История арабской нации в эпоху праведных халифов (третья часть)
عصر الخلفاء الراشدين: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثالث)
Жанры
9
وقد كان للفتنة التي وقعت بينه وبين معاوية أثرها القوي في إنتاجه عليه السلام وشيعته إنتاجا أدبيا عجيبا، كما كان لها الأثر العظيم في إنتاج الأمويين وجماعتهم وإن شقي بها المسلمون دهرا طويلا، وإنك لترى مصداق هذا إذا ما قرأت في «نهج البلاغة» قوله في بني أمية: «ألا إن أخوف الفتن عندي عليكم فتنة بني أمية، فإنها فتنة عمياء مظلمة، عمت خطتها، وخصت بليتها، وأصاب البلاء من أبصر فيها، وأخطأ البلاء من عمي عنها، وايم الله لتجدن بني أمية بكم أرباب سوء بعدي، كالناب الضروس تعذم بفيها، وتخبط بيدها، وتزبن برجلها، وتمنع درها، لا يزالون بكم حتى لا يتركوا منكم إلا نافعا لهم أو غير ضائر بهم، ولا يزال بلاؤهم حتى لا يكون انتصار أحد منكم إلا كانتصار العبد من ربه، والصاحب من مستصحبه، ترد عليكم فتنتهم شوهاء مخشية، وقطعا جاهلية، ليس فيها منار هدى، ولا علم يرى، نحن أهل البيت منها بمنجاة، ولسنا فيها بدعاة، ثم يفرجها الله عنكم كتفريج الأديم بمن يسومهم خسفا، ويسوقهم عنفا، ويسقيهم بكأس مصبرة لا يعطيهم إلا السيف، ولا يجلسهم إلا الخوف.»
10
ومن ذلك قوله عليه السلام في عمرو بن العاص: «عجبا لابن النابغة يزعم لأهل الشام أن في دعابة، وأني امرؤ تلعابة، أعافس وأمارس، لقد قال بطلا، ونطق إثما، أما - وشر القول الكذب - إنه ليقول فيكذب، ويعد فيخلف، ويسأل فيلحف، ويسأل فيبخل، ويخون العهد، ويقطع الإل، فإذا كان عند الحرب فأي زاجر وآمر هو؟! ما لم تأخذ السيوف مأخذها، فإذا كان ذلك كان أكبر مكيدته أن يمنح القرم سبته، أما والله إني ليمنعني من اللعب ذكر الموت، وإنه ليمنعه من قول الحق نسيانه الآخرة، وإنه لم يبايع معاوية حتى شرطه أن يؤتيه أتية، ويرضخ له على ترك الدين رضيخة.»
11
ففي هاتين الفقرتين اللتين أوردناهما من كلامه عليه السلام نرى قدرة عجيبة على البيان والخطابة، وانتقاء الألفاظ، ووضعها في مواضعها، وليس من شك في أن لصفاء ذهنه وسمو عقله وتربيته الأدبية الراقية أثرا كبيرا في ذلك، وليس أدل على صفاء ذهنه وسمو عقله مما يروى عنه أنه كان يصف الناس وحالاتهم النفسية، ويقرأ ما تكنه صدورهم، ويدرك ما تخفيه نفوسهم، ولعل كثرة مرافقته للرسول وتأدبه بأدبه واقتباسه من نوره قد أثر فيه هذا التأثير الطيب؛ فأنت ترى في خطبه ومناقشاته ووعظه ورسائله روحا جديدة كل الجدة عما كنت تراه في الآثار الأدبية العربية من قبل، وهو وراء هذا كله قد ضرب بسهم وافر في كل شأن من شئون الحياة الاجتماعية إذ ذاك، فإذا تكلم عن الزهد كان أخبر المتكلمين فيه، وإذا قال في ذم الدنيا وأهلها جاءك بالقول الفصل، وإذا حرض على القتال ومحو الفتنة كان سيد القائلين، وإذا أوصى أو حذر كان خير المتحدثين، كل هذا قد جاءه من حسن خبرته بالحياة، ومن نفسه الصافية، وأدبه منبعث عن فصاحة وبيان صادرين عن قلب عارف وعقلية سامية، وثقافة عربية إسلامية واسعة؛ فبينا هو يحدثك بأسلوب عليه مسحة من القرآن وبلاغته إذا هو ينتقل بك طفرة إلى أسلوب فيه قوة الجاهلية وجزالتها وتشبيهاتها وصورها، وهذه قدرة على البيان والخطابة لا نعرفها في أحد من العرب قبله أو بعده إلا في الرسول
صلى الله عليه وسلم .
وأما كتابته فلم تكن أقل إتقانا من خطابته، وهو إذا كتب كان يسلك مسلكا فنيا، يطيل حين يكتب ما تنبغي الإطالة فيه من عهد أو تولية يذكر فيهما بإسهاب ما ينبغي أن يكون عليه العامل الوالي من حسن السياسة وإدارة البلاد، ويوجز حين يرى الإيجاز أبلغ، وأنه لا فائدة من الإطالة، ودليلنا على ذلك أنك إذا قرأت له عهده الذي كتبه للأشتر النخعي حين ولاه مصر وأعمالها وقت اضطراب أمر محمد بن أبي بكر الصديق فيها،
12
أو قرأت كتابه إلى عامله على البصرة عثمان بن حنيف الأنصاري،
Неизвестная страница