فإني أهني منصبا نال مفردا
دمنهور هذا يوم مجدك فأبشري
وتيهي على كل العواصم إذ غدا
ولو أن هذا الدهر جاد بمثله
علينا لشاد المجد فينا وجددا
حسدناك إذ نلت المراد وضيعت
صروف الليالي جل آمالنا سدى
وفي آخر الأبيات كما يرى القارئ شيء من التلميح بأسفي واستيائي لنقل ذلك المدير إلى الدقهلية، ونقل المغفور له محمد باشا محمود إلى دمنهور، وكنت أود العكس.
أخيرا جاء الميعاد الذي حدده سعادة المدير لزيارتي، فلم أسمح بالدخول إلا بعد أن انتظر على الباب نصف ساعة، ثم صعد إلى مكتبي، ومعه مدير التعليم فوجدني جالسة على مقعد ضخم كبير، وليس بالغرفة مقعد مثله، بل بها كراسي خيزران من العادية، وقد هيأ لي طيش الشباب إذ ذاك أن أفعل هذا لأهينه، وأجلسه على كرسي عادي في الوقت الذي أتربع فيه أنا على كرسي ضخم، فلما دخل لم أعبأ بدخوله، ولم أقم لاستقباله فحيا وجلس، ولم أرد عليه تحيته، فقال: ما لك غاضبة لا تردين؟! قلت: وما شأنك بغضبي؟ قال: أنا رئيس تلك المدرسة. قلت: وما شأنك أنت بي يا حضرة الرئيس ولست بقريبي ولا صلة لي بك، وما الذي يهمك من غضبي؟ قال: لقد جئت لأزور المدرسة. قلت: ولكنك مع هذا تعلم أني لا أريد أن أراك ولا أستقبلك. فأخذ يلين في لهجة، ويقول: لقد استقبلت زوجتي أمس استقبالا حسنا. قلت: وما الخطأ الذي فعلته تلك السيدة حتى أستقبلها بغير ذلك؟ ولم تكن عضوا معكم في المجلس، ولم تدبر شيئا. قال: ولكنها زوجتي ولها ما لي من الكرامة. قلت: نعم، إن لها كل كرامة تستحقها زوجة مدير، وليس لها في نظري من الأخطاء ما يجور إلى أن أحرمها من تلك الكرامة، ومن ذلك الاحترام الواجب لزوجة مدير.
قال: وماذا أنت فاعلة الآن، وقد جئت لزيارتك، وأريد أن أرى المدرسة؟ قلت: لك أن تراها كما تريد، أما أنا فلا أسير معك. قال: وكيف تحل المشكلة إذن؟ قلت: لا مشكلة يا سيدي؛ لأني «ح اجيب لك نايبة تاخدك تزورك المدرسة». قال بغضب: ما هذا الكلام؟ قلت: وماذا فيه؟ إني سآتيك بنائبة عني أنا لتأخذك لزيارة المدرسة، فهل في ذلك ما يغضبك؟ قال: إنك تقسين علي في معاملتك، أفتظنين أني لم أعامل ناظرة غيرك؟! قلت: كلا! أعلم أنك عاملت غيري من الناظرات كما أعلم أن تلك المقابلة لا تزال مدونة في محاضرة البوليس. قال: لقد كانت مسألة تافهة أثارها بعض مجانين الأهالي بالفيوم. قلت: إن في المنصورة أمثال هؤلاء المجانين، ولو أني عاملتك معاملتها لوصلنا إلى ما وصلتما إليه بالفيوم. قال: دعيك من الماضي، ولننظر إلى المستقبل، وسأرضيك بقدر ما أستطيع. قلت: لا أظن أنك ترضيني مختارا، وإنك إن أرضيتني اليوم فستنتهز فرصة إغضابي غدا إذا استطعتها، ورأيي أن يحترس كل منا من الآخر، وأن لا أقابلك ولا تقابلني إلا للضرورة، ويفعل الله بنا ما يريد.
Неизвестная страница