Эпоха рассвета: История арабской нации (Часть первая)
عصر الانبثاق: تاريخ الأمة العربية (الجزء الأول)
Жанры
كانت بلاد الحجاز (ويراد بها الحجاز وتهامة معا) قبل البعث النبوي قلب البيئة العربية في جزيرة العرب؛ ففيها الكعبة مهوى قلوب العرب أجمعين، وموضع عزهم، وفيها مكة، أم القرى العربية، ومسكن قريش سيدة القبائل العربية وأعزها سلطانا في الدين والدنيا، وفيها يثرب أخصب أراضي الجزيرة وأطيبها تربة وأعمرها بقعة، وفيها جدة والجار خير فرض الجزيرة وأغناها تجارة وربحا، وفيها الطائف مدينة العلم والنشاط الفكري والتجارة، وفيها أفصح قبائل العرب وأكثرها شعرا، وفيها أجل أسواق العرب شهرة كعكاظ ومجنة وذي المجاز.
والحجاز بلد عريق في استقلاله وسيادته منذ أقدم العصور؛ لمكانه الحصين، وحرمته المقدسة، وصموده أمام النكبات والاحتلال الأجنبي، وما ذلك إلا لمكانة مكة المكرمة؛ قال ياقوت: إنها - أي مكة - كانت لقاحا لا تدين لدين الملوك، ثم لو يؤد أهلها إتاوة، ولا ملكها ملك قط من سائر البلدان، تحج إليها ملوك حمير وكندة وغسان ولخم فيدينون للحمس من قريش، ويرون تعظيمهم والاقتداء بآثارهم مفروضا وشرفا عندهم عظيما، وكان أهله - أي البيت - آمنين يغزون ولا يغزون، ويسبون ولا يسبون، ولم تسب قرشية قط فتوطأ قهرا.
1
وسكان الحجاز هم العرب واليهود؛ وأما العرب فهم سكانه الأصليون، وهم منتشرون في جميع مدن الحجاز، قراه وبواديه، ومن أشهر القبائل الساكنة فيه: بطون قريش، وسليم، ومزينة، وهوازن، وثقيف، وخثعم، وطي، وأشجع، وغفار، وفزارة، وغطفان، والأوس، والخزرج. وأما اليهود فكانوا يسكنون في يثرب وخيبر والطائف ووادي القرى، ومن أشهر القبائل اليهودية: بنو النضير، وبنو القينقاع، وبنو قريظة، وبنو هدل.
وأجل مدن الحجاز «مكة»، وهي من أقدم مدن بلاد العرب؛ سكنها العمالقة، ثم خلفتهم قبيلة جرهم عليها، وفي عهدها قصدها إبراهيم - عليه السلام - وبنى الكعبة، وصاهر ابنه إسماعيل بني جرهم، وسكن الحجاز، واستمر أولاده فيها من بعده.
2
وكانت سدانة البيت لآل مضاض بن عمرو الجرهمي خال ولد إسماعيل، إلى أن بغوا واستحلوا أموال الكعبة، فغلبتهم خزاعة عليها، وهي قبيلة يمنية قدمت الحجاز إثر سيل العرم.
3
ووليت البيت نحوا من ثلاثمائة سنة إلى أن نبغ قصي بن كلاب بن مرة، وكان يقيم هو وأبناؤه حوالي مكة، فعظم سلطانه، وانتزع حماية الكعبة من خزاعة، وتملك مكة، وبنى بها دار الندوة، ونظم أمور أهلها؛ فلا تزوج امرأة إلا في دار الندوة، ولا يعقد لواء ولا يعذر غلام ولا تدرع جارية إلا فيها، وكأنه أراد بذلك تسجيل حوادث الأحوال الشخصية، وجعل تلك الدار مقرا للقوم يتشاورون فيه في كافة شئونهم من خير وشر، وكانت قبائل قريش تؤدي الرفادة إلى قصي؛ وهي أموال يؤدونها إليه يترافدون فيها، فكان يصنع الأطعمة والأشربة للحجاج أيام الموسم، ورتب سائر أمور مكة من حجابة وسقاية ولواء وما إلى ذلك مما فيه تنظيم شئون المدينة، كما سترى تفصيل ذلك فيما بعد.
ومن مدن الحجاز الكبيرة «يثرب»، وهي مدينة قديمة سماها المعينيون «يثرة»، والبيزنطيون «يثريبا»، وهي مدينة حصينة كثيرة القلاع والآطام، كثيرة الخيرات والمزارع، عذبة المياة وافرة النخيل.
Неизвестная страница