Эпоха процветания: История арабской нации (часть пятая)
عصر الازدهار: تاريخ الأمة العربية (الجزء الخامس)
Жанры
نرى من هاتين الخطبتين السابقتين الأسس التي اعتمد عليها العباسيون في طلبهم الخلافة، والسياسة التي سيسيرون عليها في دولتهم الآتية، وأنهم قوم ثائرون على الظلم، يطلبون بحق شرعي أعطاهم الله إياه وفرضه لهم على الناس، وأنهم لذلك سيحيون سنة النبي، وسيعملون بالكتاب، ولم ينس أبو العباس أن يعد الناس بزيادة العطاء لاجتذاب قلوبهم، كما لم ينس داود أن يذكر ثقته بدوام هذه الدولة وطول عهدها وبقائها إلى قيام الساعة.
ولما تمت البيعة العامة للخليفة الجديد رأى أن أول ما يجب عليه عمله هو تتميم فتح العراق، فبعث الجيوش لفتح ما بقي من أجزاء العراق، وللاستيلاء على الشام، والقضاء على مروان بن محمد وجيشه ، وكان مروان قد خرج من الشام بجيش لجب حتى أتى الموصل، فبعث إليه أبو العباس بعمه عبد الله بن علي، والتقى الجيشان على نهر الزاب الأعلى (الكبير) في يوم 11 جمادى الآخرة سنة 132ه/25 كانون الثاني 750م، وتم النصر لعبد الله وجنوده، وهرب مروان بمن معه حتى أتى حران، فأقام فيها نيفا وعشرين يوما، حتى إذا دنا منها عبد الله رحل مروان بأهله وولده إلى قنسرين فحمص فدمشق، وعبد الله من ورائه فحاصر دمشق طويلا، ولكن أميرها الوليد بن معاوية اضطر إلى الاستسلام، فدخل عبد الله دمشق وفتك بالأمويين فتكا ذريعا، وهرب مروان بن محمد إلى مصر فلحق به المسودة حتى أدركوه قرب «أبو صير» وقتلوه لثلاث بقين من ذي الحجة سنة 132ه، وبقتله انتهت دولة بني أمية في الشرق، وتوطدت أركان الدولة العباسية.
ويجب أن نشير ها هنا إلى أن قوة إيمان الخراسانيين ومن معهم من جنود العباسيين بالدعوة، كانت قوة كاسحة استطاعت أن تتغلب على جيش الأمويين اللجب الكثير بعدده، الثري بأمواله، الضعيف بإيمانه.
وكما يجب أن نشير هنا أيضا إلى أن القضاء على الأمويين لم يقض على أنصارهم في الشام؛ فقد قامت ثورات في أجناد حمص وقنسرين والجزيرة وحوران وفلسطين، وكان هؤلاء يتخذون البياض شعارا لهم مقابلة للون السواد الذي اتخذه العباسيون شعارهم ونكاية بهم، وقد استطاع أبو العباس أن يقضي بدهائه وحزمه على كل هذه الثورات التي ثارت في الشام، كما استطاع أخيرا أن يقضي على ثورة يزيد بن عمر بن هبيرة الذي أخذ يثير الناس للمطالبة بدم الخليفة القتيل مروان بن محمد، وحاول أن يستعين باليمانية الذين كانوا أمويي الهوى، ولكنه فشل آخر الأمر ودب الانقسام في صفوف جنده وجماعته، فاضطر إلى طلب الصلح وكتب له الأمان، ولكنه قتل ونقض عهده، وبموت ابن هبيرة وقتل من بقي من الأمويين وأنصارهم صفا الجو للعباسيين واشتد لهم الأمر.
وكأن أبا العباس قد أخذ يحس بالخطر الكامن في أبي سلمة الخلال، الذي كان هو علوي الهوى، ولم ينس أبو العباس محاولة الخلال في نقل الأمر إلى العلويين، فأخذ يفكر في التخلص منه، ولكنه خشي إن قتله أن يثور أبو مسلم الخراساني، فكتب إليه يستبين رأيه ويقول له إن أبا سلمة قد خان العهد وأخذ يفسد في البلاد، فأشار عليه أبو مسلم بقتله، ولكن الخليفة لم يفعل ذلك، بل طلب إلى أبي مسلم أن يبعث بأحد رجاله فيقتله، ويقول ابن قتيبة الدينوري والمسعودي: «إن أبا مسلم قد نفس على أبي سلمة مكانته وسلطانه لدى الخليفة، فحرض على قتله.» وسواء أكان صاحب الفكرة هو الخليفة أو أبا مسلم، فإن أبا سلمة قد أضحى خطرا؛ لأنه استبد بالأمر وتسلم جميع شئون الخليفة، فكان ذلك السبب في قتله.
ولما قتل أبو سلمة صفا الأمر لأبي العباس ونفذت إرادته وحده في أرجاء المملكة الإسلامية من أقصاها إلى أقصاها، واستطاع أن يفرض سلطته الفعلية كخليفة قوي يحكم فيسمع قوله، ويدبر فينفذ تدبيره في أرجاء مملكته. لا بأس ها هنا من وقفة لنبين فيها خارطة رقعة تلك المملكة الواسعة، رقعة الدولة الإسلامية في ذلك العصر، مع بيان موجز عن كل إقليم منها وشيء من أحواله، معتمدين في ذلك على ما كتبه الجغرافي الموثوق المعاصر لذلك العهد؛ ألا وهو الشيخ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر المقدسي المعروف بالبشاري (المتوفى سنة 375ه) في كتابه القيم «أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم»، فقد ذكر في كتابه هذا ما خلاصته أن المملكة الإسلامية في ذلك العهد كانت تمتد طولا من أقصى بلاد الشرق عند مدينة كاشغر إلى السوس الأقصى على شاطئ بحر الظلمات، وأنها تمتد عرضا من شواطئ بحر قزوين إلى أواخر بلاد النوبة، ويقول أيضا (ص65) إن طول هذه المملكة ألف وستمائة فرسخ.
وكانت هذه المملكة الواسعة تنقسم إلى أربعة عشر إقليما هي: (أ)
إقليم جزيرة العرب:
وتشتمل على أربع كور جليلة وهي:
الحجاز:
Неизвестная страница