Эпоха упадка: История арабской нации (Часть седьмая)
عصر الانحدار: تاريخ الأمة العربية (الجزء السابع)
Жанры
فلما رآها هاجت دموعه وبكى، ولما صعد على المنبر يوم الجمعة ليخطب ويعظ الناس في جامع بني أمية أمر بإحضار تلك الشعور المجزوزة فحملت على الأعناق، وكانت ثلاثمائة شكال - وهو الحبل الغليظ الذي تشد به قوائم الدابة - فلما رآها الناس تصايحوا، وضجوا ضجة عظيمة، وتقاسموا أن يقاتلوا الصليبيين صفا واحدا أو يهلكوا عن آخرهم، ثم أخذت الجيوش تستعد للقتال بقيادة الأمراء الأيوبيين وتتعاهد على الجهاد وقطع دابر الصليبيين الذين يعيثون في الديار الإسلامية فسادا، وبخاصة في فلسطين المقدسة، وسارت جموعهم من دمشق إلى نابلس حيث كان يقيم الملك المعظم، والتقى الجمعان، وكتب الله النصر للمسلمين، فخربوا ديار الفرنجة، وأسروا جماعات من ملوكهم وأمرائهم وقادتهم حتى اضطروهم إلى الاحتماء بحصون عكا، والكتابة إلى الملك العادل يرجونه أن يعقد معهم كتاب صلح ويهادنهم ففعل، وأمنهم إلى حين.
وأخذ الصليبيون في الخفاء يعدون أنفسهم للقاء المسلمين في دمشق، ويهيئون للقيام بحملة شديدة إلى أن كانت سنة 614ه فهاجم الصليبيون سورية بحملة قاسية، وهي الحملة الخامسة من حملاتهم، وتم لهم النصر وتوغلوا في البلاد إفسادا ونهبا وقتلا حتى وصلوا بلاد بيسان ونابلس، وكادوا يستولون على دمشق، ومما قوى عزائمهم في ذلك وفاة الملك العادل في سنة 615ه، وبوفاته تضعضعت أركان البيت الأيوبي، فقد كان رحمه الله حازما متيقظا غزير الفهم حسن السياسة، وكاد الصليبيون أن يسيطروا على سائر مدن الشام لولا أن اتفق أولاد الملك العادل وتراصوا «فلا جرم زاد ملكهم ورأوا من نفاذ الأمر والحكم ما لم يره أبوهم ، ولعمري أنهم نعم الملوك، وفيهم الحلم والجهاد، والذب عن الإسلام.»
2
وفي سنة 626ه/1228م حمل الصليبيون حملتهم السادسة على الشام بزعامة الأنيرور فريدريك الثاني ملك صقلية، وكان سياسيا داهية، استطاع بمكره أن يقنع الملك الكامل الأيوبي بالتفاوض مهه، وتسليم بيت المقدس وبيت لحم والناصرة لمدة عشر سنوات، على أن لا يتعرض هو وسائر ملوك الصليبيين لقبة الصخرة والمسجد الأقصى بأي أذى، فقبل الملك الكامل منه ذلك، واضطربت بلاد الإسلام لهذه النكبة العظمى، وكانت هذه القصة سببا في إيغار صدور أهل دمشق على الملك الكامل ومن معه، وخصوصا حين ازدادت قوة الصليبيين، وحاربوا دمشق وحاصروها، وكادوا أن يدخلوها لولا وقفة أهل دمشق الجبارة، وردهم عنها أشنع رد، ثم زاد الأمر اضطرابا وقوع الوحشة بين الملك الكامل وبين إخوته وسائر أمراء البيت الأيوبي، ولقيت البلاد من هذه الوحشة عنتا كبيرا، وبلاء عظيما إلى أن هلك الكامل في سنة 635ه.
وقد ازدادت أمور الفوضى بين أمراء البيت الأيوبي فانقسموا على أنفسهم وتحاربوا وتجالدوا وقسموا البلاد بينهم، وخربت الدور والقصور والمعاهد والمدارس والمساجد بسبب ذلك في أكثر مدن الشام العزيز، وانتهز الملوك والقادة الصليبيون هذا الانقسام فأغاروا على المدن وشتتوا أهلها، وخصوصا حين التجأ بعض الملوك والأمراء الأيوبيين إلى الصليبيين يستعينون بهم على إخوتهم أو أبناء عمومتهم، وتفصيل ذلك أن الملك الجواد بن مورود بن الملك العادل الأيوبي ذهب إلى مدينة عكا لاجئا إلى صاحبها الصليبي، وحافزا إياه على قتال ابن عمه الملك الصالح أيوب صاحب مصر وقتال الملك الصالح إسماعيل صاحب دمشق، وقد وعد الملك الجواد صاحب عكا بأن يقره على جميع ما في يده من البلاد إن هو نصره على صاحبي مصر ودمشق، ولكن الملك الصالح صاحب دمشق كان أكثر دهاء من الملك الجواد فإنه بعث رسولا من قبله إلى صاحب عكا الصليبي ومعه هدايا وتحف ثمينة وكتاب يطلب فيه تسليم الملك الجواد، فما كان من الصليبي إلا أن أخذ الهدايا، وسلم الملك الجواد إلى رسل الملك الصالح إسماعيل، فلما وصل إلى دمشق اعتقله، ثم خنقه في سجنه في سنة 638ه، ولما تخلص الملك الصالح إسماعيل من الملك الجواد، أراد التخلص من ابن أخيه الملك الصالح أيوب صاحب مصر، فاتفق هو وصاحب عكا الصليبي على أن يسلمه صفد والشقيف إذا هو أعانه على قتال الملك الصالح أيوب صاحب مصر.
