Путь Братьев Чистоты: Введение в исламскую гностику
طريق إخوان الصفا: المدخل إلى الغنوصية الإسلامية
Жанры
في الفترة المبكرة لانتشار المسيحية في مصر وبلدان الهلال الخصيب، تحولت جماعات غنوصية عديدة إلى المسيحية، ونتج عن ذلك تيار مسيحي غنوصي عبر عن عقيدته عن طريق أدبيات غنوصية غزيرة، بينها أناجيل صنفت بعد ذلك بين الأناجيل المنحولة. وهذه العقيدة لا تركز على الإيمان، بل على العرفان. لقد قال يسوع في الأناجيل الرسمية: «من آمن بي وإن مات فسيحيا.» وقال: «أنا هو الطريق والحق والحياة، ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي.» أما في الأدبيات الغنوصية فإن المسيح ليس وسيطا للخلاص، بل هو رمز لمعرفة الحقيقة بالكدح الشخصي. في إنجيل توما الغنوصي قال التلاميذ ليسوع: «أرنا المكان الذي أنت فيه لأنه من الضروري أن نبحث عنه.» فقال لهم: «من له أذنان فليسمع. هنالك نور داخل إنسان النور من شأنه أن يضيء العالم، ولكن إذا لم يضئ فلا شيء سوى الظلمة.»
4
مثل هذا القول يوجه ذهن المريد إلى ذاته الحقيقية وخبيئته التي تنطوي على طاقة هائلة، وإلى النور الداخلي الذي يساعده على اكتشاف طريقه بنفسه.
وفي «كتاب توما المنافح»، قال يسوع: «من لم يعرف نفسه لم يعرف شيئا، ولكن من عرف نفسه حقق معرفة بأعماق الكل.» وفي نص حوار المخلص لدينا مثال على طريقة يسوع في تحويل السائل إلى نفسه ليجد عندها الجواب. فقد سأله أحد التلاميذ أن يريهم مكان الحياة حيث النور النقي، فأجاب يسوع: «من عرف نفسه منكم فقد رآه.» وسأله آخر: «من الذي يبحث ومن الذي يكتشف؟» فأجاب يسوع: «إن من يبحث عن الحقيقة هو الذي يكشف عنها.» وفي نص «بيان الحقيقة» يقول المؤلف: «إن المريد في الواقع هو تلميذ عقله الخاص، وهو الذي يكتشف أن عقله هو أبو الحقيقة ويعرف ما يتوجب عليه معرفته عن طريق التأمل الباطني الصامت.» فيسوع الحي بالنسبة إلى الغنوصيين ليس إلا رمزا لمعرفة الحقيقة.
إن بؤس الشرط الإنساني يعود إلى الجهل لا إلى الخطيئة الأصلية؛ فالبشر في هذه الحياة هم في حالة نسيان وغفلة وعدم إحساس بذواتهم الحقيقية. وهذا ما يدعوه إخوان الصفاء عبر رسائلهم بنوم الغفلة ورقدة الجهالة. يقول المعلم فالينتينوس في «إنجيل الحقيقة»: «إن الوجود أشبه بالكابوس؛ فالنائم يرى أحيانا أنه يسقط من جبل، أو تطارده الوحوش المفترسة، أو يلاحقه قاتل، أو يطير في الهواء بغير جناح؛ ولكنه حين يستيقظ من نومه يتلاشى كل ذلك. وهذا هو حال أهل العرفان الذين تخلصوا من جهلهم مثلما يتخلص النائم من كابوسه، تاركين حياة الجهل مثلما يترك من أفاق من نومه لليل أحلامه وكوابيسه، مقبلين على عالم جديد يتلاشى فيه الجهل مثلما يتلاشى الظلام أمام نور الصباح.»
هذا السعي نحو الاستنارة يتطلب الكفاح ضد مقاومة داخلية هي أشبه بالرغبة في البقاء على حال النوم ورفض الصحو. يقول المعلم سيلفانوس في نصه المدعو بالتعاليم: «قم من هذا النوم الذي يثقل عليك. اصح من الغفلة التي تملؤك بالظلام. لماذا تطلب الظلام مع أن النور متاح لك؟ الحكمة تناديك ولكنك تطلب الحماقة. الإنسان الأحمق يتبع طريق الرغبات والشهوات ويغرق في مستنقعها، إنه مثل سفينة جانحة تدفعها الرياح في كل اتجاه، أو مثل حصان جامح بلا فارس يحتاج لجاما هو الرشد. قبل كل شيء اعرف نفسك ... اعتمد على مرشدك الذي هو العقل، ومعلمك الذي هو الرشد ... عش وفق ما يمليه عليك عقلك ... اكتسب القوة لأن العقل القوي ... أنر عقلك ... أشعل النور في داخلك ... اقرع عقل باب ذاتك وامش عليها كما تمشي على درب مستقيم وممهد، فإذا مشيت في هذا الدرب فلن تضل أبدا.»
