История арабской нации в эпоху праведных халифов (третья часть)
عصر الخلفاء الراشدين: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثالث)
Жанры
كان مقتل الخليفة عمر بن الخطاب جريمة فظيعة ائتمر فيها نفر من أعداء الإسلام والعروبة الذين قضى على ممالكهم، وأذل نفوسهم، ونشر فيهم راية الإسلام من الفرس واليهود والنصارى الذين تظاهروا بالإسلام وهم يكيدون له ويتربصون به الدوائر، بالخليفة الذي تم زوال ملكهم على يديه، وجعلهم خاضعين لهؤلاء العرب الذين كانوا بالأمس لا شأن لهم ولا رأي ولا فضل ولا مكانة.
تآمر بمقتل عمر يهودي مجرم تظاهر بالإسلام وأبطن الكفر والكيد والفتنة اسمه كعب الأحبار، عرف بفساد طويته وبنشره الأباطيل والأكاذيب بين المسلمين، كما تآمر بمقتله الهرمزان، ذلك الأمير الفارسي المجوسي الذي رأينا كيف جيء به إلى عمر بعد أن عاث في الأرض فسادا ونقض العهد مرات، وأراد عمر أن يقتله فاحتال عليه، وأعلن إسلامه وأبطن الشرك، فعفا عنه وأسكنه المدينة، وخصص له ما خصص لكبار المجاهدين من أموال بيت مال المسلمين، ولكنه كان مجوسيا مجرما، يبطن الشر ويتحين الفرص.
وكان ثالث المتآمرين عبد لئيم زنيم اسمه فيروز أبو لؤلؤة، كان مولى للمغيرة بن شعبة، وكان شديد الحقد على العرب والمسلمين، ولم يزل كلما جيء إلى المدينة ببعض أسرى الفرس ورقيقهم يمسح رءوسهم ويتوعد المسلمين.
ورابع المتآمرين هو نصراني اسمه جفينة، قالوا إنه كان من أهل الأنبار، وكان شديد الحقد على العرب وعلى عمر خاصة. ويروي بعض المؤرخين أن عبد الرحمن بن أبي بكر رأى قبل مقتل عمر أبا لؤلؤة مع الهرمزان وجفينة جالسين يتحدثون، فلما فاجأهم قاموا وقوفا، فسقط بينهم خنجر له رأسان نصابه في وسطه، وهو الخنجر الذي حمله فيروز أبو لؤلؤة لقتل عمر، وقتل نفسه بعد أن أخذ بفعلته.
ولا شك في أن مقتل عمر كان أعظم مصيبة حلت بالمسلمين بعد موت رسول الله
صلى الله عليه وسلم ؛ فقد كانت الفجيعة بعمر - وهو الذي نشر راية الإسلام من أقصى المشرق إلى أقصى المغرب، وهو يريد أن يتمم رسالة محمد - فجيعة كبرى قضت على آماله الجسام، وحطمت أهدافه الجليلة. وقد روى البخاري تفصيل حادث القتل رواية عن عمرو بن ميمون، نورده فيما يلي:
قال عمرو: إني لواقف ما بيني وبينه (بين عمر) عبد الله بن عباس غداة أصيب، وكان إذا مر بين الصفين قال: استووا. حتى إذا لم ير فيهم خللا تقدم فكبر، وربما قرأ سورة يوسف أو النمل أو نحو ذلك في الركعة الأولى حتى يجتمع الناس، فما هو إلا أن كبر، فسمعته يقول: قتلني أو أكلني الكلب حين طعنه أبو لؤلؤة، فسار العلج بسكين ذي طرفين لا يمر على أحد يمينا وشمالا إلا طعنه حتى طعن ثلاثة عشر رجلا، فمات منهم سبعة، فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برنسا، فلما ظن العلج أنه مأخوذ غز نفسه. وتناول «عمر» يد عبد الرحمن بن عوف فقدمه، فمن يلي عمر رأى ذلك الذي أرى.
