Эпоха процветания: История арабской нации (часть пятая)
عصر الازدهار: تاريخ الأمة العربية (الجزء الخامس)
Жанры
فقد رووا أنه قال للفضل بن ربيع الذي ولاه حجابته بعد أبيه: «لا تحجب عني الناس، فإن ذلك يزيل عني البركة، ولا تلق إلي أمرا إذا كشفته أصبته باطلا، فإن ذلك يوقع بالملك ويضر بالرعية.»
وقال مرة لصالح بن علي: ائذن للناس بالجفلى لا النقرى،
1
فكانت الأبواب تفتح في عهده فيدخل الناس كلهم على بكرة أبيهم، فلا يزال ينظر في المظالم حتى يدركه الليل، وكما كان الهادي يحب أن لا يقطع صلته بالناس كذلك كان يكره من الناس أن يتداخلوا في أمور دولته وإدارة أحوالها، سواء أكان ذلك المتداخل أخاه أو وزيره أو حاجبه أو أمه.
والمؤرخون يذكرون أن أمه الخيزران كانت في عهد أبيه قد تسلطت على شئون الدولة، تعمل ما تريد، وكان المهدي يسكت عنها لحبه إياها واحترامه لها وتطلبه رضاها، فلما ولي الهادي واستمرت على سيرتها لم يعجبه ذلك، فقد روى الطبري وابن الطقطقي وابن الأثير: أن الخيزران كانت متسلطة في دولة المهدي، تأمر وتنهى وتشفع وتبرم وتنقض، والمواكب تروح وتغدو إلى بابها، فلما ولي الهادي - وكان شديد الغيرة - كره ذلك وقال لها يوما: يا أماه، ما هذه المواكب التي يبلغني أنها تغدو وتروح إلى بابك، أما لك مغزل يشغلك أو مصحف يذكرك أو بيت يصونك؟ والله، وإلا أنا نفي من قرابة رسول الله، لئن بلغني أنه وقف ببابك أحد من قوادي وخاصتي لأضربن عنقه ولأقبضن ماله.
ثم التفت إلى أصحابه وقال لهم: أيما خير أنا وأمي، أم أنتم وأمهاتكم؟ قالوا: بل أنت وأمك، قال: فأيكم يحب أن يتحدث الرجال بخبر أمه؟ فيقال فعلت فلانة كذا، وصنعت أم فلان كذا؟ قالوا: لا نحب ذلك، قال: فما بالكم تأتون أمي فتتحدثون بحديثها، فلما سمعوا ذلك انقطعوا عنها، وسنرى بعد أن هذه القصة كانت أحد الأسباب التي قضت عليه وقصرت عهده. (3) الوزارة والوزراء في عهده
لما بويع الهادي استوزر الربيع بن يونس بن محمد بن كيسان المكنى بأبي فروة، كان وزيرا للمنصور، عاقلا حازما فصيحا حاسبا مدبرا، وقد رأينا ذلك فيما مر علينا من أخباره في عهد المنصور، فلما استخلف الهادي استوزره لسنه وعقله وعلمه، فأحسن تصريف الأمور، ولكنه غضب عليه آخرة عهده وقتله، وسبب قتله فيما زعموا أنه كان أهدى جارية حسناء إلى المهدي، فوهبها المهدي إلى ابنه الهادي، فغلب حبها عليه وأولدها أولاده، فلما تولى الهادي عظمت مكانة مولاها الربيع عنده، فضاق بذلك أعداء الربيع وأخذوا يتقولون عليه الأقاويل، ويذيعون في الناس أن الخليفة طوع بنان الربيع وجاريته، وبلغت هذه الأخبار الهادي فعزم على التخلص منه فسقاه عسلا مسموما في سنة 170ه فهلك، ولما مات استوزر الهادي إبراهيم بن ذكوان الحراني، وكان إبراهيم قد اتصل بالهادي وهو حدث؛ إذ كان يدخل عليه مع مؤدبه، وكان إبراهيم خفيف الروح ذكيا لطيفا فأحبه الهادي وألفه وصار لا يصبر على البعد عنه، وبلغت أخبارهما المهدي فخاف على ابنه الفساد والضلال، فنهاه عن صحبته فلم ينته، فطلب المهدي من الهادي أن يبعث به إليه فلم يقبل، فقال له: ابعث به إلي وإلا خلعتك من خلافة عهدي، فأرسله إليه مع بعض خاصيته معززا مبجلا، فوصل إلى المهدي وهو يريد الخروج إلى قتال الثوار في جرجان، فلما رآه قال له: أنت إبراهيم، فقال: بلى، قال: والله لأقتلك، ثم أمر جنوده قائلا لهم أن يحفظوه حتى يعود، ولكنه لم يعد من سفرته، فلما مات المهدي واستخلف الهادي ومات الربيع استوزره، ولما استوزره عظمت مكانته عنده وتحكم في الدولة كما يريد، ولكن عهده لم يطل؛ إذ فوجئ بموت مولاه وعاكسه الدهر فيما يتمناه. (4) ولاية العهد
