Эпоха развития: История арабской нации (часть вторая)
عصر الانطلاق: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثاني)
Жанры
وقد لقي النبي نفسه من سفهاء مكة مزعجات كثيرة؛ منها أن سفهاءهم حثوا التراب على رأسه، ومنها أنهم كانوا ينضدون الفرث والأرواث والدماء على ثيابه، ومنها بصق أمية بن خلف في وجهه، ومنها وطء عقبة بن أبي معيط على رقبته وهو ساجد عند الكعبة حتى كادت عيناه تبرزان، ومنها أخذ بعض سفهائهم برقبته وخنقه خنقا شديدا حتى أنقذه أبو بكر فجذبوا رأسه ولحيته وسقط أكثر شعره. أما السب والشتم والهجو الذي كان يسمعه إياه سفهاؤهم، فشيء كثير جدا.
5
وكان شر هؤلاء السفهاء عليه أبو جهل (أبو الحكم) بن هشام، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط. ومن شر ما قام به أبو جهل أنه مر مرة برسول الله وهو عند الصفا يدعو إلى دين الله ويبتهل إليه أن يهدي قومه، فآذاه وشتمه ونال منه بما يكره، وشتم دينه، فلم يكلمه رسول الله وانصرف لطيته، وشهد الأمر مولاة لعبد الله بن جدعان، فحزنت لما أصاب محمدا من أبي جهل، ولم تمض فترة حتى جاء حمزة بن عبد المطلب متوشحا قوسه راجعا من قنص له، وكان صاحب قنص يرميه ويخرج له، وكان إذا رجع من قنصه لم يصل إلى أهله حتى يطوف بالكعبة، وكان إذا فعل ذلك لم يمر على ناد من قريش إلا وقف وسلم وتحدث معهم، وكان أعز فتى في قريش وأشدهم شكيمة، فلما مر بالمرأة قالت: يا أبا عمارة، لو رأيت ما لقي ابن أخيك آنفا من أبي الحكم بن هشام، وجده هنا جالسا فآذاه وسبه وبلغ منه ما يكره، ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمد.
فاحتمل حمزة الغضب لما أراد الله به من كرامته، فخرج يسعى ولم يقف على أحد، معدا لأبي جهل، فلما دخل المسجد نظر إليه فوجده جالسا في القوم، فأقبل نحوه حتى إذا قام على رأسه رفع القوس فضربه به فشجه شجا منكرا، ثم قال: أوتشتمه وأنا على دينه أقول ما يقول؟ فرد ذلك علي إن استطعت. فقامت رجال من بني مخزوم إلى حمزة ينصرون أبا جهل، فقال أبو جهل: دعوا أبا عمارة، فإني والله قد سببت ابن أخيه سبا قبيحا. ثم أقبل إلى حمزة يلاطفه، فتركه وانصرف. قال حمزة: ولما قلت لأبي جهل ما قلت أدركني الندم على مفارقتي دين آبائي وقومي، وبت من الشك في أمر عظيم، لا أكتحل بنوم، ثم أتيت الكعبة وتضرعت إلى الله سبحانه أن يشرح صدري للحق ويذهب عني الريب، فما استتممت دعائي حتى زاح عني الباطل وامتلأ قلبي إسلاما، فغدوت إلى رسول الله فأخبرته بما كان من أمري، فدعا لي بأن يثبتني الله.
6
فلما أسلم حمزة عرفت قريش أن محمدا قد عز وامتنع، وأن حمزة سيمنعه، فكفوا عن بعض ما كانوا ينالون منه. ثم إن أكابر قريش أجمعوا أمرهم بعد أن رأوا من إسلام حمزة ما أرغمهم على أن يفاوضوا محمدا، فقال عتبة بن ربيعة، وكان من عقلائهم ووجوههم: ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورا لعله يقبل فنعطيه ما يشاء ويكف عنا؟ ثم إنه أتى رسول الله فقال له: يا ابن أخي، إنك منا حيث علمت من البسط في العشيرة، والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرقت به جماعتهم، وسفهت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم، وكفرت من مضى من آبائهم، فاسمع مني أعرض عليك أمورا انظر فيها لعلك ترضى ببعضها. فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : «قل يا أبا الوليد أسمع.» فقال: يا ابن أخي، إن كنت تريد بما جئت به من هذا الأمر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا، وإن كنت تريد به شرفا سودناك علينا، وإن كنت تريد ملكا ملكناك، وإن كان هذا الذي يأتيك تابعا ورئيسا من الجن لا تستطيع رده عن نفسك، طلبنا لك الطب وبذلنا أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه. فقال رسول الله: «قد فرغت يا أبا الوليد؟» قال: نعم. قال: «استمع مني: بسم الله الرحمن الرحيم.
حم * تنزيل من الرحمن الرحيم * كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون * بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون * وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه ...» ثم مضى رسول الله
صلى الله عليه وسلم
يقرؤها، وعتبة قد أنصت وألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليهما، ثم انتهى رسول الله إلى السجدة فسجد، وقال: «لقد سمعت يا أبا الوليد، فأنت وذاك.» فقام عتبة ولم يتكلم، ثم قصد قومه حتى إذا رأوه قالوا لبعضهم: نحلف بأنه لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به. فلما جلس إليهم قال: لقد سمعت قولا والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر ولا السحر ولا بالكهانة، يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه، فاعتزلوه، والله ليكونن لقوله الذي سمعته نبأ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم وكنتم به أسعد الناس. فقالوا: سحرك والله يا أبا الوليد. فقال: هذا رأيي فاصنعوا ما بدا لكم.
Неизвестная страница