وأما نواحي المسجد فإنهم لا يدرون غير أنهم فقدوا صوت عمر، وهم يقولون «سبحان الله! سبحان الله!» فصلى بهم عبد الرحمن بن عوف صلاة خفيفة، فلما انصرفوا قال: يا ابن عباس، انظر من قتلني، فجال ساعة ثم قال: غلام المغيرة، قال: الصنع؟ قال: نعم، قال: قاتله الله، لقد أمرت به معروفا، والحمد لله الذي لم يجعل ميتتي بيد رجل يدعي الإسلام، وقد كنت أنت وأبوك تحبان أن تكثر العلوج بالمدينة، وكان العباس أكثرهم رقيقا، فقال: إن شئت فعلت (أي: إن شئت قتلنا)، قال: كذبت، بعدما تكلموا بلسانكم، وصلوا إلى قبلتكم، وحجوا حجكم. فاحتمل إلى بيته فانطلقنا معه، وكأن الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ، فقائل يقول : لا بأس عليه، وقائل يقول: أخاف عليه، فأتي بنبيذ فشربه، فخرج من جوفه، ثم أتي بلبن فشربه، فخرج من جوفه، فقالوا: إنه ميت. فدخلنا عليه، وجاء الناس يثنون عليه، وجاء رجل شاب فقال: أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله لك من صحبة رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، وقدم الإسلام ما قد علمت، ثم وليت فعدلت، ثم شهادة. قال: وددت أن ذلك كفاف لا علي ولا لي، فلما أدبر إذا إزاره يمس الأرض، قال: ردوا الغلام، قال: يا ابن أخي، ارفع ثوبك، فإنه أنقى لثوبك، وأتقى لربك، يا عبد الله بن عمر، انظر ما علي من الدين، فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين ألفا أو نحوه، وقال: إن وفى بذلك مال آل عمر فأدوه من أموالهم، وإلا فسل في بني عدي بن كعب، فإن لم تف أموالهم فسل في قريش، ولا تعدهم إلى غيرهم، فأد عني هذا المال، انطلق إلى عائشة أم المؤمنين فقل: يقرأ عليك عمر السلام، ولا تقل أمير المؤمنين فإني لست اليوم أمير المؤمنين، وقل: يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه. فسلم واستأذن فدخل عليها، فوجدها قاعدة تبكي، فقال: يقرأ عمر بن الخطاب السلام، ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه، فقالت: كنت أريده لنفسي ولأوثرن به اليوم على نفسي. فلما أقبل قيل: هذا عبد الله بن عمر قد جاء، قال: ارفعوني، فأسنده رجل إليه، فقال: ما لديك؟ قال: الذي تحب يا أمير المؤمنين، أذنت. قال: الحمد لله، ما كان شيء أهم إلي من ذلك، فإذا قضيت فاحملوني، ثم سلم فقل: يستأذن عمر بن الخطاب، فإن أذنت فأدخلوني، وإن ردتني ردوني إلى مقابر المسلمين. وجاءت أم المؤمنين حفصة والنساء تسير معها، فلما رأيناها قمنا، فولجت عليه داخلا لهم، فسمعنا بكاءها من الداخل، فقالوا: أوص يا أمير المؤمنين استخلف، فقال: أتحمل أمركم حيا وميتا، لوددت أن حظي منها الكفاف لا علي ولا لي، وإن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني (يعني أبا بكر)، وإن أترككم فقد ترككم من هو خير مني (يعني رسول الله)، فقال عبد الله بن عمر: فعرفت أنه حين ذكر رسول الله أنه غير مستخلف، ثم قال عمر: ما أجد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين توفي رسول الله وهو راض عنهم، فسمى عليا وعثمان والزبير وسعدا وطلحة وعبد الرحمن بن عوف، وقال : يشهدكم عبد الله بن عمر، وليس له من الأمر شيء كهيئة التعزية له، فإن أصابت الإمرة سعدا فهو ذاك، وإلا فليستعن به أيكم ما أمر، فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة.
ثم أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأولين أن يدفع لهم حقهم ويحفظ لهم حرمتهم، وأوصيه بالأنصار خيرا الذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم، وأن يقبل من محسنهم، وأن يعفو عن مسيئهم، وأوصيه بأهل الأمصار خيرا فإنهم ردء الإسلام وجباة المال وغيظ العدو، وألا يأخذ عنهم إلا فضلهم عن رضاهم، وأوصيه بالأعراب خيرا، فإنهم أصل العرب ومادة الإسلام، وأن يأخذ من حواشي أموالهم وترد على فقرائهم، وأوصيه بذمة الله وذمة رسول الله
Неизвестная страница