكبرى «نظم السلوك» عليها مسحة وحدة الوجود، لا نملك إلا أن نعده متصوفا ينزع في حبه الإلهي منزع أصحاب «وحدة الشهود» لأنه لم يسلك طريق النظار - كما فعل ابن عربي في أكثر ما كتب - من وضع المقدمات واستخلاص النتائج، ومن تحليل المعاني الفلسفية وتأويل الآيات القرآنية والأحاديث بشتى أساليب التأويل لينفذ منها إلى مذهبه. لم يفعل ابن الفارض شيئا من هذا، ولكنه استسلم لوجده واستغرق في حبه، وغاب عن نفسه وعن كل ما حوله، فلم يشهد في الوجود شيئا إلا شهد الله فيه : فاعلا ومؤثرا، ولم يقع نظره على جميل إلا رآه مرآة ينعكس على صفحتها الجمال الإلهي المطلق. لقد كانت تعتريه الحال فيقضي فيها الأيام لا يأكل ولا يشرب ولا يتكلم، وهو مسجي كالميت، شاخصا ببصره إلى السماء، فإذا أفاق أملى على من حوله ما فتح الله به عليه من التائية الكبرى. هكذا يحدثنا عنه سبطه ناقلا عن أبيه فيما ورد في ديباجة الديوان.
Неизвестная страница