رأينا أن المهدي عهد بالخلافة إلى ابنه هارون بعد ابنه الهادي، وأن هارون قد أخذ البيعة لأخيه بعد وفاة أبيهما وبعث إليه بالبردة والقضيب؛ لأنه كان مع أبيه حتى أدركته الوفاة، ويظهر أن الطمع والأنانية قد جعلا الهادي يفكر في خلع أخيه هارون وجعلها في ولده، ولعله قد استظهر بقصة موسى بن عيسى من قبل، يقول المؤرخون: إن الهادي فكر في خلع أخيه هارون ووضع العهد في ابنه جعفر، وقد وافقه على ذلك بعض القواد والرؤساء، فأخذوا ينشرون بين الناس أقاصيص وأخبارا كاذبة تحط من قدر هارون، حتى إنهم وقفوا يوما في المسجد الجامع يعلنون أنهم لا يقبلون بهارون، ولا يرضون بولايته عليهم، وأمر الهادي أن لا يسار بحريته أمام هارون كما هي العادة مع أولياء العهد.
وأخذ الهادي وأصحابه يمنعون الناس من الاختلاط بهارون ومن زيارته والتسليم عليه وقربه، ولم يكن لهارون في تلك المحنة صديق مخلص سوى يحيى بن خالد البرمكي، فكان لا يفارقه ويسليه ويشجعه على الصمود ويقوي عزمه، فقد أيس هارون وكاد أن يقبل بخلع نفسه، ولما بلغت أخبار يحيى بن خالد إلى الهادي استدعاه وقال له: ما هذا الذي يبلغني عنك، فقال: يا أمير المؤمنين إنك إن حملت الناس على نكث الأيمان هانت عليهم أيمانهم، وإن تركتهم على بيعة هارون ثم بايعت لجعفر ابنك من بعده كان ذلك أوكد لبيعته، فقال له الهادي: صدقت ونصحت، ولي في هذا تدبير، ولكنه على الرغم من النصح والاقتناع برأي يحيى لم يقلع عن فكرته؛ لأن صحابته وقواده ظلوا يحرضونه على خلع هارون حتى جد في ذلك، واشتد غضبه على هارون لما أبى أن يخلع نفسه، فأراد إكراهه على الخلع، فقال يحيى البرمكي لهارون: استأذن في الخروج إلى الصيد، فاستأذن فأذن له بذلك، ولما طالت غيبة هارون كتب إليه الهادي يستعجله، وهارون يعتذر بشتى المعاذير، فأعلن الهادي سخطه عليه وأخذ يبسط لسانه فيه ودعا صحابته إلى شتمه وقذفه، ثم حدث أن مرض الهادي مرضا سريعا لم يمهله أكثر من ثلاثة أيام حتى مات، فانحلت الأزمة ورجع هارون ليتولى الخلافة، وقد اتهم الناس الخيزران أم الهادي بأنها سمته بسم بطيء لما رأينا من قسوته عليها ومنعه إياها من التدخل في شئون الدولة، ولأنها كانت تحب هارون، فلما رأت اشتداد غضب الهادي عليه وعزمه على خلعه فعلت فعلتها وسممته، وكان موت الهادي في مدينة «عيسى آباد». (5) خاتمته
رأينا أن الهادي كان قد طلب إلى أمه أن لا تتدخل في شئون الدولة، ولكنها لم تأبه به وظلت على سيرتها الأولى فضاق بذلك ذرعا وأسمعها ما آلمها، فعزمت على التخلص منه منذ ذلك الحين، وكان منها ما رأينا في قصة سمه ومرضه، ويروي بعض المؤرخين أنها لما رأت الهادي قد جد في أمر خلع هارون من ولاية العهد أمرت بعض جواريها أن يخنقه وهو نائم ففعلن ذلك وقتلنه في دار حريمه في «عيسى آباد» قرب الموصل، وكان ذلك في يوم 14 ربيع الأول سنة 170ه/15 أيلول سنة 786م.
Неизвестная страница