فالغنوصية معتقد خلاص، وكل مفاهيمها وتصوراتها الكونية تتلخص أخيرا في مفهوم واحد عن التحرر والانعتاق. ولكن الخلاص الغنوصي لن يتأتى عن طريق العبادات الشكلية والطقوس، إذا لم تترافق مع المعرفة وتكون مقدمة له. إن الصراع الرئيس الذي يخوضه الإنسان هو صراع بين المعرفة التي تقود إلى الخلاص، وبين الجهل الذي يبقيه في دورة الميلاد والموت، كلما بلي جسمه وآل إلى الفناء تقمصت روحه جسدا آخر، وهكذا إلى ما لا نهاية إن هي لم تفلح في الانعتاق. من هنا فإن الحكمة القديمة المنقوشة على جدار معبد دلفي في اليونان، والمؤلفة من كلمتين هما «اعرف نفسك» تتخذ أهمية مركزية في كل النظم القائمة على المعرفة. فلقد استخدمتها الأفلاطونية وفسرتها بمعرفة النفس الإلهية في داخل الإنسان، وكذلك الهرمزية التي نقرأ في إحدى رسائلها: «إن الله الآب الذي جاء منه الإنسان هو نور وحياة، فإذا عرفت أنه نور وحياة وأنك صدرت عنه، فسوف تستعاد إلى الحياة مرة أخرى.»
فعلى عكس الزرادشتية وبقية النظم الدينية التي تبشر ببعث أجساد الموتى في اليوم الأخير، فإن البعث الذي تبشر به الغنوصية هو بعث الأرواح؛ إنه خلاص من الجسد ومن العالم في آن معا، لا من الخطيئة ومن الذنوب. وإذا كان هنالك من مفهوم عن الخطيئة الأصلية في العقيدة الغنوصية، فإنه سقوط الروح في عالم المادة، وإذا كان هنالك من مفهوم عن التوبة، فإنه وعي الإنسان للقبس الإلهي في داخله، وبحثه عن الوحدة المفقودة. مع انبعاث هذا الوعي تبتدئ الروح رحلة خلاصها وانعتاقها، ويتحول الموت من بوابة تؤدي إلى القبر أو إلى دورة تناسخ جديدة، إلى بوابة تؤدي إلى العالم الروحاني الأعلى.
وفي هذا يقول إخوان الصفاء بأن موت الجسد هو ولادة الروح؛ ويشبهون ملاك الموت بقابلة الأرواح لأنه يستولد النفس (= الروح) من الجسد كما تستولد القابلة الجنين من الرحم. ولهم في ذلك تشبيهات أخرى؛ فالنفوس تشبه الدر بينما تشبه الأجساد الصدف، وما الموت سوى استخراج الدرة من الصدفة ليستأنف بها أمر آخر. والنفوس أيضا تشبه لب الحب إذا نضجت السنابل وآن أوان الحصاد، حيث يرمى بقشورها ويؤخذ لبها ويستأنف بها أمر آخر. (الرسالة 5).
ويقول مؤلف العمل الغنوصي المعروف بعنوان رسالة في البعث: «إن الوجود الإنساني هو نوع من الموت الروحي، أما القيامة فهي لحظة الكشف والاستنارة التي تنقل العارف إلى عالم جديد. وإن من يصحو على هذه الحقيقة يغدو حيا من الناحية الروحية. إن باستطاعتك الانبعاث من عالم الموتى هنا والآن. هل أنت مجرد جسد فان؟ هل تفحصت نفسك ووعيت بأنك قد قمت من بين الأموات.» أي إن من حقق المعرفة قد بعث من الموت قبل أن يموت، وما عليه سوى انتظار واقعة الموت التي تنزع عنه رداءه المادي وتحوله إلى روح منعتقة. وفي هذا يقول إنجيل فيليب الغنوصي: «إن من يعتقد أن عليه أن يموت أولا ثم يبعث فهو على ضلال؛ لأن بمقدوره أن يبعث وهو حي.» لذلك قال يسوع في إنجيل توما الغنوصي: «هذه السماء ستزول، والتي فوقها ستزول، ولكن الذين هم أموات لن يحيوا، والذين هم أحياء لن يموتوا.»
Неизвестная страница