تذكر المدارس الوطنية والأجنبية التي عبرها عبور المتفرج. - والدي لم يتركني أكمل أي نوع من التعليم لحاجته إلي وبخاصة عقب مرضه. - فكر في مشروع تجاري، وأنا أعرف من الزملاء أناسا متنوعي الخبرة. - حسن، سأفكر في ذلك، ولكن بعد مشاورة أبي.
وقال لها وهو يودعها: من المؤسف أن هذا المكان لا يسمح لي بأن أقبلك.
العقل ينصحه بأن يهجر إلهام، ولكنه لا يستطيع. هي كأبيه فيما تعده به، وفي أنها حلم عسير التحقيق، أما كريمة فامتداد حي لأمه فيما تهبه من متعة وجريمة. ارجع إلى الإسكندرية واعمل قوادا لأعدائك. اقتل واغنم كريمة ومالها. استخرج الرحيمي من الظلمات وتزوج إلهام. آه .. وشتاء القاهرة قاس، ولا يضمر المفاجآت، ولا يعزف موسيقى السماء. وما أزحم شوارعها ومحالها فهي سوق تتلاصق فيها الأجساد والسيارات. وأكثر من امرأة تجد فيك ما تبحث عنه بنظرة واحدة، على حين تشقى أنت عبثا في البحث عن الرحيمي، لعله هلفوت ضحك على أمك فأوهمها بأنه من الوجهاء. وكثيرا ما يجد لمحة من صورة أبيه المتخيلة في هذا الرجل أو ذاك بين مئات الوجوه المتتابعة. إنه يرفضه أو لعله يخافه أو لعله ميت. وفي الشتاء سرعان ما تجنح الشمس للمغيب وترتفع أمواج الظلام. ولدى رؤيته عم محمد الساوي سأله عمن يعرف من رجال الله القارئين للغيب فدله على رجل بالدرب الأحمر يدعى الشيخة زهرة. ولما بلغ مسكنه وجده مغلقا مختوما بالشمع الأحمر، وقيل له إن البوليس قبض عليه بتهمة الدجل. وتساءل صابر: متى كان الدجل تهمة؟ وعندما رأى الفندق وهو راجع إليه آثار فيه شعورا برتابة البيت وكآبة السجن. وجلس في الاستراحة وهي آهلة تضج بالأصوات وتختنق بالدخان. ومن عجب أن الأحاديث هنا لا تكاد تتغير رغم أن الوجوه تتغير كل يوم. وسمع رجلا وهو يتساءل: ألا يعني هذا فناء العالم؟
فقال بلا وعي: في ألف داهية.
وتعالت ضحكات فأيقظته. وسأله سائل: حضرتك مع الشرق أم الغرب؟
فقال وهو آسف على تورطه في حديث لا يهمه: لا هذا ولا ذاك.
ثم تذكر جملة متاعبه، فقال بتأفف: أنا مع الحرب.
9
في تلك الليلة لم تأت كريمة في ميعادها. انتظر في الظلام عامر الرأس بخيالات الشراب، ومن الفراغ جسد صورا يصبر بها شهوته. ومرت ساعة كاملة بعد منتصف الليل ولم تأت. هو لا يدري شيئا عما يحدث فوق السطح، ولكن كريمة لم تتخلف ليلة واحدة مذ طرقت بابه لأول مرة. وتقدم الوقت ساعة أخرى ساحقا أعصابه فيئس من ليلته، وأيقن أن مجيئها بعد ذلك سيكون عبثا. وجعل ينظر صوب الباب مرهف السمع، ولكن اليأس كثف الظلمة. وظل مسهدا حتى انطلق صوت المؤذن فقال إنه ينادي بفناء هذه الليلة. واستيقظ حوالي العاشرة، فسخر من نفسه قائلا: «ليكن حساب عسير»، ونزل إلى الاستراحة فتناول فطورا خفيفا، وراح يراقب من بعيد علاقة المودة التي تؤاخي بين عم خليل ومساعده الساوي. وتساءل متى ينزل فيجد مكان عم خليل خاليا؟ وكيف يسأل كريمة عن أسباب تخلفها؟ وفجأة قامت معركة كلامية بين اثنين من النزلاء لم يدرك سببها، ولكنه تابع باهتمام حركات أيديهما العصبية، وكلماتهما الحادة، وتهديداتهما التي لم يتحقق منها شيء، ثم شعر بضجر غير محتمل.
وقرأ في وجه إلهام - في أثناء تناول الغداء - اهتماما أضفى على فتنته جدية ملحوظة. انجابت عنه هموم كثيرة وعاوده شيء من المرح، فقال: أعترف لك بأنني لا أجد لحياتي معنى إلا عند اللقاء.
Неизвестная страница