فلم يستطع العضو إلا أن يغض الطرف عن كلامه، وأن ينسحب بانتظام لا كانسحاب الطليان بغير انتظام.
مناهج التعليم ومناورات وزارة المعارف للإشراف على مجالس المديريات
في الماضي
كانت وزارة المعارف كثيرا ما تعطي السلطة لرجال لم يهبهم الله من الخبرة ما ينالون به التوفيق في أعمالهم، فإذا فتحت مدارس جديدة دبروا لها من المناهج ما لا يستطيع الإنسان أن يسير به عمليا في طريق النجاح، وكانت مدارس المعلمات في ذلك الوقت جديدة، وقد وضع لها منهج خاص، فكان فيه العجب العجاب.
لم تكن الطالبات تتعلم قواعد النحو في المدارس الأولية، بل كانت تدخل مدارس المعلمات، وهي لا تعرف شيئا من قواعد النحو في اللغة العربية، وكان المنهج يقضي أن يعطى لهن في السنة الأولى مرفوعات الأسماء والأفعال والممنوع من الصرف، ولا أدري كيف تيسر لواضع المنهج أن يعلم الممنوع من الصرف لطالبات لم يتعلمن المجرورات، يقول لهن المعلم: إن الاسم الممنوع من الصرف يجر بالفتحة نيابة عن الكسرة. وهن لا يعرفن متى يجر الاسم، وتخصيص إعطائهن المرفوعات فقط دون المنصوبات، كان أيضا مضحكا لأنهن كن يتعلمن خبر إن دون أن يعرفن اسمها، كما يتعلمن اسم كان دون أن يعرفن خبرها، وهو تعليم ناقص مختل؛ لأني إذا أعطيت التلميذة جملة فيها كان أو إن، وجب أن تعرف أن اسم الأول مرفوع وخبرها منصوب، واسم الثانية منصوب وخبرها مرفوع، لا أن تعرف شطرا من كل جملة، وعلى ذلك يكون التعليم آليا عبارة عن حفظ لا يستند إلى شيء عملي مفهوم.
أما في الحساب، فكان منهج السنة الأولى إعادة الأربع قواعد الأصلية، ثم تجنيس الكسور الاعتيادية، ومهما فكر الإنسان ودقق لا يستطيع أن يفهم عقلية واضع ذلك المنهج؛ أولا لأن الكسور العشرية أسهل من الاعتيادية، وكان يجب البدء بها لأنها تسير حسب سير الأعداد الصحيحة خطوة بخطوة، مع ملاحظة أين توضع الشرطة العشرية، أما الكسور الاعتيادية، فلها قواعد تخالف الأعداد الصحيحة بالمرة، ولو جاز لنا أن نعلمها قبل أن نعلم الكسور العشرية لما جاز لنا إطلاقا أن نبتدئ فيها بالجمع والطرح؛ بل يجب أن نبتدئ بالضرب والقسمة لسهولتهما، ثم نعلم بعد ذلك الجمع والطرح، وما دام الإنسان لا يستطيع أن يجمع ربعا ونصفا ما لم يجنس كسرين، فنحن عند الجمع نضطر إلى عملية التجنيس اضطرارا، أما أن يعطى التجنيس فقط دون جمع ولا طرح، فهو ما لم أفهمه إذ ذاك، ولم أفهمه بعد ذلك.
ولهذا سار التعليم في مدرستي حسب تفكيري أنا لا حسب المنهج؛ فكانت التلميذات في السنة الأولى في اللغة العربية يطبقن في كتاب المطالعة على جميع القواعد الكثيرة الورود، وهو ما ابتدأت مصر تفكر فيه والحمد لله الآن، أما في الحساب فقد كنت أعلمهن الكسور العشرية لأثبت قواعد الأعداد الصحيحة من جمع وطرح وضرب وقسمة، ثم أعلمهن بعد ذلك ضرب الكسور الاعتيادية وقسمتها، ثم جمعها وطرحها، وبعد أن أجمع ربعا وربعين، أضطر اضطرارا إلى تعليمهن طريقة التجنيس.
وكان مفتشو الوزارة إذا دخلوا مدرسة معلمات المنصورة لا يكتبون عنها شيئا في سيرها في طرق التعليم، وإنما يوازن الواحد منهم بين منهج الوزارة والمنهج الذي تسير عليه المدرسة دون تفكير، ثم يشرح كيف تخالف هذه المدرسة منهج الوزارة.
ولم أكن أعبأ كثيرا بتلك التقارير التي لا شيء فيها جديد علي؛ لأنني كنت أعلم - والحمد لله - الفرق بين منهجي ومنهج الوزارة، وكان من ضمن ما كنت أخالف الوزارة فيه من النظم أني كنت أعطي طالباتي خمس حصص في الصباح، وحصتين فقط في المساء، وبذلك كن يخرجن للغذاء في الساعة الثانية عشرة والنصف، بينما تخرج مدارس الحكومة في الساعة الحادية عشرة والنصف، الوقت الذي لم يعتد بيت من البيوت الغذاء فيه، وكانت طالباتي تعود إلى المدرسة الساعة الثانية بعد الظهر، بينما كانت تلاميذ المدارس الأميرية يعودون الساعة الواحدة؛ أي في زمن لا يستطيع معه التلميذ هضم الأكل والاستعداد لقبول الدرس، وكان هذا من أظهر مخالفاتي لنظم وزارة المعارف. «ومن العجيب أن الوزارة منذ عامين أو ثلاثة قد اتبعته في مدارسها الثانوية»، وظللنا على هذا حتى دخلت مدرستي امتحان الكفاءة للمعلمات الذي تقوم به الوزارة نفسها، وإذا بها الأولى على جميع المدارس، وقد تفوقت خصوصا في اللغة العربية والحساب، وهنا قامت الوزارة وقعدت، وأخذ الناس يوازنون بين مدرسة معلمات المنصورة التي تديرها مصرية، ومعلمات بولاق القديمة التي تديرها إنجليزية، وشق ذلك بالطبع على الوزارة، فأخذت تفكر في نبوية موسى لأول مرة، وليتها ما فكرت.
اتجه الفكر على ما يظهر في الوزارة إلى عدم إبقائي في تلك الوظيفة مهما كلفهم ذلك، ولكن المدير كان كما قدمت رجلا فاضلا، فلم يعبأ بما كانت تفرضه عليه الوزارة من السخافات .
Неизвестная страница