واضطربت دمشق لهذا العمل الإجرامي الذي قام به الملك الصالح إسماعيل كما اضطربت له سائر المدن الشامية والمصرية، وقام القاضيان الشافعي والمالكي في دمشق - وهذان أكبر رجال الدين في البلد منصبا - يلعنان من أقدم على هذا الأمر، ويعلنان سخطهما على هذا العمل الحاط من شرف العروبة والإسلام، فما كان من الملك الصالح إسماعيل إلا أن عزلهما وسجنهما في قلعة دمشق، فسكنت المدينة على مضض، وتم الاتفاق بين إسماعيل والصليبيين على تنفيذ ما وعدهم به، وسلم إليهم بيت المقدس وعسقلان وطبرية، ثم التقت جيوش الملك الصالح أيوب بجيوش الملك الصالح إسماعيل ومن معه من الصليبيين، ولكن الله كتب للجيش المصري نصره، وتأييده وانخذل الملك الصالح إسماعيل ومن معه من الفرنجة حتى قال ابن أبي أسامة: «وكسرت الفرنج ومن انضم إليهم من منافقي المسلمين، وقتل منهم مقتلة عظيمة، واستولى الملك الصالح أيوب صاحب مصر على غزة والسواحل والقدس، ثم أرسل باقي عسكر مصر مع معين الدين بن الشيخ، واجتمع إليه من بالشام من عسكر مصر والخوارزمية وساروا إلى دمشق وحاصروها وبها صاحبها الملك الصالح إسماعيل وإبراهيم بن شيركوه صاحب حمص، ولما ضاق صاحب دمشق ذرعا بحصار صاحب مصر له سير الملك الصالح إسماعيل وزيره أمين الدولة على العراق مستشفعا بالخليفة ليصلح بينه وبين ابن أخيه فلم يجب الخليفة إلى ذلك، وتسلم عسكر الملك الصالح أيوب دمشق من الصالح إسماعيل على أن يستقر بيد الصالح إسماعيل بعلبك وبصرى والسواد، وتستقر حمص وما هو مضاف إليها بيد صاحبها، ثم إن الخوارزمية خرجوا عن طاعة الصالح أيوب، فإنهم كانوا يعتقدون أنهم إذا كسروا الصالح إسماعيل وفتحوا دمشق يحصل لهم من البلاد والإقطاعات ما يرضي خواطرهم، فلما لم يحصل لهم ذلك خرجوا عن طاعة الملك أيوب، وصاروا مع الملك الصالح إسماعيل وانضم إليهم الناصر داود صاحب الكرك، وساروا إلى دمشق وحاصروها فقاسى أهلها شدة عظيمة»،
3
والحق أن دمشق لقيت من هذه الفئة عناء كبيرا، كما لقيت من هذا الحصار بلاء عظيما، وقد احترقت محلات العقيبة وقصر حجاج والشاغور وحكر السماق، وهي من أعظم محلات دمشق، وأكثرها آثارا وقصورا، وقد دام الحصار نصف سنة حتى هلك فيه الناس جوعا، وأكلوا الموتى والأطفال ولم ينكشف البلاء عنهم ولم ينجوا من بلاء الخوارزمية والملك الصالح إسماعيل إلا بعد أن استنجدوا بالحلبيين، فقدموا إليهم، وأعانوهم على طرد الخوارزمية عن دمشق، وشتتوا شملهم في سنة 644ه.
وفي سنة 647ه مات الملك الصالح أيوب صاحب بلاد مصر وأكثر بلاد الشام، وكان قد استكثر في حياته من المماليك الترك والصقالبة لحراسته، وتقوية نفوذه، فلما مات قوي أمرهم واشتد سلطانهم حتى تملكوا البلاد من بعده على ما سنفصله، والحق أن هؤلاء المماليك قد استغلوا سلطانهم أيام الملك الصالح أيوب، ولما هلك ولم يكن له ولد تولت الأمر بعده زوجته شجرة الدر، وأعانها على ذلك نفر من المماليك، وكتبوا بذلك إلى أهل الشام، فأبى هؤلاء أن يخضعوا لامرأة، وولوا عليهم الملك الناصر يوسف بن أيوب صاحب، وتمت له السيطرة على سورية من حلب إلى دمشق إلى بعلبك فعجلون.
ولما اتفق المماليك في مصر على خلع شجرة الدر وتولية أحدهم وهو المملوك أيبك الجاشنكير، كتبوا بذلك إلى أهل الشام، فرفض هؤلاء ذلك إلا أن يولوا أحد الأمراء الأيوبيين، ثم جمعوا جموعهم، وتوجهوا إلى مصر لقتال هؤلاء المماليك، والتقى الجيشان الشامي والمصري عند مدينة العباسة، وبعد قتال مرير بينهما تم الاتفاق على عقد صلح بين الملك الناصر يوسف بن أيوب صاحب دمشق وبين المماليك البحرية على أن يكون للمماليك ما وراء حدود نهر الأردن وللناصر ما بعد ذلك، ولكن هذا الصلح لم يدم طويلا؛ فإن بعض المماليك انشقوا عن إخوانهم في مصر وجاءوا إلى الملك الناصر في دمشق يطمعونه في السيطرة على مصر، فسار معهم بجيوشه حتى إذا وصل إلى غور الأردن وقعت فتنة بينه وبين المماليك اضطر الناصر بعدها أن يرجع إلى دمشق، ولم يكد يستقر فيها حتى جاءته الأخبار بأن جيوش هولاكو تزحف نحو الشام.
Неизвестная страница