أنت لا تتعامل بالألفاظ. وجميع ما يحيط بك ينذرك بالمتاعب، ولن يكون هذا بلا ثمن. قال بمكر: وأنت عندي كذلك وأكثر، ولذلك فكلما اقترب الرحيل حزنت بلا حدود. - أنت تتكلم عن الرحيل؟ - السكوت لن يبعده. - سنبعده بقدر ما نستطيع، ولكن حيلتنا محدودة؛ فغريزة النقود هي الغريزة الوحيدة التي حافظت على قوتها عند الرجل. - وفضلا عن ذلك فليس هو بالحل. - هو جرعة إسعاف عند الضرورة. - والرجل يقظ في هذا الجانب؟ - جدا، ولا تهمه النقود بقدر ما يهمه كيف أنفقها. - غيور؟ - فوق ما تتصور، وبيننا اتفاق يجب أن أحترمه وإلا ضاع كل شيء، ولكن ماذا تفعل أنت؟ ألا عمل لك إلا انتظار مكالمة تليفونية؟ - لو جاءت لاختفت متاعب الحياة. - كان أبي شيئا على هامش الحياة. - وليس كذلك أبي. - وكيف فقدته؟ - تاريخ قديم سأحدثك عنه في ظرف آخر. - ولم لا يريد أن يتصل بك؟
آه هذا هو العذاب الغامض المليء باحتمالات لا حصر لها. وعادت تسأله: خبرني عن حالك إذا لم يظهر الرجل؟ - تصوري حال رجل بلا مال، ولا أهل، ولا عمل! - وكيف عشت فيما مضى ؟ - ملكت الألوف ولكن لم يبق إلا عشرات. - ماذا كنت تعمل؟ - لا شيء. - لم لا تبحث عن عمل؟ - لا قيمة لأي عمل يجيء عن غير طريق أبي. - لا أفهم. - ولكن صدقيني. - اشتغل بتجارة. - لا رأسمال ولا خبرة. - وظيفة؟ - لا مؤهل ولا واسطة.
ثم بعد هنيهة صمت: الواقع أنني لا أصلح لشيء.
فتخللت غابة صدره بأصابعها وهي تهمس: إلا الحب.
فابتسم في الظلام، ثم سأل: ترى كيف تمضي بنا الحياة؟ - الأمور معقدة، وزوجي غير مأمون الجانب. - كم أنه طاعن في السن! - هو كذلك، وأضيف أنه من صلب معمرين عاشوا حتى قيل إن الموت نسيهم! - وعمره على أي حال أطول من عمر البقية الباقية من نقودي. - وقد يشم رائحة غريبة في الهواء فلا نلتقي بعد ذلك.
فشد على راحتها فوق صدره، وقال: عند اليأس نهرب. - مستعدة لذلك، ولكن ماذا نصنع بعد الهرب؟
فقال بحدة: حتى حبنا لا قيمة له بدون أبي. - فكر ولا تحلم. - أيعني هذا أنه يجب أن ننتظر؟ - وكم نتحمل الانتظار؟ وماذا بعد الانتظار؟ - الموت! - ربما سبقناه إليه، يخيل إلي أحيانا أنه سيدفنني، لا مرض به البتة، وبي أنا مرض في الكبد واللوزتين. - شيء مضحك! - هو في الواقع مبك، وعند أول بادرة شك سأمتنع عن الزيارة. - عند ذاك أجن. - وأجن أنا أيضا، ولكن ما الفائدة؟ - الانتظار غير مجد، والهرب عقيم، والتليفون حلم، ما العمل؟ - أجل ما العمل؟ - أظن الهرب أنسب الحلول. - أبدا. - إذن فهو الانتظار. - ولا الانتظار. - إذن ما العمل؟ - آه، ما دمنا عاجزين فلنقطع ما بيننا.
سد فاها براحته لحظة وهو يقول: أهون من ذلك الموت.
فتنهدت قائلة: الموت.
ثم وهي تناجي نفسها: أجل، الموت!
Неизвестная страница