Эпоха процветания: История арабской нации (часть пятая)
عصر الازدهار: تاريخ الأمة العربية (الجزء الخامس)
Жанры
خليفة الله بين الناي والعود
فنكبه المهدي وحبسه في «المطبق»، فلم يزل فيه طول عهدي المهدي والهادي، حتى أخرجه الرشيد، ولما عزله المهدي ولى الوزارة الفيض بن أبي صالح النيسابوري، وكان سخيا كريما مفضالا استطاع بكرمه أن يستمر في وزارته إلى انقضاء عهد المهدي.
ويجب أن نلاحظ أن السعايات والدسائس قد كثرت في عهد المهدي؛ لأنه كان سماعا لها، فهو الذي عزل ابن أبي يسار بسعاية الربيع الحاجب، وهو الذي نكب يعقوب لوشاية خصومه عليه، وهو الذي قتل بشارا الشاعر بسعاية خصومه عليه.
وبعد؛ فإن الوزارة في عهد المهدي قد توطدت نظمها بمن تولاها من الأكفاء في العلم والإدارة والمال. (4) الأحوال الاجتماعية في عصره
استقرت أوضاع الناس اجتماعيا في عهد المهدي؛ لرخاء العيش وحسن الإدارة وانصراف الناس إلى أعمالهم المعاشية وقلة الفتن والحروب، وكان من جراء ذلك كله أن تحسنت الأحوال العامة وفشا الثراء بين الناس، وعمت الطمأنينة والخيرات وانتشر اللهو والمرح، وقد استتبع هذا كله بروز طبقة من الإباحيين والزنادقة أخذوا يعلنون أفكارا غريبة عن روح الإسلام، مستغلين الترف والإباحية وسيلة لنشر أفكارهم، وكان المهدي مسلما متعصبا فثارت ثائرته، وأخذ يضيق على هؤلاء الزنادقة والملاحدة الخناق ويلاحقهم ويفتك بمن يعثر عليه منهم، يقول الطبري: «إن الخليفة جد في سنة 168ه في طلب الزنادقة والبحث عنهم في الآفاق وقتلهم، كما أنه سمى عمر الكلواذي صاحب الزنادقة وعريفهم.» وكان أكثر هؤلاء المانوية والإباحيين والملاحدة والديصانية والمرقونية؛ ومن أشهرهم ابن أبي العوجاء، وحماد عجرد، ويحيى بن زياد، ومطيع بن إياس، وصالح بن عبد القدوس، وغيرهم ممن انتصب لهم الخليفة وفتك بهم وعمل على هدم نحلهم بما طلب من العلماء الإسلاميين أن يؤلفوه من الكتب والرسائل لمهاجمة عقيدتهم، وقد حفلت المكتبة العربية بعدد من الرسائل والكتب والآثار في الرد على هؤلاء الملاحدة والزنادقة وإخوانهم الشعوبيين، وقامت ثورات وفتن فكرية. (5) الحركات العقلية
كان المهدي يحب العلم ويكرم أهله ويقربهم، قال المؤرخ دحية: «كان أكرم أهل زمانه ... أحيا المعالم وقمع المظالم ونصر المظلوم وأكرم أهل العلم والدين وحلم عنهم، وأخباره مع سفيان الثوري مشهورة.»
8
ولكنه في الوقت نفسه كان يكره الحركات الفكرية العربية التي تتظاهر بحرية الرأي وتعمل في الخفاء على هدم القومية العربية وضعضعة أركان الإسلام، ويتجلى لنا ذلك في محاربته الزنادقة والملحدين والثنوية وغيرهم ممن ينكرون الخالق تعالى، أو ينفون نبوة الأنبياء، ويتسترون وراء الشهادتين زاعمين أن في ذلك الكفاية، فقد كرههم المهدي بعد أن قرأ بعض كتبهم واطلع على أفكارهم وسمع بأخبارهم ومحاوراتهم، فعقد النية على هدم حركتهم وتشتيت شملهم، سواء من كان منهم عربا انخدعوا بهذه الدعوة الباطلة، أو فرسا وموالي اتخذوا الإسلام ستارا لنشر مبادئهم الباطلة وإحياء عقائدهم القديمة، كالمندائية والمانوية والمزدكية والمجوسية والمسيحية واليهودية.
قال بروكلمان: «إن الثورات المذهبية التي سبق أن أشرنا إلى ظهورها في الولايات الفارسية قد حملت الخليفة على أن يراقب بشدة بالغة حياة رعاياه العقلية في قلب الإمبراطورية أيضا، والواقع أن المانوية لا الزرادشتية الخالصة كانت لا تزال تفرض سلطانها الكبير على أولئك الذين دخلوا حديثا في الإسلام، ثم لم يرتاحوا كليا لشعائره الصارمة، بل لقد كادت تكون (أي المانوية) دين الطبقات المثقفة، ولقد سبق للمنصور نفسه أن أمر بعبد الله بن المقفع الكاتب أن يقتل، وكان عبد الله هذا - واسمه الفارسي روزبة - ابن رجل يجمع الخراج للحجاج بن يوسف ... أثار شبهات السلطان وشكوكه من طريق مشاركته في نشاط الفرس السياسي والديني، هذا النشاط الذي أثقل كما رأينا كاهل المنصور وأنقض ظهره، وفي عهد المهدي لقي نفس المصير صالح بن عبد القدوس الشاعر الذي دعا في أحاديثه الدينية بالبصرة دعوة صريحة إلى ثنوية الفرس، ولقد حاول أن يتفادى عاقبة النقمة التي أثارتها هذه الدعوة عليه في الأوساط الفقهية بالفرار إلى دمشق، ولكن رجال المهدي تعقبوه ورجعوا به إلى عاصمة الخلافة ليصلب (167ه/783م) بتهمة الزندقة بعد أن أصبح لفظ «زنديق» علما شائعا على من ينسب إلى البدعة في ذلك العصر، والحق أن هذه الكلمة كانت على عهد الساسانيين صفة ينبز بها كل من يجرؤ على تفسير «الأبستاق»
9
Неизвестная страница